إقليم خنيفرة: رمضان بنكهة طقوس وعادات أمازيغية أصيلة ومتوارثة

يشكل شهر رمضان الكريم بإقليم خنيفرة، عاصمة زيان التاريخية، مناسبة دينية للتعبد والتراحم والتضامن الإنساني، والاحتفاء بالعادات والتقاليد الأمازيغية المتوارثة الخاصة بالمائدة والطقوس الشعبية المحلية خلال هذا الشهر الفضيل.

وتعكس هذه الطقوس والعادات الاحتفائية المحلية، خلال هذا الشهر الفضيل، الإرث الحضاري لإقليم خنيفرة خاصة٬ وعموم الأطلس المتوسط٬ وتنوع روافده الثقافية الأمازيغية، حيث ظلت ساكنة المنطقة متشبثة بموروثها وتقاليدها الدينية والاجتماعية ذات الخصوصية خلال هذه المناسبة الجليلة.

في هذا السياق أوضحت الفاعلة الجمعوية الأمازيغية لطيفة معديني ٬ أن مائدة الإفطار عند قبائل أهل اسكوكو خلال شهر رمضان ، كنموذج لهذه الاحتفالية بالموروث الثقافي، تتكون في غالبيتها من المنتجات المحلية ذات المكونات النباتية٬ حيث تشمل شرية “احرير ” التي يتم تحضيرها بدقيق الشعير والحليب أو بالأعشاب النباتية، بالإضافة إلى رغيف “المسمن البلدي أو بوشيار” الذي يتكون من دقيق القمح الطري.

وأضافت أن مائدة الإفطار المحلية تحفل بمواد غذائية متنوعة تشمل أيضا “حرشة” الذرة أو الشعير”ارخسيس” الذي يدهن بالعسل الطبيعي والسمن الحر ”أودي امحايل” ، والسلو ”ثامكونث أو زميطا” الذي يحضر من دقيق القمح المفحم الذي يخلط بالعسل والسمن الحر، علاوة على التمر، والبيض ” البلدي ” المنتوج المفضل في الإفطار الرمضاني عند أسر مناطق عديدة بالأطلس المتوسط ، بالنظر إلى وفرة إنتاجه وجودته.

ولفتت إلى أن مائدة العشاء خلال شهر رمضان تشمل غالبا الكسكس ” افتال ” باللبن ” احلاب ” ، المكون من طحين الذرة الممزوج باللبن، حيث يتم تناوله أيضا في الفطور والسحور ٬ أو بمرق لحم الدجاج البلدي أو لحم الماعز أو بالبصل فقط.

وفي سياق متصل حافظت ساكنة هذه المناطق الجبلية الأطلسية أيضا على عادتها في تناول المخمر ”اومثين” في وقت السحور، مشبعا بالسمن أو الزيت الطبيعي ٬ ومصاحبا لكأس شاي ساخن على الجمر٬ ذلك أن الساكنة الأطلسية تحاول التأقلم مع الزمن الرمضاني، إذ ينطلق عمل الفلاحين في القرى مباشرة بعد تناول وجبة ” السحور”.

وأشارت إلى أن النساء تقضين أغلب الأوقات في تحضير الأطباق الرمضانية المتعلقة بالفطور والعشاء والسحور٬ بالطرق التقليدية التي تتطلب حيزا زمنيا كافيا للقيام بعملية الطهي بالحطب٬ فوق أفران طينية ٬ وأواني فخارية أبدعتها أيادي الصانع المحلي.

و في تصريح للصحافة ، أوضح الأستاذ الحسين اكضى ، باحث في التاريخ و التراث، أن عادات وتقاليد سكان قبائل آيت سكوكو تبدو مظاهرها جلية خلال مائدة إفطار شهر رمضان ، حيث يقبلون على استهلاك المنتوجات المجالية، خاصة ما يتعلق بالزراعات النباتية المحلية٬ مشيرا إلى حضور الخصوصيات المحلية والمكون الثقافي الأمازيغي في مختلف أشكال وأنواع المطبخ لدى هذه الساكنة الأطلسية.

ولاحظ الباحث في التاريخ و التراث أن بعض العادات ذات الصلة بهذه المناسبة الدينية بدأت تتلاشى بسبب تطور الحياة ومظاهر المعاصرة ، مثل الزيارات العائلية بعد الإفطار حيث كانت تجتمع الأسر والعائلات في بيت أحد الأقارب لتناول وجبة العشاء٬ في انتظار التئام الأبناء والأمهات والأجداد في جلسات ” حكواتية ” تجمع ما بين الخيال والواقع، والاستماع إلى “دروس” باللغة الأمازيغية تهم السيرة النبوية ٬ في وقت كانت فيه النساء تجتمعن في بعض الأحيان لاحتساء كؤوس الشاي، واغتنام هذه الجلسات في نسج الزربية المحلية (الزربية المرابطية) وذكر الله والإنشاد باللغة الأمازيغية. وتعد العادات الطقوسية والتعبدية لساكنة قبائل ايت اسكوكو ٬ وباقي ساكنة الأطلس المتوسط عموما ، علامة مميزة تشهد على عراقة هذه الربوع الغالية بالمملكة، وتشبثها بالقيم المغربية الأ صيلة، كما تعكس المكانة التي يحظى بها شهر رمضان الفضيل٬ لدى ساكنة إقليم خنيفرة٬ باعتباره شهرا مباركا تتخلله أجواء روحانية ودينية، وتسوده ثقافة التسامح والتراحم وقيم التضامن والتكافل.