الدلالات الموحدة في مجموعة “احتمال ممكن جدا” لحسام الدين نوالي
أحمد بيضي
الجمعة 24 سبتمبر 2021 - 23:34 l عدد الزيارات : 23241
رشيد أمديون
“احتمال ممكن جدا” (°)، عنوان يوفر للقارئ أفقا من الفضول وأفقا مواز من الشك والرغبة في التبرير. تبرير ماذا؟ تبرير الادعاء الذي يبثه العنوان، أن الأمر يحتمل الاحتمال بل إنه احتمال ممكن جدا! أي ما يقترب من اليقين لا الشك. لنسميه الظن، والظن هو أيضا ما يدفعني بصفتي القارئ أن أجد في النصوص ما يحقق وجود العنوان على مستواه الدلالي.
طبعا لا ولن أكتفي بدلالة النص الرابع الذي له نفس عنوان المجموعة، لأن؛ مع حسام الدين نوالي لا بد أن يتشبث القارئ بخيط عتبة العنوان، وهو خيط رابط وناظم رغم اختلاف موضوعات النصوص، وذلك الاختلاف بقدر ما يظهر شكلا من التباعد بين نص ونص إلا أن العمق ينجرف أو ينساق نحو وحدة دلالية موحدة.
نجد حسام الدين نوالي (°°) ساحر بارع، يفلح حيث أتى، وإن كان هو ينفي عن نفسه ذلك في النص الأول الذي قدمه على أنه تقديم وصاغه بشكل قصصي له رمزية ودلالة، يقول: “كنت أنا أوقن حتما أن الساحر لا يفلح حيث أتى” (ص11)، حسام الدين يسحر القارئ بلغته وذكائه في اصطناع الحدث، فعناصر الحدث عنده بسيطة للغاية غير معقدة، هي من المشهود اليومي، من المحيط المحلي للمغربي، والهامش الذي لا يلتفت إليه، عناصر مألوفة يحولها بضربة ساحر إلى أشياء مثيرة يقبلها القارئ ويصدِّق كل ما يصدر عنها أو منها أو من خلالها..
فحين يجعلك تصدق أن قوقأة الدجاجة في قصة “عظمة تمر” تعني ما ترجمه السارد حرفيا فيدخلك طرفا مشاهدا في حوار بين كائنات لها عالمها الخاص، بل يجعلك تُسقط احتمالات عالمك البشري على عالمها الحيواني، وتصدق احتمالات السارد على أنها حقيقة تبصرها أنت لا هو، كما في قصة “لم ترحمني (الميرلا) أبدا”، “انخرطت بصدفة بالغة في تجمعات السردين المناضل وتنقلاتهم الجماعية هنا وهناك منددين بالغلاء وبالبرلمان المشلول..” (ص 42).
إن هذا السحر لن يكون إلا سحر الحكايات التي يدمن القاص حكايتها ويوهم القارئ بها، وهو القائل في النص الأول: “وغيرت أمنيتي في الحال إلى “كاتب” قد يصدقه الناس، مثلما يصدقون الطوخي تماما. وها أنا أدمن الحكايات، فصدقوني.. صدقوني” (ص 11). أن يطلب كاتب من قارئه أن يصدقه دليل فعل المخاتلة، فحكاياته إن كانت كما قرأت في المجموعة قصصا ساخرة إلى حد ما، وترتكز على متخيل سردي بطبيعة غرائبية، (انطلاقا من أنسنة الحيوانات وجعلها تعبر عن وضعها ومستواها ووعيها بالحياة) فإن هذه القصص هي احتمال ممكن جدا لما يقع في حياة الناس، وما يعترض واقعهم من إحباطات..
ويمكن أن نمثل ذلك بقصة “آكل النمل” التي تنتهي بعبارة بأسلوب عامي؛ تقولها الأم لولدها: “عافاك آولدي، اغسل نيفك ديما، راه ماعمّر بوخنونة يلقا شي ثروة”(ص 74). فالحكايات التي يريدنا أن نصدقها هي الاحتمال الممكن جدا لواقعنا الذي يئن من كثرة أعطابه.
لا يتخلى حسام الدين نوالي عن الطابع المحلي في نسج قصصه؛ على المستوى الثقافة والأمكنة والفضاءات واللغة، حيث يستخدم عبارات دارجة بكثرة، كما يوظف في الحوار اللهجة المغربية التي ولا شك تعدُّ وظيفتُها أساسية حين تأتي في محلها، ولهذا، ودفعا لأي انتقاد يمكن أن يُوجّه إلى نصوص هذه المجموعة لما تزخر به من تهجين لغوي، فإن الكاتب ساق عتبة في بداية الكتاب عبارة عن مقتطف من البيان والتبيين للجاحظ: “وكما لا ينبغي أن يكون اللفظ عاميا وساقطا وسوقيا، فكذلك لا ينبغي أن يكون غريبا وحشيا (…)، وقد يحتاج إلى السخيف في بعض المواقع، وربما أمتع بأكثر من إمتاع الجزل الفخم من الألفاظ، والشريف الكريم من المعاني”.
وهذا الاقتباس -في زعمي- إنما يؤكد به الكاتب مبرره المنطقي (ولاعتبار أدبي وفني وجمالي) في اتخاذ بعض الأساليب الدارجة ضمن نصوصه هنا في هذه المجموعة، وأعتقد أن استخدامه كان موفقا بل وأبدع نصوصا ماتعة تتسلل إلى القارئ في خفة ورشاقة، لأنها محلية الصنع، تشعر القارئ أنه ينتمي إليها وتنتمي إليه وتوهمه أن حكاياتها احتمال ممكن جدا، بل إن دلالاتها فعلا ممكنة جدا، وهي انعكاس للواقع والمجتمع كما تقول بذلك نظرية الانعكاس في الأدب..
23 شتنبر 2021
(°) “احتمال ممكن جدا”، مجموعة قصصية للقاص حسام الدين نوالي، عن منشورات ديهيا، في طبعتها الثانية لعام 2021، 89 صفحة،تضم خمسة عشر نصا، إضافة إلى نص مستقل على ظهر الغلاف.
(°°) قاص وناقد، من أعماله “العقل الحكائي: دراسات في القصة القصيرة بالمغرب” ومجموعتي “الطيف لا يشبه أحدا”و”احتمال ممكن جدا”
تعليقات
0