الباحث لحسن رهوان يعزز الخزانة المغربية بدراسة حول ذاكرة وتاريخ نهر أم الربيع
أحمد بيضي
الخميس 20 يناير 2022 - 10:46 l عدد الزيارات : 27723
أحمد بيضي
عن “دار بصمة لصناعة الكتاب”، صدر حديثا، للباحث ذ. لحسن رهوان، كتاب “نهر أم الربيع: الذاكرة والتاريخ”، في حوالي 180 صفحة من القطع المتوسط، وهو من منشورات “مركز روافد للأبحاث والفنون والإعلام”، بخنيفرة، ومن تصميم الزجال ذ. توفيق لبيض، فيما قام بافتتاح مقدمته الروائي، والمؤرخ المغربي، عبد الكريم جويطي، بقوله “إن المكتبة التاريخية الجهوية انتظرت عملا جادا وموفقا حول نهر أم الربيع وأدواره التاريخية”، مستعرضا بعضا من فضائل هذا العمل الذي سعى الكاتب من خلاله إلى استنطاق تاريخ نهر “بقي ينتظر من يحاوره وينصت إليه ويحرك ذاكرته”، على حد تعبير ذ. جويطي.
ولعل عمل الباحث ذ. لحسن رهوان يندرج في سياق الأبحاث العربية والعالمية التي تناولت موضوع الأنهار، التي ظلت وماتزال تخفي تحت مياهها الكثير من الغموض والحضارات، والأسرار أيضا التي نسجت حولها الحكايات والأساطير، وقد جاء في مقدمة ذ. جويطي أن “النهر شخصية تاريخية فاعلة ينتمي إلى ما يسميه مؤرخو مدرسة الحوليات بالأمد الطويل، أي ذلك الحضور التاريخي الفاعل وفق استمرارية تاريخية لا تتأثر بصعود أو سقوط السلالات الحاكمة ولا بنتائج المعارك الفاصلة أو غيرها من الحوادث الظرفية، إنه معطى جغرافي يدخل مسرح التاريخ بما أن الناس يختارون تشييد العمران البشري بالقرب منه ويتفاعلون معه يوميا”.
ورأى ذ. عبدالكريم جويطي، في مقدمة “نهر أم الربيع: الذاكرة والتاريخ” أن “الحضارات الإنسانية الأولى قامت على ضفاف الأنهار والبحيرات، كان الإنسان الأول في حاجة للماء كمادة حيوية لاستمرار الحياة ولتوفير قوته عن طريق زراعة ما حولها ورعي قطعانه في المناطق الرطبة المعشوشبة التي ترفدها الأنهار بالحياة، وتضمن تجددها الدائم، منحت الأنهار أيضا لهذا الإنسان غذاء دائما تمثل في الأسماك بالأساس وبعض الطيور التي وفرت له بعض حاجياته من البروتينات الحيوانية كما سمحت له هذه الأنهار وبسفن صغيرة مرتجلة أن يرتحل من مكان لمكان آخر وحركت بداخله هواجس المغامرة وارتياد الآفاق..”.
كما قال صاحب روايتي “المغاربة” و”ثورة الأيام الأربعة”، ذ. عبدالكريم جويطي، في مقدمة العمل، كتاب “نهر أم الربيع: الذاكرة والتاريخ”، إن “الإنسان حاول من البدايات أن يدجن الأنهار مثلما دجن بعض الحيوانات”، أي “فعل ذلك بالأساطير المؤسسة أولا ثم بالمعارف التقنية فابتكر السفن والجسور وآليات رفع الماء.. وكانت الأنهار دوما فاعلا لا غنى عنه في حياة الناس وفي متخيلهم وتاريخهم، بدليل أنه لا يمكننا أن نتحدث عن حضارات الهلال الخصيب القديمة الآشورية والبابلية مثلا دون استحضار دور دجلة والفرات، كما أن الكلام عن الحضارة الفرعونية لا يستقيم دون ذكر نهر النيل العظيم..”.
ووقف ذ. جويطي أيضا على ما يتضمنه عمل ذ. لحسن رهوان، ومن ذلك أن كاتب هذا العمل “يوسع أمام أنظارنا موضوع العمل التاريخي بالجهة، متتبعا في هذا مقاربة المدرسة الجديدة للواقعة التاريخية، فالتاريخ لا يبنى في علاقة مع الوقائع السياسية، كبيرة أو صغيرة، فقط، وإنما يبنى كذلك من خلال النسيج المعقد للتفاعلات التي تحضر فيها التضاريس والطقس والغطاء النباتي وصروف كد الناس وأشكال تغذيتهم ولباسهم … وبهذا المعنى فالتاريخ لمنطقة فازاز ومنطقة تادلا، من خلال نهر أم الربيع، يغني البحث التاريخي بزاوية نظر أصيلة لمكون حاسم من مكونات مسرح تاريخ المنطقة..“.
كما أن كاتب العمل، ذ. لحسن رهوان، يضيف ذ. عبدالكريم جويطي، قد “أنجز تتبعا دقيقا لحضور نهر أم الربيع في مراحل التطور التاريخي للمنطقة، وذلك من خلال الكتابات التاريخية التي ذكرته أو لمحت له.. ولعله بهذا يقدم خدمة جليلة لهذا النهر العظيم الذي اغمط حقه لمدة طويلة، إذ كان الجغرافيون يعتقدون أن نهر سبو هو أكبر أنهار المغرب قبل أن يصحح ذلك، يبين ذ رهوان، بأن عظمة هذا النهر لا تعود لطوله وصبيبه بل بالأساس لارتباطه بتاريخ منطقة من أهم مناطق المغرب، عبرتها القوافل والجيوش والهجرات البشرية وكانت تواجه النهر في عبورها كرحمة أو كعذاب…“.
ومن جهته، لم يفت ذ. لحسن رهوان الإشارة إلى أن “دراسة علاقة الإنسان بالمجال تعتبر من المواضيع ذات الأهمية الكبرى باعتبارها بوابة لمساءلة التراث في مفهومه الواسع وجوانبه المختلفة من معالم طبيعية وتاريخية وتراث لامادي يتمثل في العادات والتقاليد وقيم وأنماط العيش”، ومن هنا “تأخذ الدراسة المنجزة بعدا خاصا وأكثر تعمقا متى تعلق الأمر بالمجال المحلي، حيث يصبح التراث مرجعية تاريخية وثقافية، وعاملا أساسيا لبعث الروابط بين إنسان المنطقة وماضيه، و تجذير مقومات الشخصية المحلية كرافد من روافد الشخصية الوطنية”.
وأبرز صاحب العمل في مدخل كتابه، أنه “رغم الصعوبات التي تكتنف الكتابة التاريخية المحلية، حتى أضحت من باب المغامرات، خصوصا في ظل ندرة المصادر وحديثها العابر والعارض عن المجال موضوع الدراسة، وغياب البحث الأركيولوجي”، فقد حاول “خوض غمار النبش في تاريخ المجال الزياني وذاكرته من خلال البحث في جوانب من تاريخ نهر أم الربيع الذي يعتبر أحد أبرز مكونات التراث المائي، بل وشريان الحياة في منطقة الأطلس المتوسط الذي يمثل خزان المغرب المائي باعتباره يوفر حوالي ثلاثة أرباع حاجيات البلاد من الماء”، على حد تعبير الكاتب.
وأكد ذ. رهوان أن العمل “يستمد مشروعيته من كون المجال المدروس جزء من مجال جبلي يمثل حوالي ربع المساحة الإجمالية للبلاد، مجالا غنيا بثرواته المائية والغابوية والحيوانية والمعدنية مما يجعل منه مجالا متفردا”، كما أبرز أن “المجال الجغرافي الذي عرف تاريخيا ببلاد فزاز، والذي تحدده المصادر الجغرافية العربية في ما يكاد أن يكون منطبقا مع المصطلح المعاصر الأطلس المتوسط، ظل مجالا مغيبا رغم أنه لعب أدوارا طلائعية في تاريخ المغرب لموقعه الاستراتيجي وتوفره على عوامل الاستقرار وغنى ثرواته النباتية والمائية والحيوانية والمعدنية التي تناولتها كتب التاريخ والجغرافيا والرحلات وغيرها”.
وبعد تساؤله حول عدم إيلاء مجال وتاريخ الأطلس المتوسط ما يكفي من الاهتمام من لدن نخبة المؤرخين والسوسيولوجيين المغاربة، بالرغم من أهميته ووظائفه الثقافية والاجتماعية والسياسية؟، رأى الكاتب، ذ. لحسن رهوان، في مدخل عمله الفريد والمتميز، أن “جل المصادر لم تهتم بالمجالات النائية، خاصة الجبلية منها، إلا في سياق حديثها عن العواصم التقليدية والحواضر الكبرى، أو تحركات السلاطين والأمراء والثورات والتمردات و”قطع دابر الخارجين”…، ومن هنا، يضيف الكاتب ذ. رهوان، يأتي “العمل نابعا من رغبة في النبش في الذاكرة الجماعية لمنطقة الأطلس المتوسط”.
كما تطرق الكاتب ذ. رهوان لأهمية “إماطة اللثام عن جوانب من تاريخ المنطقة وتراثها، وإعادة الاعتبار للمجال الذي تعاني معالمه الطبيعية والتاريخية من الإهمال والانطماس، وهي التي تشكل بقيمتها الرمزية والثقافية إحدى مقومات الحضارة المغربية المتعددة الروافد”، وفي مقدمتها نهر أم الربيع “الذي سجل التاريخ حضوره البارز في الموروث المحلي والوطني، خصوصا أن المادة المائية شكلت إحدى الثروات التي حظيت عبر مختلف العصور وفي كل أنحاء المعمور باهتمام المصادر على اختلاف حقولها المعرفية من أدب وفقه وتاريخ وجغرافيا ورحلة وأنثروبولوجيا وغيرها”.
وأوضح ذ. لحسن رهوان كذلك أن عمله المتواضع،كتاب “نهر أم الربيع: الذاكرة والتاريخ”، قد يبدو، إما للقراء أو الباحثين والطلبة والمهتمين بتاريخ وأسرار الأنهار والأطلس المتوسط، “بسطا لما جاء في ثنايا الكتب، وما احتفظت به الذاكرة الشعبية حول جوانب من تاريخ نهر أم الربيع، بل أنه يبين غزارة التاريخ الذي صنعه هذا النهر عبر مختلف العصور، وضخامة ما رعاه من معالم ومآثر، وأهمية ما شهده من وقائع، حتى أضحى منظومة حضارية لازالت لم تنل حظها من البحث الرصين العميق، والأمل معقود على المهتمين والباحثين الغيورين على بلاد زيان لبعث ذاكرتها وتثمين تراثها”.
ومن بين ما يتضمنه محتوى ذات العمل المنجز حول ذاكرة وتاريخ نهر أم الربيع هناك “أهمية الماء في نشأة الحضارات من جهة، ومصدرا من مصادر التراث من جهة أخرى”، و”السيرورة التاريخية لاسم نهر أم الربيع من خلال رصد أهم الأسماء التي عرف بها هذا النهر كما وردت عند مجموعة من المؤرخين والجغرافيين والرحالة والسوسيولوجيين، من خلال محاولة استقراء “مجموعة من الكتابات اللاتينية والغربية والعربية”، ومنها الكتابات اللاتينية والإغريقية، إلى نحو حركية القبائل واستقرارها، والدور الديني، الزاوية الدلائية، زاوية تمسكورت، مدشر أروكو وزاوية سيدي علي أمهاوش.
كما حاول الكاتب ملامسة “الأدوار التي لعبها ذات النهر في تاريخ المجال الوطني على العموم، والمجال الزياني على الخصوص، سياسيا ومجاليا وعسكريا واقتصاديا ودينيا اعتمادا على مجموعة من المصادر والمراجع والأبحاث والدراسات والمقالات التي قاربت المادة المائية وتاريخ الأنهار بشكل عام وتاريخ نهر أم الربيع بشكل خاص”، فيما لم يفت الكاتب أيضا تناول تراث النهر ومنبعه وروافده، ثم “الوضعية الكارثية لنهر أم الربيع كمنظومة بيئية وإيكولوجية واقتصادية وثقافية تعيش حالة احتضار جراء عوامل مختلفة مما يقتضي من الجميع التدخل لحمايته باعتباره إرثا وطنيا”.
تعليقات
0