-
ذ. حوسى جبور (°)
تتجلى أهمية “نهر أم الربيع: الذاكرة والتاريخ” في مساهمة الباحث، ذ. لحسن رهوان، في التعريف بإسهامات هذه منطقة خنيفرة المجاهدة التي طالها التهميش ضمن التاريخ العام للمغرب، وكذلك المساهمة في تأسيس تاريخ محلي للمنطقة بالمعنى الذي دعا إليه الفقيه العلامة المختار السوسي عندما قال: انه من أجل كتابة تاريخ شامل للمغرب يجب الانطلاق من التواريخ المحلية للمدن والقــرى والجهات والمناطق المختلفة، من خلال تحري الدقة والموضوعية ما أمكن والبحث العلمي في المصادر والمراجع ونفض الغبار عن الوثائق الضرورية، والمقارنة بينها.
– ويعد الكتاب دليل على زخم تاريخ هذه المنطقة بما يحتويه من الجوانب السياسية والثقافية والمجالية والاقتصادية والاجتماعية خلال فترات زمنية متعاقبة.
– يمكن استثمار هذا الكتاب من طرف الجمعيات الرياضات الجبلية في وضع مسارات واعداد دليل يجمع بين ما هو طبيعي وتراثي للنهوض بالقطاع السياحي بالإقليم .واخيرا فهذا الكتاب هو نداء لكل الباحثين و المهتمين من أجل الانخراط في العمل الجدي المتعدد الأبعاد بهدف رد الاعتبار للمنطقة كل من موقعه.
– رغم قلة المصادر وتناثر المادة التاريخية عن تاريخ المنطقة، فإن الباحث اقتحم هذا الفرع من التاريخ، متسلحا بالصبر والجدية للنبش في العديد من المصادر والمراجع والدراسات، لعله يجمع شذرات متناثرة من المعلومات والموارد التي تسعفه لتحقيق مبتغاه بتوثيق جزء من التاريخ المحلي، فقد عمد إلى اقتحام البحث في التاريخ المحلي، بدوافع ذاتية وموضوعية اشار اليها في مدخل كتابة منها:
– المساهمة في إحياء تراث المنطقة من خلال النبش في التراث المحلي المرتبط بنهر أم الربيع الذي يمثل تاريخها وذاكرتها، واعتبار هذا الاصدار بداية للاهتمام بالبحث والتنقيب بشكل عميق ومفصل في التراث المحلي لسد الثغرات التي تشوبه، مع إماطة اللثام عن جوانب من تاريخ نهر ام الربيع ,لإعادة الاعتبار لإقليم خنيفرة الغني بتراثه الطبيعي والتاريخي والذي يشكل فيه نهر آم الربيع شريان الحياة وينبوع الخير.
– صيانة التراث المحلي والنبش في الذاكرة الجماعية لمنطقة الأطلس المتوسط (فازاز)التي تتميز بسيادة ثقافة عريقة تشكل عصارة جهد الإنسان من خلال تفاعله مع محيطه، فضلا عن دعم ومساهمة تنضاف للمجهودات التي يبذلها الباحثون والدارسون والكتاب المحليون و مختلف الفعاليات بمدينة خنيفرة من فنانين وجمعيات المجتمع المدني لإحياء ذاكرة المنطقة الغنية بثرواتها المائية والغابوية والحيوانية والمعدنية ، وتتجلى رغبة الباحث الأستاذ لحسن رهوان في كسر جدار الصمت الذي يلف تاريخ هذا المجال المتفرد على مستوى خصائصه الايكولوجية والحضارية.
وهذا الكتاب يبرز اهمية وضرورة العناية بالبحث في التراث المحلي الذي يعد جزءً لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للتجمعات المحلية، فضلا على اقترانه بتشكيل مكونات الهوية التي تعكس مختلف الخبرات والممارسات التي مرت بها التجمعات البشرية التي استوطنت المجال الجغرافي لنهر ام الربيع. وهو كذلك صورة لجوانب اجتماعية واقتصادية وعسكرية وفكرية وروحية سادت خلال فترات زمنية معينة ثم تراجعت أو اختفت وأصبحت موروثا ومستودعا لتجاربها بنجاحاته وانكساراته، فالتراث بصفة عامة هو ذاكرة الشعوب والمجتمعات، والمحافظ على الإرث الحضاري والمعرفي لكل مجتمع, وهو الرابط بين الماضي والحاضر والمستقبل لأجيال قادمة.
الباحث من خلال هذا الإصدار المتميز يبرز أنّ التراث، بصفة عامة، هو حجر الأساس في عملية التقدم الاجتماعي والحضاري لأيّة أمّة من الأمم ,مرهون بمدى وعيها بتاريخها وبتراثها الذي يمثل تجارب انسانية ، ورثتها عن أسلافها تنطلق منها نحو المستقبل، لأنّ المستقبل ما هو إلاّ الماضي، مرورًا بالحاضر، والوجودُ الشّخصي هو ثمرة لخبرات الماضي وتجاربه وأحداثه، فالتراث ليس هو الماضي بكل ما حفل به من تطورات في المجالات جميعاً، وما شهده من أحداث تعاقبت عبر العصور، ولكنه الحاضر بكل تحولاته، والمستقبل بكل احتمالاته.
التراث أيضا هو جزء منا لا نستطيع الفكاك منه. وبذلك يصبح سمةٌ أصيلة من سمات الهوية، به تكتمل عناصرها وبصبغته تصطبغ. فهو يمثل التجربة الفعلية للآباء والأجداد وما خلفوه لنا من تراث مادي كالمنشآت العمرانية بمختلف مكوناتها العلمية و الدينية والعسكرية والاقتصادية والفنية التي توارثتها الأجيال، والتراث غير المادي (المعنوي) الذي يعبر عن إبداعاتهم على مر العصور في مختلف المعارف، كالآداب والفنون والموسيقى بأنواعها وألوانها المختلفة، وكذا الحكايات الشعبية والأسطورية والامثال الشعبية والعادات والتقاليد والاعراف . وهذا التراث المادي وغير المادي، يجب علينا أن نعي أهميته و دوره كمعطى يرسخ الهوية الحضارية ويكرس مدى قدرة الجماعة المحلية على تحقيق التنمية.
ومن هنا فإن الكتاب المعنون ب “نهر أم الربيع : الذاكرة والتاريخ”، حسب الباحث الأستاذ لحسن رهوان، يساءل التراث المحلي وجوانبه المختلفة الطبيعية والتاريخية والتراثية غير المادية رغم الصعوبات التي تكتنف الكتابة التاريخية المحلية بسبب ندرة المصادر وغياب البحث الاركيولوجي , فهذه الدراسة بلا شك هي مساهمة في اغناء البحث التاريخي المحلي والجهوي كما اشار لذلك الاستاذ عبد الكريم الجويطي في تقديمه للكتاب .
لقد اتبع الباحث في هذه الدراسة المنهج الوصفي التحليلي، بعمل توثيقي لجوانب من التراث المائي لمجال نهر أم الربيع من خلال اعتماده على الكثير من الوثائق التي استثمرها في تسليط الضوء على النماذج المختلفة للتُراث العُمراني التي يزخر بها إقليم خنيفرة، واستشراف الآثار المترتبة على الاهتمام بالتراث المائي والتراث العمراني وإحيائه كأساس لتعميق ارتباط الفرد بهويته وانتمائه الوطني، وأثر ذلك على تحسين الجوانب الاقتِصادِيَّة والاجتماعِيّة والبيئية للساكنة المحلية.
إن هذه المغامرة التي خاضها الباحث لتوثيق جوانب من التاريخ المحلي لنهر ام الربيع تطلبت من الباحث التنقيب عن الوثائق من أجل رصد مختلف المعطيات التاريخية المتعلقة بالتراث المحلي من خلال نهر أم الربيع واستغلالها في التعريف والتصنيف والتفسير والنقد وعرضها بكل سياقاتها وتفاصيلها الدقيقة، حسب ما تم جمعه من معطيات، فقد اعتمد الباحث على العديد من المصادر والمراجع والمجلات والدوريات والنشرات والمواقع الاليكترونية التي بلغ عددها 90 من الكتابات الجغرافية والتاريخية والسوسيولوجية التي تناولت او لمحت لموضوع الكتاب.
ذلك اضافة الى العديد من الزيارات الميدانية التي قام بها الباحث لبعض المواقع التاريخية وخاصة المحلية لتوصيفها ,وساهم رفقة تلامذته في نادي التربية على التسامح في إعداد دليل “جوانب من تاريخ مدينة خنيفرة: المواقع الاثرية والمعالم التاريخية “وعيا منه باستحضار دور المؤسسة كفضاء للتعريف بالتراث المحلي وتثمينه اعتبارا لقيمته التاريخية والحضارية، واعتبار التراث المحلي رافعة للتنمية المستدامة, وكذلك استهدف الدليل نشر وترسيخ سلوكيات ومواقف ايجابية تجاهه كإحدى الركائز الاساسية للمواطنة في بعدها الثقافي .
فالباحث بهذا الكتاب يرحل بالقاري في ذاكرة نهر ام الربيع خاصة ومنطقة فازاز (الاطلس المتوسط) عامة من خلال توثيق الأمكنة الطبيعية والمواقع الأثرية والمعالم التاريخية والمراكز الثقافية، وهو توثيق يتجاوز الشكل الخارجي ليغوص في اعماق التراث المادي الذي يعد جزءً من الذاكرة الجماعية المحلية، الذي ينبغي الاهتمام به من خلال توثيقه والمحافظة على خصوصيته وهويته التراثية وضمان استمراريته بين الاجيال.
ولا يتم ذلك إلا من خلال عملية التوثيق أولا باستحضار أدوار ووقائع طبعت مختلف الأمكنة التي تناولها الكتاب من مدن وقرى قديمة (قرية ام الربيع- خنيفرة- قصبة تادلا-السبيت- ازمور- تاركا –بلعوان – خنيفرة وتادلا) وقصبات (قصبة تادلا قصبة بولعوان قصبة موحى وحموا لزياني) وقناطر( قنطرة تانسيفت –القنطرة العظيمة –قنطرة امسدل – قنطرة مزض الفان – قنطرة البرج – القنطرة الاسماعلية)، ومزارات دينية (الزاوية الدلائية زاوية امهاوش (سيدي علي) الزاوية الناصرية بتامسكورت (محمد لكبير) ومدشر اروكو (سيدي علي وابراهيم) التي ساهمت في صنع التاريخ المحلي والوطني، وذلك من خلال التعريف بمواقعها وخصوصياتها وادوارها وتطوراتها التاريخية وهي تمثل شواهد للأجيال القادمة تكشف العمق الحضاري لمجال منطقة زيان..
كما تناول الباحث جوانب من الأدوار الاساسية لنهر ام الربيع في المجال الاقتصادي ماضيا وحاضرا (النباتات والحيوانات من أعشاب طبية وخشب وخيول وغنم بثرواته السمكية ومستوى جودتها، وخاصة سمك الشابل وتوفير الماء الصالح للشرب للعديد من المراكز والتجمعات البشرية وبتنشيطه للقطاع الفلاحي، من خلال المجالات الزراعية والرعوية الواسعة. وكذلك تيسير وتسهيل المواصلات والتنقل إضافة الى تنظيم المجال والتحكم في الطرق التي تربط شمال المغرب بجنوبه).
وفي ختام فصول الكتاب أبرز الباحث أهمية نهر أم الربيع كعنصر اساسي وافضل المنظومات المائية بالمغرب حيث ينعت بخزان المغرب المائي. وتصب في نهر ام الربيع عدة اودية (منها واد سرو وواد اشبوكة وواد العبيد وواد تاساوت والودي الاخضر وواد درنة، واقيم عليه 14 سدا). غير ان هذا النهر حسب ما أورده الباحث في نهاية الكتاب يعاني اليوم من الاحتضار بفعل تظافر مجموعة من العوامل (وخاصة التلوث الناتج عن الانشطة الاقتصادية والمياه العادمة الانعكاسات السلبية للتجهيزات السدية والنهب العشوائي للرمال واهمال المواقع الاثرية ومعالمها التاريخية وضعف مجهودات المسؤولين لصيانة التراث المحلي الذي طاله الاهمال). مما يستدعي حسب الباحث ضرورة صيانة هذا التراث وتثمينه باعتبارها احدى الاليات لتحقيق التنمية الترابية.
ان اعتماد سياسة حكيمة وشاملة ومتكاملة الجوانب تستحضر في مضمونها ما هو تربوي وامني وقانوني وغيرها من الجوانب يمكنها ان تحمي تراثنا المحلي بمختلف اشكاله وتعمل على تطويره واستغلاله في الابحاث العلمية والتنمية الاقتصادية وخاصة السياحية.
ومن هذه الخلاصات التي استقيناها من فصول الكتاب:
1 – ان هذا الكتاب هو صيحة فكرية لصون التراث المحلي باعتباره يمثل ذاكرة جماعية بكل ما فيها من أحداث نمت على مر التاريخ، وتأثرت بالظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية، ويعكس عمق التفاعل الإيجابي للإنسان مع البيئة المحيطة إن توثيق ذلك التراث سيكون هو المدخل الرئيسي للحفاظ عليه.
2- التراث المائي هو جزء من هويتنا يستدعي الوعي بأهمية التراث المحلي المادي ومنه الجانب العمراني من خلال تأهيل وترميم معالمه وصيانة مواقعه الاثرية وتثمينه باعتباره شواهد للأجيال القادمة .
3- نشر الوعي الاثري بتوجيه المجتمع وتوعيته ثقافياً نحو أهمية ذلك التراث وذلك من خلال التعريف به عن طريق الابحاث والملتقيات والندوات ووسائل الاعلام وتنظيم زيارات دورية للمواقع الاثرية والترافع حول التراث المحلي بمختلف اشكاله.
4- لفت الانتباه للجهات المنتخبة وباقي المؤسسات المعنية للقيام بادورها لتأهيل وترميم وحماية التراث المحلي وتثمينه بإدراجه ضمن الخطط المحلية و الوطنية وتخصيص ميزانيات خاصة لبرامج ومشروعات حماية التراث المائي وباقي المواقع الاثرية والمعالم التاريخية. واستغلاله من مشاريع التنمية وخاصة السياحة الثقافية.
5- ضرورة توثيق التراث المحلي بمختلف اشكاله والحفاظ عليه باعتباره مصدرا من مصادر المعرفة والثقافة ويحمل في طياته العبر والدروس ويعزز دورها في حياتنا.
6- تفعيل الاجراءات القانونية لإيقاف الإزالة العشوائية لمباني التراث العمراني.
7- التعجيل بخلق مؤسسات عمومية تعنى بالثقافة والسياحة.
8- استثمار هذا الاصدار من طرف جمعيات الرياضة الجبلية لإعداد اوراق تقنية حول المسارات السياحية واعداد دليل سياحي يجمع بين التراث الطبيعي والتراث المادي وغير المادي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقات
0