جواد شفيق يكتب عن le cannibalisme fiscal 

محمد اليزناسني الجمعة 24 نوفمبر 2023 - 10:40 l عدد الزيارات : 12157

جواد شفيق

هذا التوصيف “القاسي ربما ” ليس من عندياتنا و لكنه النعت الذي أطلقه أحد الأساتذة الجامعيين على مشروع قانون المالية لسنة 2024 في شقه الضريبي ، في يوم دراسي احتضنه مجلس المستشارين خلال الاسبوع الماضي.
و لأنه توصيف مبدع ، ققد علق بذهني إلى أن اختمرت فكرة تقاسمه سياقا و مضمونا .
و إليكم الحكاية:
مهنيا و سياسيا حاولت متابعة أكثر ما يمكن من نقاشات جرت و تجري حول مشروع قانون المالية لسنة 2024 ، سواء داخل البرلمان ، أو في الإعلام و لدى الباحثين و المهتمين و في وسط الرأي العام.
داخل البرلمان ، تبدو الأمور واضحة ، هناك حكومة (معدة المشروع) لها “أغلبيتها” التي لم تنل الصفة هذه إلا لمباركة “حكومتها” ، و لو بمنطق “انصر أخاك ….” ، و هناك معارضة وظيفتها الأساسية هي النقد و المعارضة و اقتراح التعديل و البديل لإبراز تهافت أطروحة الحكومة و الأغلبية.
عادي جدا أن تتقاطع جدا في هذا التضاد الديمقراطي، السياسة بالإيديولوجية بالتقنية و حتى مخلفات المخرجات الانتخابية ، فذلك بالضبط ما يضفي الحيوية و الفرز ، أقله على الحياة المؤسساتية ، مادامت الرتابة هي ما يطبع الحياة السياسية و الحزبية ( إلا من رحم ربك).
و طبعا في هكذا تقاطب بين أغلبية و معارضة “كل واحد كيقول فولي طياب”.
بعض الفرق و المجموعات النيابية و بغاية إضفاء صدقية و مصداقية علمية على مواقفها ، تعمد إلى الاستعانة بخبراء و جامعيين و إعلاميين متخصصين لسبر أغوار مشروع قانون المالية بعين و مرجعية البحث و التخصص العلمي ، و هو ما يخرج النقاش من دائرة التخندق المؤسساتي القبلي الضيق إلى فساحة البحث و التفكير و العلم و التنظير .
نموذج ذلك ، اليوم الدراسي الذي نظمته مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بحر الأسبوع الماضي في موضوع ” “مشروع قانون المالية لسنة 2024 و سؤال الدولة الاجتماعية ” و استدعت لتنشيطه ثلة من الجامعيين المختصين كان من بينهم الأستاذ محمد الرهج الخبير في المالية العمومية ، الرئيس السابق لجامعة الحسن الأول بسطات و المدير الحالي للمدرسة الوطنية للتجارة و التدبير بسطات ، و كانت مداخلته بعنوان “مشروع قانون مالية 2024 و وهم الإصلاح الضريبي”.
في مستهل عرضه ذكر الأستاذ الرهج بأن قضية الإصلاح الضريبي بالمغرب لم تكن فعلا إرادويا لحكومات المغرب المتعاقبة ، و لكنه نتاج اشتراطات للبنك الدولي ، بعد أن شارف المغرب على حالة عدم سداد لديونه cessation de paiement سنة 1979.
و منذها انطلقت عمليات إصلاح النظام الجبائي المغربي دون رؤية شمولية و بشكل مجزء ما بين سنتي 1979 و 1984 ، و بعدها وقع التطرق للضريبة على الشركات IS سنة 1986 ، ثم الضريبة العامة على الدخل IGR سنة 1990 ، لتنعقد أول مناظرة وطنية للإصلاح الضريبي سنة 1999 أعقبتها مناظرات أخرى كانت تشخص و تقف على مكامن الخلل و حجم الهدر و مستلزمات الإصلاح و أدواته ….
و لكن الذي وقع ، هو أن تجزيء الإصلاح و تشتيته ظل سيد الاختيارات ، و النظرة التقنقراطية و المحاسباتية سيدة النظرات.
وقد استغلت مناسبات عرض مشاريع قوانين المالية لتجزيء مخرجات مناظرات الإصلاح عبر انتقاء ما “ينفع” من إجراءات و تمريرها داخل مشاريع قوانين المالية بغاية الرفع من المداخيل ….وفقط.
و هو نفسه السلوك الذي اعتمد في مشروع قانون المالية الحالي الذي اختار معدوه الحل السهل ” الإصلاح على حساب الحيط لقصير : الرفع من القيمة المضافة على المواد الاستهلاكية لكل الأسر و العائلات ، ماء ، كهرباء ، نقل …
أهو جهل أم تجاهل ؟
و لكن الحقيقة العلمية تقول بأن الرفع من الضريبة على القيمة المضافة TVA التي تتغذى بالزيادة في الأثمان و الأسعار … سترفع نسبة التضخم و ستدخل المالية العمومية و الدورة الاقتصادية في دوامة دائمة للتضخم la spirale de l’inflation. و هو ما يعني أيضا بأن الحكومة و قد عجزت عن الإبداع فيما يتعلق مثلا بتنويع نسب الفاءدة حسب المنتجات و حسب الفئات ، و فيما يتعلق بخفض الضريبة و توسيع قاعدتها ، و فيما يتعلق ببحث مجالات أخرى للتضريب ( الثروة مثلا باستثناء Les facteurs de production ، الفلاحة التصديرية …).
و بذلك تكون الحكومة قد اختارت نهج ال Cannibalisme fiscal .
و هو يطلق هذا التوصيف البليغ ، لم يجد الأستاذ الرهج ترجمة دقيقة له فجاءت ترجمته أبلغ “الحكومة كتاكل الجيفة”.
حاولت شخصيا مع محركات البحث و مع Robert بكل أجزاءه علي أعثر على ترجمة شافية ، و لكن لاشيء غير تعاريف le cannibalisme بما هو أكل للحم البشر ، sauvagerie, brutalité, férocité ، و أقصى ما بلغته التعريفات التي عثرت عليها هو تعريف Anthropopthagie للكانيبال على أنه “آكل لحم جنسه”…نجانا الله و إياكم .
و بإسقاط هذا التوصيف على النظام الجبائي المغربي ، و بغض النظر عن قسوته السيميائية ، فقد كان مدخلا ليجزم الأستاذ الرهج بأنه لا وجود للدولة الاجتماعية في النظام الجبائي المغربي .
و به وجب الإعلام ، و إلى مشروع قانون مالية آخر ، و فذلكات ضريبية أخرى ………………………و السلام .

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الجمعة 9 مايو 2025 - 14:36

تقرير موضوعاتي يكشف وضعية وواقع الذكاء الاصطناعي بالمغرب

الجمعة 9 مايو 2025 - 12:44

تصريحات نائبة أخنوش المكلفة بالثقافة بجماعة أكادير تخلف موجة من التعليقات الساخرة والإنتقادات اللاذعة من قبل نشطاء المواقع الإجتماعية

الجمعة 9 مايو 2025 - 12:32

تبادل الضربات والقصف يتواصل بين الهند وباكستان

الجمعة 9 مايو 2025 - 11:33

مسلسل الدول الإفريقية الأطلسية.. وزراء خارجية يشيدون بريادة المغرب للتجسيد الفعلي لهذه المبادرة

error: