“و إذا الطفلة سئلت بأي حق أغتصبت”

5٬480

عبد السلام المساوي

إن تعديل بعض مواد ونصوص مدونة الأسرة ، بعد مرور 20 سنة على القانون السابق ، ليس غاية في حد ذاته ، أو مناسبة لإثارة الجدل والنعرات والانقسامات في المجتمع ، أو فرصة لتسجيل كل طرف هدفا في مرمى الطرف الآخر .
بينما الهدف الأمثل أن يسعى الجميع إلى إنتاج نص قانوني يرفع الظلم على الأفراد ويحصن حقوقهم وممتلكاتهم وإرثهم من النصب والتحايل باسم الدين ، وقانون يكرم المرأة المغربية ويحمي حقوقها في الزواج والطلاق والنفقة والولاية والحضانة ، ويرفع من شأن الرجل ، ويصون الأطفال من الاستغلال الجنسي ، ويحاصر الذئاب المفترسة التي تتربص بالقاصرات .
” لقد أعاد النقاش حول مدونة الأسرة إلى الواجهة الجريمة المقننة التي تنتهجها بعض الأسر ، بسلطة تقديرية للقاضي ، في حق بناتهن وتزويجهن في سن الطفولة وقطف أزهارهن اليافعة ، وتشذيب عودهن الطري ، ليتم رمي طفلات في فراش الزوجية ومستقبل مجهول ، بمبررات اجتماعية واهية لا يقبلها لا عاقل ولا مجنون .
لنتفق أولا على أن الطفلة أقل من 18 سنة مكانها الطبيعي هو القسم والتعليم ، وليس أحضان ” بيدوفيلي ” يمارس جرائمه باستغلال بشع من تراخيص قانونية وسلطة تقديرية للقاضي ، وهذا ما أكدته الدراسة التشخيصية حول زواج القاصر ، التي أعدتها النيابة العامة ، والتي أكدت على المنحى التصاعدي للأرقام المسجلة منذ سنة 2004 . وإذا كانت بعض الأسر تعاني من مشاكل اجتماعية ، بسبب الفقر والهشاشة والإقصاء ، فالحل يوجد في تصحيح السياسات العمومية وجعلها فعالة وناجعة ، وليس في تزويج وإعارة القاصرات للعمل في البيوت .
والمؤسف في الأمر أن أمناء عامين وبرلمانيين ووزراء سابقين خرجوا ليدافعوا عن استغلال طفلات في فراش الزوجية ، بينما هم يرسلون بناتهم للتعلم في مدارس البعثات الفرنسية والأمريكية والجامعات التركية والأوروبية ، في حين يحللون الاستغلال الجنسي لبنات الفقراء ، تحت ذريعة القانون والشريعة . وأخطر ما في الأمر أن يتم الدفاع عن الاستغلال الجنسي للقاصرات ، لتحقيق المكاسب السياسية والانتخابية والخروج من دائرة النسيان ، كما يفعل بنكيران الذي اعتاد الاتجار في الأزمات وقضايا الوطن ، للعودة إلى واجهة الأحداث .
المطلوب اليوم من اللجنة المكلفة برفع اقتراحاتها إلى جلالة الملك والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني أن تكون واضحة أمام هاته الجريمة واستئصالها من جذورها القانونية ، وألا يسمح بترك أي مدخل قانوني للقاضي أو الوالي لكي يتم استغلالها ، فكثيرا ما تحولت بعض من السلطة التقديرية إلى كارثة اجتماعية ورمت قاصرات إلى مستقبل مجهول ، وجلالة الملك محمد السادس حينما تحدث عما أفرزته الممارسة القانونية والقضائية ، فهو رسالة واضحة تدعو إلى سد كل المنافذ التي يمكن أن يدخل منها ما يمس بالأمن الأسري ، وفي مقدمتها زواج القاصرات تحت حماية القانون .” الأخبار
إن مدونة الأسرة التي يريد المغاربة ، ويضمنها أمير المؤمنين بتوجيهاته ، هي قانون يستحضر المصلحة العليا للأفراد والجماعات ، ويعيد الطمأنينة إلى القلوب ، ويصالح الأسر والعائلات ، ويهيء مناخا للتعايش من منطق الإسلام الوسطي المغربي المتسامح.

error: