جريدة “لوموند” تتساءل ..في المغرب،هل نحقق أحلام رفع مستوى تلاميذ المدارس العمومية على أرض الواقع؟

70٬538

ت: المقدمي المهدي

 عن ” لوموند ” بقلم ” ألكسندر لو بلون ” – بينما تراجعت البلاد في تصنيف ” البرنامج الدولي لتقييم الطلبة ” (PISA)، لأجل تجاوز هذا الفشل، تم اختبار نموذج الفرصة الثانية الهندي في أكثر من 600 مدرسة ابتدائية “رائدة” منذ بداية العام الدراسي 2023. 

  إن إخراج المدارس العمومية المغربية من الأزمة التي غرقت فيها لمدة 40 عاما، كان أحد الالتزامات الرئيسية لحكومة “عزيز أخنوش”، الذي تهدف خارطة طريقه الحكومية إلى تبني شيء مع محاولات الإصلاح السابقة، والتي للأسف فشلت جميعها. منذ اعتلاء الملك “محمد السادس” العرش في عام 1999، كانت هناك سلسلة من الخطط لتحويل التعليم، تنوعت بين “الميثاق الوطني”، “برنامج الطوارئ”، “الرؤية الاستراتيجية”…، التي لم يتمكن أي منها من حل المشاكل الهيكلية (الموثقة جيدا) التي ظهرت في منتصف ثمانينيات القرن العشرين.

  في بداية كل عام دراسي، تشكك الصحافة في كون “المستوى المنخفض” للتلاميذ أساسه “التكوين غير الكافي” للمعلمين، وتشير إلى نظام متهم ب”التمسك بعدم المساواة”. هذه الانتقادات، لا تأتي فقط من الآباء أو المتخصصين في التعليم، بل هي صرخة للمجتمع المدني بشكل عام، كون الوضع ينذر بالخطر أيضا على مستويات عليا في الدولة، أو كما تساءل الملك  محمد السادس في خطابه السنوي بمناسبة عيد العرش في عام 2015: “هل التعليم الذي يتلقاه أطفالنا اليوم في المدارس العمومية  قادر على ضمان مستقبلهم؟”.

إن واقع التعليم العمومي في المغرب يحمل في طياته أرقاما هي مدعاة للقلق، إذ كل تقييم معروف للمدارس الحكومية المغربية يعتبر مؤشرا على “أزمة التعليم”. في عام 2019، كان أقل من ثلث طلاب المدارس العمومية المغربية بارعين في المناهج الدراسية بحلول نهاية سنوات المستوى الابتدائي، وبالكاد 10٪ منهم بحلول نهاية المستوى المتوسط، ناهيك عن العثرات في مجالات اللغات والرياضيات – على وجه الخصوص – التي تطرح مشاكل خطيرة. في السنة الخامسة من التعليم الابتدائي (أي ما يعادل CM2 في فرنسا) في عام 2022 تمكن 13٪ فقط من التلاميذ من أداء تقسيم رياضي بسيط، ناهيك عن تمكن 1 من كل 5 تلاميذ من قراءة نص باللغة العربية بطلاقة، و 1 من كل 3 تلاميذ من قراءة نص باللغة الفرنسية. في المستوى المتوسط، يترك 300 ألف طفل مقاعد الدراسة كل عام قبل نهاية التعليم الإلزامي في سن 15 عاما، على أن نصفهم يفعل ذلك خلال فترة التعليم الإعدادي، و 20٪ بسبب الاستبعاد بعد الرسوب أكثر من مرة.

عن نظام “الصدمة”..

  أدت الدراسة الرئيسية ل”برنامج التقييم الدولي للطلاب” (OECD)، التي أجرتها “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” (OECD)، لبرنامج “التقييم الدولي للطلاب” البالغين من العمر 15 عاما، إلى تعزيز هذه النقطة في تصنيفها لعام 2023، من خلال وضع المملكة في المرتبة 79 في “فهم القراءة” و المرتبة 76 في “العلوم” من إجمالي 81 دولة مشاركة، فيما يرى على أنه انخفاض مذهل من 9 مراكز – في هاتين الفئتين – في مدة لم تتجاوز 5 سنوات.

 عندما تم تعيينه في وزارة التربية في عام 2021، اكتشف “شكيب بنموسى” نظاما مدرسيا “مصدوما”، وفقا لما قاله. من ماي إلى يوليوز 2022، أجريت مشاورات وطنية مع “أكثر من 100 ألف فاعل (مباشر و غير مباشر) في مجال التعليم في المغرب، حيث صرح لصحيفة “لوموند” أنه “لم يسبق لنا أن شهدنا حركية مماثلة بهذا الشكل”، ويعقب أنه “استفاد” من خلاصات اللجنة الوطنية حول النموذج التنموي الجديد (CSMD)، والتي قدمت إلى الملك في عام 2021 الخطوط الرئيسية للإصلاحات “الشاملة” التي يتعين القيام بها، خاصة في مجال التعليم.

  يشير مهندسو هذه الإصلاحات إلى أنه تم تطويرها دون مساعدة من الشركات الاستشارية، وأن تقديم إصلاح مشروع التعليم بهذه السهولة، كان نتيجة “للعمل الميداني” و “المبتكر” في نهجه، حيث لم يركز الإصلاح على الوسائل بقدر تركيزه على أثره على الطلاب، كون الهدف منه – على وجه الخصوص – هو ضمان شحذ وإتقان منهجية التعليم الأساسي. يصر فريق شكيب بنموسى (الذي أحاط نفسه بموظفين سابقين في CSMD) على أن: “هذه هي المرة الأولى التي نتمكن فيها من تحويل الممارسة التربوية في الفصول الدراسية، في حين أن الإصلاحات السابقة توقفت عند باب المدرسة (إن صح التعبير)”.

الخلاص في النظام الهندي..

  لسد الفجوات التي تراكمت لدى تلاميذ المدارس، فإن “النظام المختار” ليس مستوحى من نموذج غربي بل من طريقة هندية، أو “التدريس على المستوى الصحيح” (TARL)، الذي طورته منظمة غير حكومية في “مومباي”، ويستند على مبدأ “إعادة تعليم” الأساسيات وفقا للمستوى الحقيقي للطلاب. وقالت الوزارة، التي دربت 12 ألف معلم عليه (جميعهم متطوعون)، في تصريحها حول هذه الطريقة: “لقد أثبتت TARL قيمتها في الهند، والعديد من البلدان في إفريقيا وأمريكا اللاتينية”. منذ بداية العام الدراسي 2023، استفاد منها حوالي 300 ألف طالب في أكثر من 600 مدرسة ابتدائية تسمى “مدارس الريادة”.

  يبدو أن النتائج الأولية لهذه المنهجية مشجعة. في بداية العام الدراسي في شتنبر، كان حوالي 80٪ من التلاميذ غير متقنين للمهارات الأساسية التي تم تدريسها في العام السابق، وفقا لدراسة أجريت بتكليف من وزارة التربية والتعليم. وبعد شهرين، أظهرت الاختبارات التي أجريت على 60 ألف طالب أن “معدل كفاءتهم قد زاد x4 في الرياضيات، وx3 في اللغة الفرنسية و x2 في اللغة العربية، وهذا يجعل مكتب وزير التعليم المغربي يرحب (على حد قوله) «بانعطاف غير مسبوق في منحنى التعلم».

  واعتبارا من بداية العام الدراسي 2027-2028، سيتم تعميم طريقة (TARL) على جميع المدارس والكليات في المغرب، لكن هذا الجدول المعلن يثير تساؤلات، من بينها أنه – في الوقت الحالي – تستهدف هذه المبادرة (نقصد المدارس الرائدة) أقل من 10٪ من الطلاب المغاربة، لهذا يصعب تخيل كيف سنوسع هذا النموذج ليشمل 6 ملايين طفل في أقل من 4 سنوات؟”، كما يقول مسؤول متشكك في هذه الخطة الوزارية، بشرط عدم الكشف عن هويته.

  يستذكر الخبير الاقتصادي “عز الدين أقصبي” – مدرس سابق في مركز التوجيه والتخطيط التربوي – فشل تعميم “مرحلة ما قبل المدرسة” للأطفال دون سن 6 سنوات قبل 20 عاما، والذي كان من المفترض أن تتحقق في عام 2004. لسوء الحظ، فإن نصف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و 5 سنوات، فقط من يستفيدون الآن من مرحلة ما قبل المدرسة المنظمة خارج القطاع غير الرسمي. ويحذر من أن: “كل الطرق تؤدي إلى الفشل، وهذا هو الخطر الذي نعيشه اليوم، لتعدد العقبات التي تحول دون التوسع السريع لمدارس الريادة: “عدم كفاية تدريب المعلمين”، “بيئة العمل المتدهورة”، “الاكتظاظ في الفصول الدراسية”، “عدم كفاية المناهج الدراسية”…”.

التنصل الوحشي من المسؤولية..

  سلط إضراب الأطر التعليمية الطويل، الذي شل المدارس لأكثر من شهر في نهاية عام 2023، الضوء على ما كان ينظر إليه على أنه “نقطة عمياء” في مشروع التعليم، نقصد أجور هيئة تمثل وحدها نصف موظفي الدولة في المغرب.

  كانت تعبئة الحركة الإضرابية ومدتها، من النوع الذي اضطر معه “عزيز أخنوش” إلى إعادة التطرق إلى القضية و إيلائها اهتماما أكبر، ومنه، سيتم تخصيص 9 مليارات درهم (821 مليون يورو) لزيادة أجور أسرة التعليم، أي بمتوسط زيادة يبلغ ما بين 30 ٪ إلى 40 ٪ لكل موظف. على الجهة المقابلة، لطالما تمت مهاجمة “شكيب بنموسى” على خلفية هذا الموضوع، أو كما  قال شخص مقرب من السفير السابق “تنصل وحشي من المسؤولية”، من لدنه يعترف الوزير بأنه “لم يقدر جيدا مدى الإلحاح المطلوب لإعادة التقييم هذه”، ومعتبرا أنه “دعي إلى النظام بسبب ما يقع في المجتمع”.

من المقرر أن تجرى الانتخابات البرلمانية المقبلة في نهاية عام 2026. في غضون ذلك، وبينما تنتشر الشائعات عن تعديل حكومي مرتقب، نتساءل “هل سينجح شكيب بن موسى في الوفاء بوعد عزيز أخنوش برفع نظام التعليم المغربي ليكون بين الستين الأوائل في العالم؟”، تزامنا مع ما يقوله الوزير: “من أن المؤسسات التعليمية المندرجة تحت “المدارس الرائدة” تعطي نتائج لكنها ليست مختبرا، وإنها واسعة النطاق بما يكفي للنظر في أننا نسير على الطريق الصحيح”، ومع ذلك يحذر: “كل هذه المنظومة لا تزال هشة للغاية”.

error: