إصدار جديد للباحث المغربي يوسف الزيات بعنوان “النخبة التطوانية زمن الحماية الإسبانية..”

37٬765

صدر للباحث المغربي يوسف الزيات عن دار أفريقيا الشرق (2024) كتاب “النخبة التطوانية زمن الحماية الإسبانية 1916-1936: سياق النشأة والتشكل ومسارات التحول”. وأكد الباحث في مقدمة كتابه على أن سؤال النخبة في السياق الوطني صار ملحاً في العقود الأخيرة، إذ تكثر التساؤلات حول أهميتها، وأدوارها، وعلاقتها بالمجتمع في مستويات نهضته وتطوره المختلفة والمترابطة. وتصل هذه التساؤلات حدودا جذرية، كالتشكيك في عمل هذه النخب، و”انتهازيتها” وصلاحيتها، وعدم امتلاكها القدرات الفكرية والسياسية لقيادة المجتمع والدولة وتطويرهما. وهذه الأمور، حسب الزيات، لا تخص نخبة بعينها ذات مرجعية محددة ومعلومة، بل يظهر أن هذه التساؤلات تسحب على نخبنا الوطنية بمختلف مرجعياتها، وذلك طيلة نصف قرن، ممتد من منتصف الخمسينات إلى حدود العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، أي في المرحلة التي شهدت استقلال البلاد. فما أسباب توتر العلاقة بين المجتمع ونخبه؟ وهل هناك سوء فهم لنوعية العلاقة وبالتالي أدوار كل طرف؟ وكيف فهم المجتمع عمل النخبة وأدوارها؟ وكيف تنظر النخبة لدور الفرد والمجتمع في التطور والتغيير والتقدم؟ وما العلاقة المفترضة بين النخبة وخطاب النخبة وبين دور النخبة وعمل وسلوك هذه النخبة؟ وما علاقة ذلك بمرجعيتها؟ وهل ما يزال الحديث عن المرجعية في مجتمع مفتوح على الكونية حديثا ذا أهمية؟ مع بروز نخب بدون مرجعية محددة على المستوى السياسي (التقنوقراط). وما هامش الفعلِ المعطى للنخب الوطنية طيلة القرن العشرين قرن التحولات الكبرى؟ كانت هذه الأسئلة الكبرى موجهة لمسار الكتاب باعتبارها أسئلة راهنة وملحة يقول صاحب الكتاب الباحث يوسف الزيات.
يرتكز هذا الأخير، حسب ما ورد في مقدمته دائما، على رصد خصوصية التجربة التطوانية في العمل الوطني زمن الحماية الإسبانية (1912- 1956)، عبر الاشتغال على ظروف وسياقات تكوينها وتشكلها، والوقوف على محطات ومراحل مسارها الوطني وتحولاته، من سؤال “الإصلاح” و”النهضة” إلى بداية العمل السياسي-الحزبي في بعده التاريخي. إذ يمكن القول، حسب التعبير الحرفي للباحث: “إنّ النخبة الشمالية-الخليفية التطوانية لم تظل حبيسة التصورات الإصلاحية والمبادرات الاجتماعية والاقتصادية (مرحلة عبد السلام بنونة) بل تحولت إلى العمل السياسي وإلى مسائلة الدولة الحامية، والتدخل، بالوسائل والكيفيات الممكنة آنذاك، في أشكال وآليات الحكم، ومحاولة التأثير في طريقة عمل سلطة الحماية والمطالبة بالإصلاح السياسي وإشراك “الأهالي” في تسيير شؤونهم وتدبير أمورهم (مرحلة عبد الخالق الطريس)”.
وفي هذا الاتجاه، يضيف يوسف الزيات، تسعى الدراسة إلى البحث في تشكل النخبة المغربية زمن الحماية، من خلال الوقوف على خصوصية التجربة التطوانية، ورصد التحولات التي حدثت في ظل الوضعية الاستعمارية الإسبانية بالشمال المغربي، في مرحلة الحماية، التي اتسمت بالتغيرات الكبرى في التاريخ المغربي المعاصر. ومن منطلق منهجي يعتبر أن ” دراسة النخبة ومساراتها هو تحليل للمنظور أو التصور الذي يعالج العلاقة بين السياسة والمجتمع”. فيما يُعتبر الإطار الزمني المدروس أي الحماية (1912-1956)، المرحلة التي شهدت بداية هاته العلاقة وانبثاقها، وكذلك باعتبار أن لها امتدادات، استمرت تأثيراتها إلى ما بعد نهايتها الرسمية (ما بعد سنة 1956).
تتمظهر خصوصية مسار النخبة التطوانية من منطلقين: الأول يعتبر أنّ مدينة تطوان التي اتخذت عاصمة لمنطقة الحماية الإسبانية عرفت سياقها الخاص غير المرتبط ب “المركز” الذي جسّدته مدن المنطقة السلطانية ونخبتها. والثاني يجد تفسيره أو تبريره في كون البحث الجهوي أو المونوغرافي يساهم بشكل مهم وأساسي في كتابة وفهم وتفسير التاريخ العام؛ “فبدون المبحثة لا يستقيم منطقيا ولا عمليا مشروع التاريخ الشمولي. كما يقول عبد الله العروي.
ويضيف يوسف الزيات أنه: “بالرغم من أنّ العديد من الباحثين درجوا على الحديث عن حركة وطنية مغربية واحدة وموحدة لها ظرفية اشتغال واحدة وسياق استعماري موحد! فالواقع الذي وقفت عليه الدراسة يقول إن مرحلة الحماية في المغرب شهدت حركتين وطنيتين (نخبتتين محليتين)، موحدتينن على مستوى الغايات والأهداف، مختلفتين في النشأة والتكوين التاريخي وسياقه، ومتباينتين أيضاً في أساليب النضال أو النشاط الثقافي والسياسي.
ويقول صاحب الكتاب في هذا الصدد: ” نعتقد أن تجربة النخبة التطوانية توفرت فيها كل أبعاد العمل السياسي الذي طغى على العمل الوطني في مرحلة معينة من مسارها هي بداية الثلاثينات. ولعبت، كنخبة وطنية، دورا بارزا في الحياة السياسية لمغرب الحماية، وساهمت كجزء من النخبة المغربية في بناء نوع وجزء من ” الفكر أو التفكير السياسي” والثقافة بالمغرب”.

error: