“الأطفال المزعجون” بالأزقة بين غياب دور الأسرة، وانهيار احترام الآخر، وتحديات العيش في الأحياء الشعبية
أحمد بيضي
الأربعاء 10 يوليو 2024 - 13:09 l عدد الزيارات : 151956
على الأمهات والآباء ألا يحمّلون أخطاءهم للغير، أو لمنظومة التعليم، في ما يخص مراقبة أطفالهم الذين لا يغادرون الشوارع والأزقة والدروب، من أولى ساعات النهار إلى ساعات متأخرة من الليل، ممارسين ألعاب مزعجة للجميع وضجيج وصخب لا يطاق، وألفاظ وسلوكيات لاأخلاقية، مع ما يسببه ذلك من أذى ومساس براحة وصحة الساكنة والمارة، ومن تدهور في علاقات الجيران، مقابل ضرورة استحضار مجموعة من التساؤلات من قبيل: متى ينجز هؤلاء الأطفال تمارينهم المنزلية؟ متى يراجعون دروسهم؟ متى ينامون ويأكلون؟، متى يكسبون قيم احترام الجيران وحب القراءة والكتب؟، متى يدركون مخاطر الانحراف والظواهر المعروفة؟.
وبمناطق مختلفة، اختار بعض السكان الرحيل إلى أحياء أخرى أكثر هدوءً، أو سلكوا وسائل أخرى إذا لم يكن بعضهم فضل الدخول في مشاجرات لعدم قدرته على ضبط الضغط النفسي، فيما الطرف الآخر لم يستوعب أهمية الوعي بأن تربية الأبناء (جيل المستقبل) أمانة في أعناق أسرهم، وأن ضياع هؤلاء الأبناء لن تتحمل مسؤوليته إلا الأسر، وهناك من يعزو هذه الظاهرة إلى غياب أماكن للترفيه، أو غياب دور للشباب وملاعب وفضاءَات اللعب، إلا أن “المزعجين” يفضلون الأزقة والدروب وأمام أبواب وشبابيك الغير، دونما أدنى تربية ولا احترام للآخر، وكل ذلك أمام مرأى من آبائهم وأمهاتهم، سواء كانوا من سكان المكان أو من القاطنين بأماكن مجاورة.
وكلما احتج البعض على “أطفال الأزقة”، يدخل في مشاجرات وتصرفات مشينة، وإذا تجاهل الوضع المزعج يتواصل الحال على ما هو عليه، وإذا لجأ للتهديد يستمر “المزعجون” في عنادهم أكثر، ولا غرابة في تحول الوضع إلى مشكلة مؤثرة على جودة الحياة، مقابل لجوء الكثيرين إلى خيار الرحيل ومغادرة الحي إلى أحياء أخرى أكثر أمانا وسكينة، في حين يفضل البعض عدم العودة لبيوتهم الا بعد شعورهم بخلو الحي من الضجيج، بينما يضطر آخرون لتجنب أي خلاف مع أسرة المزعجين، تفاديا لأي مشاكل، بالأحرى تسجيل ظاهرة أخرى صيفية تتمثل في جلوس فئات معينة كل ليلة على طول أرصفة وزوايا الزقاق دونما حياء.
ومن الضروري بعث تساؤلات حائرة حول ما إذا كان أولياء الأمور غير مكترثين بمراقبة وتربية فلذات أكبادهم؟، ولا بتأثيرات الشارع عليهم ومخاطرها على الأخلاق والقيم والدراسة والمستقبل؟، فضلا عن السلوكيات المختلفة التي تشحن الطفل والطفلة بالألفاظ المنحرفة والعبارات المخدشة للحياء، وكذا بتفضيل الشارع على البيت، سيما من هؤلاء الأخيرين من لا يقتصر على فترة النهار فقط، بل هناك من يخرج إلى الشارع ليلاً ويستمر في الإزعاج غير المحتمل حتى منتصف الليل، إما بكرات القدم أو بالدراجات الهوائية أو الصراخ والصخب والمشاجرة، ومن تعليقات أحد المدرسين إشارته لظاهرة ولوج التلاميذ لحجرات الدرس بأقمصة الفرق والمنتخبات.
ومن يوم لأخر يرتفع استياء أوساط واسعة من السكان الذين لجأوا إلى وسائل مختلفة للتعبير عن تذمرهم ومحاولة إيجاد حلول لهذه المشكلة، كما بدأ البعض بنشر فيديوهات استنكارية، على منصات التواصل الاجتماعي، توثق ظاهرة “الأطفال المزعجين”، متوسلين الرأفة براحة وصحة السكان، كما تم تداول نداءات استغاثة من قبل الكثيرين الذين يشعرون بالعجز أمام هذه الظاهرة، فيما قام البعض بالتقدم بشكاوى رسمية ضد أسر هؤلاء الأطفال لدى الجهات المختصة، مطالبين باتخاذ ما يضمن عودة الهدوء إلى الأحياء المتضررة، وكم هي اللحظات مؤلمة حين يفضل البعض إغلاق نوافذ بيوتهم عن الإزعاج رغم الحرارة المفرطة.
إن مراقبة الآباء والأمهات لأبنائهم وبناتهم، وضبط سلوكياتهم، أضحت مطلباً مجتمعياً، بالإضافة إلى توفير أماكن ترفيهية لممارسة الأنشطة دون المساس براحة الآخرين الذين يودون الشعور بحقهم في الهدوء داخل بيوتهم، وبينهم كبار السن والعمال ومرضى الضغط والصداع، ومن خلال الظاهرة يحضر موقع “إنسايدر مانكي”، المتخصص في التصنيفات والتحليلات، الذي خرج بتصنيف المغرب في المرتبة ال 154 عالمياً في مؤشر التعليم العالمي، إلى جانب “البرنامج الدولي لتقييم المتعلمين” (PISA 2022)وتقريره الذي صنف فيه التلاميذ المغاربة من بين “الأقل كفاءة في التفكير الإبداعي ضمن 64 دولة”، و”المغرب متأخر بـ 28 نقطة عن البلد الأفضل أداءً”.
وفي بعض الأحياء السكنية، استجاب أئمة بعض المساجد للساكنة بتقديمهم لخطب منبرية، أيام الجمعة، حول الموضوع بغاية تحسيس الآباء والأمهات وأولي الأمر بأضرار ومصائب الظاهرة، غير أن هذه الخطب بقيت خارج التغطية وغير مسموعة، بل أن العديد من هذه المساجد زحف عليها “الأطفال المزعجون” ممن يعمدون إلى التشويش على المصلين بأصوات وحركات مقلقة ومستفزة، ومن غير المعقول أن تعمد بعض الأسر إلى إطلاق العنان لأطفالها، حتى وإن أدى ذلك إلى مخاصمة كل الجيران، ذلك عوض تعليم هؤلاء الأطفال حدود التعامل مع الجيران والناس، أو اللعب بالفضاءات المحيطة بعيدا عن التجمع السكاني.
هذا بالنسبة للأطفال، أما بالنسبة لتلاميذ وتلميذات المؤسسات الإعدادية والثانوية، فحدث ولا حرج، مقابل عدم توفرهم على فضاءات وواقيات للاستراحة داخل المؤسسات التعليمية، بدل تركهم، بين “الساعات الفارغة”، يبحثون بين الأزقة المجاورة، وأبواب المنازل وأسفل النوافذ، على أمكنة للجلوس في انتظار وقت الدخول، مع ما يصاحب ذلك من صخب وإزعاج، أو من مشاهد وسلوكيات وألفاظ لا أخلاقية صادرة – أحيانا – عن بعضهم (وليس كلهم)، وهذا الوضع يثير أشكال مختلفة من ردود أفعال الساكنة، في غياب مسؤولي الشأن المحلي، وغياب الأسر التي لا تهتم بأبنائها، أو تعمد إلى تعليق فشلها على مشجب المنظمة التعليمية.