المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدعو إلى مراجعة مشروع قانون الاضراب برمته
مشروع يغلب عليه الطابع الزجري ويطبعه اللاتوازن
42٬180
مشاركة
التازي أنوار
سجل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تغليب البعد الزجري على الإطار التشريعي فيما يتعلق بمشروع قانون الإضراب وإحاطته بالضمانات القانونية الضرورية لممارسته، حيث خصصت له 12 مادة من أصل 49 مما يرجح المقاربة التقييدية ويخلق انطباعا غير ايجابي وتوجسي تجاه المبادرة التشريعية برمتها.
ولاحظ المجلس في رأيه حول مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، أن اللاتوازن يطبع هيكلة مشروع القانون التنظيمي، حيث خصص 22 مادة من أصل 49 تتعلق بممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص، في حين لم يخصص المشرع سوى 4 مواد لممارسة نفس الحق في القطاع العام والمؤسسات العمومية. كما أن المشرع أغفل إفراد بيان أو مادة تمهيدية توضح روح القانون وفلسفته، إلى جانب الأهداف والمقاصد المرجوة منه، مع التذكير بالأسس والمرتكزات التي ينهل منها قواعده، يعتبر من النواقص التي يتعين تداركها من خلال استهلال باب الأحكام العامة بمواد تمهيدية تعرض المرجعيات المعيارية التي يستند إليها الحق في الإضراب والمبادئ التي تقوم عليها ممارسته، والأهداف الأساسية التي يسعى النص التشريعي إلى تحقيقها.
وأكد المجلس في رأيه الذي صودق عليه بالاجماع في دورة استثنائية يوم 10 شتنبر 2024، أن تعريف الإضراب كما ورد في النص التشريعي يطرح إشكالات متعددة ومن ضمنها، حصر ممارسة الحق في الإضراب على الأجراء دون غيرهم من الفئات الاجتماعية الأخرى، عدم توضيح المقصود بالمصلحة الاجتماعية والاقتصادية المباشرة. وأوصى المجلس في هذا السياق، بإعادة النظر في تعريف الإضراب مما سيستلزم مراجعة المشروع برمته ليجيب على كل الإشكالات المطروحة، وعلى رأسها تدارك ضم جميع الفئات المهنية التي تتمتع بحرية الانتماء النقابي طبقا لأحكام الدستور والمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل كالعاملات والعمال المنزليين والتجار والمهن الحرة.
وبخصوص حق الدعوة للإضراب، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،ضرورة التنصيص، سدا للفراغ التشريعي، على أن لكل المنظمات النقابية والجمعيات المهنية المؤسسة والمعترف بها قانونيا الحق في الدعوة إلى الإضراب متى توفرت لها التمثيلية، داعيا إلى مراجعة كل الإشكالات المتعلقة بالتمثيلية ومعاييرها في القطاعين العام والخاص، بما يسمح برفع القيود عن ممارسة حق الإضراب والحق في التنظيم ويعكس التمثيلية الحقيقية على مستوى الشرعية والمشروعية.
وفيما يتعلق بتعريف المرافق الحيوية والحد الأدنى من الخدمة التي جاء بها مشروع قانون الإضراب، اقترح المجلس ضرورة إحالة مقتضيات المادة 34 على نص قانون متوافق حوله لتحديد المرافق الحيوية بوضوح ودقة، ما من شأنه أن يحقق المرونة المنشودة في التعديل والتحيين في ظل تسارع تطور البنيات الصناعية والأنماط المهنية الجديدة، وتحديد حيوية الخدمات الأساسية وأهمية الممتلكات والتجهيزات والآلات في أماكن العمل في القطاع الخاص (المادة 20)، والتشجيع على إيجاد أرضية تشاركية، بين جميع الأطراف لتحديد الحد الأدنى من الخدمة عن طریق اتفاقيات جماعية أو التزامات تعاقدية، لأن من شأن ذلك أن يأخذ بخصوصيات كل قطاع أو مؤسسة على حدة، ويستثمر في التجارب السابقة.
كما أكد المجلس على ضرورة تحديد الجهة المسؤولة عن إخطار المرتفقين والمواطنين داخل آجال معقولة بتاريخ ومدة الإضراب وبأي جدولة عملية لتنظيم الحد الأدنى من الخدمة، وذلك تحقيقا للصالح العام.
وبخصوص الفئات الممنوعة من الإضراب التي حملها المشروع، أوصى رأي المجلس، بتحديد النص التشريعي بوضوح وإلى أضيق حد ممكن فئات الموظفين العموميين الذين يتم تقييد حقهم في الإضراب، بما يتوافق مع توجهات منظمة العمل الدولية والتجارب الدولية التي تقيد هذا الحق عادة بالنسبة لحملة السلاح والفئات التي تمنع أنظمتها الخاصة صراحة ممارسة حق الإضراب.
وبخصوص الملف المطلبي، شدد المجلس، علىضرورة تحديد الشروط والكيفيات لتنظيم هذه العملية، مقترحا التمييز بين المطالب الاستعجالية الخاصة بإيفاء الحقوق وتنفيذ الالتزامات و قضايا الصحة والسلامة وبين المطالب المادية المتعلقة بتحسين الدخل، وكذا الاهتداء بالممارسات العملية في هذا المجال التي تتوافق مع خصوصيات المرافق والوحدات الإنتاجية، وإسناد دور التتبع والمواكبة والتوثيق لمفتشية الشغل.
وفيما يتعلق بالعقوبات في القانون التنظيمي للإضراب، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، شامي بتجنب مشروع القانون المذكور إدراج عقوبات سالبة للحرية، مع مراجعة كل مقتضيات القوانين التي تتنافى مع الحق في ممارسة الإضراب وخاصة الفصل 288 من القانون الجنائي، وذلك بإلغاء المقتضى الذي يفيد أنه يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وبغرامة من مائة وعشرين إلى خمسة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط من حمل على التوقف الجماعي عن العمل أو على الاستمرار فيه، وارتكاز القانون حصريا على وضع أحكام واضحة وصارمة بخصوص عرقلة ممارسة حق الاضراب، وعرقلة حرية العمل، وعدم الخوض في المسائل التأديبية أو الجنائية أو المدنية التي يحتكم بشأنها إلى التشريعات الموجودة، لتعزيز الوضوح القانوني وتجنب ازدواجية العقوبات مما يساهم في حماية حقوق العمال في ممارسة حقهم الدستوري في الإضراب.
وخلص المجلس، إلى أن مشروع قانون تنظيمي للاضراب، يجب أن ينسجم مع المرجعية الدستورية والالتزامات والمعايير الدولية ويرسي الأمن القانوني والحقوقي ويضمن توازن المصالح لضمان بيئة سليمة ومستقرة تقل فيها المنازعات والانحرافات ويسهل فيها الاحتكام إلى سلطة القانون والقضاء. كما ينبغي أن يواكب باستكمال تنظيم العلاقات الشغلية بالنصوص القانونية اللازمة باصدار قانون النقابات وتحيين مقتضيات مدونة الشغل وتقوية الحوار الاجتماعي وآليات الوساطة والتحكيم.