من الغريب والمثير للتساؤل أن نرى اليوم وزراء في الحكومة ومسؤولي أحزابها يعلنون بكل وضوح أنهم بدأوا حملتهم الانتخابية، رغم أن موعد الاستحقاقات لا يزال بعيدا، تخيلوا معي المشهد..أمناء أحزاب الأغلبية الحكومية، الذين يشغلون مناصب وزارية، يعلنون بوجه مكشوف عن انطلاق حملة انتخابية سابقة لأوانها، وكأن الأولوية لم تعد لتدبير الشأن العام ولا للاستجابة لانتظارات المواطنين، بل للتنافس الانتخابي في أفق الاستحقاقات القادمة.
كيف يمكن أن يفسر المواطن هذا السلوك؟ هل هو انفصال عن الواقع ومعاناة الشعب، أم غياب للوعي بضرورة فصل العمل الحكومي عن الطموحات الانتخابية؟ الوزراء اليوم ليسوا مجرد زعماء سياسيين، بل هم مسؤولون عن إدارة قطاعات حيوية وحل مشكلات الناس، ومن غير المقبول أن تتحول مؤسسات الدولة إلى منصات للترويج الحزبي في فترة يفترض أن تكون مخصصة للعمل الجاد والمسؤول.
العبث الحقيقي هو أن يتم تسييس العمل الحكومي بشكل فج، حيث يصبح الانشغال بالمصالح الحزبية والانتخابية هو القاعدة بدلا من الانكباب على تنفيذ برامج الحكومة التي انتخبوا من أجلها، فاحترام قواعد اللعبة الديمقراطية يعني الالتزام بالمسؤولية التي يحملها هؤلاء الوزراء اليوم، وتأجيل أي نقاش انتخابي إلى حينه، لضمان نزاهة العملية السياسية واحترام إرادة الناخبين.
هذا الوضع يطرح أسئلة جوهرية حول مصداقية العمل الحكومي وجدوى مشاركته في بناء الثقة مع المواطن، فكيف يمكن للمواطن أن يثق في مسؤول يخلط بين منصبه الحكومي ودوره الحزبي؟ وكيف يمكن أن نطلب من الناس الإيمان بالمؤسسات إذا رأوا أن من يديرها يضعها في خدمة أجنداته الشخصية والحزبية؟
إن احترام المؤسسات يبدأ من فصل الأدوار واحترام الزمن السياسي، وعلى المسؤولين اليوم أن يدركوا أن الشعب يراقب، وأن من العبث أن تتحول الحكومة إلى حملة انتخابية مستمرة على حساب حاجيات المواطنين وتطلعاتهم.
تعليقات
0