في جلسة يومه الإثنين 3 يناير 2025، تدخل الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين في مناقشة مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، معتبرين أن هذا المشروع يشكل نقطة تحول مهمة في المشهد القانوني والاجتماعي المغربي. وقد أكد الفريق على أن الإضراب، منذ الاستقلال، كان أداة أساسية للطبقة العاملة في الدفاع عن حقوقها وتحسين ظروف عملها، مما يجعل تنظيمه القانوني مسألة بالغة الحساسية تتطلب موازنة دقيقة بين مختلف المصالح والحقوق.
غير أن الفريق الاشتراكي أشار إلى أن المشروع في صيغته الحالية يثير العديد من الإشكاليات الجوهرية التي تمس جوهر الحق في الإضراب وممارسته الفعلية. ومن أبرز هذه الإشكاليات التعريف المحدود الذي يقدمه المشروع لحق الإضراب، حيث يقتصر على فئة الأجراء الخاضعين لقوانين الشغل والوظيفة العمومية، متجاهلاً واقع سوق العمل المغربي الذي يتميز بانتشار العمل غير المهيكل وتعدد الفئات المهنية. هذا القصور في التعريف لا يتماشى مع المعايير الدولية التي تؤكد على شمولية هذا الحق وارتباطه الوثيق بالحقوق الإنسانية الأساسية، كما يتعارض مع التزامات المغرب بموجب الاتفاقيات الدولية للعمل والمواثيق الحقوقية.
ومن الناحية الهيكلية، أشار الفريق إلى أن المشروع يعاني من إشكالات بنيوية تتجلى في تكرار المواد وتداخل النصوص المتعلقة بالعقوبات، مما يخلق صعوبة في الفهم والتطبيق. كما أن التعريف لم يعكس بالشكل المطلوب أهمية حق الإضراب كحق دستوري وإنساني، ولم تبرز بوضوح التزامات المشرع بالمواثيق والاتفاقيات الدولية. وهذا يستدعي مراجعة شاملة للبناء القانوني للمشروع لضمان وضوحه وانسجامه مع المبادئ الدستورية والمعايير الدولية.
وعلى مستوى الإجراءات التنظيمية، أثار الفريق إشكالية النصاب القانوني المطلوب لعقد الجمع العام واتخاذ قرار الإضراب، خاصة في المؤسسات الصغرى والمتوسطة. فالنسب المرتفعة المقترحة تشكل عائقاً حقيقياً أمام ممارسة هذا الحق، وتتعارض مع مبدأ تيسير ممارسة الحقوق الأساسية. كما أن حصر حق المبادرة في النقابات الأكثر تمثيلية يشكل مساساً خطيراً بمبدأ التعددية النقابية ويحد من قدرة النقابات المستقلة والمنظمات المهنية على الدفاع عن مصالح منخرطيها.
وفيما يتعلق بالجانب الجزائي، انتقد الفريق اعتماد عقوبات مقترنة بغرامات ثقيلة تثقل كاهل العمال، معتبرين أن ذلك يشكل تراجعاً خطيراً عن المكتسبات الحقوقية في مجال الحريات النقابية. فتجريم ممارسة حق الإضراب من خلال عقوبات من هذا النوع يتنافى مع طبيعة هذا الحق كآلية سلمية للاحتجاج والمطالبة بالحقوق المشروعة، ويتعارض مع التوجهات الحديثة في مجال العلاقات المهنية التي تميل نحو اعتماد آليات وقائية وتصالحية.
ومن زاوية التوافق الاجتماعي، أكد الفريق على أن الحوار والتشاور مع الفرقاء الاجتماعيين يعد مدخلاً أساسياً لتطوير مشروع قانون يحظى بالقبول والمشروعية. فتجارب الدول المتقدمة في مجال تنظيم الإضراب تؤكد أهمية بناء توافقات واسعة حول القواعد المنظمة لهذا الحق. وهذا يتطلب إشراكاً حقيقياً للنقابات والمنظمات المهنية في صياغة المشروع وتطويره، بما يضمن التوازن بين مختلف المصالح المتداخلة.
وفي هذا السياق، أشار الفريق إلى ضرورة مأسسة الحوار الاجتماعي من خلال إقرار قانون إطار للحوار الاجتماعي، حتى لا يبقى هذا الحوار رهيناً بتغير الحكومات ورؤساء الحكومات. كما أكد على أهمية تقوية العمل النقابي من خلال تحصيل الحق والحرية في الانتماء للنقابات، مع الإشارة إلى الإشكالات الكبرى التي تواجهها بعض القطاعات التي تحرم التنافس النقابي على قاعدة التنافس الشريف والتمثيل الديمقراطي.
كما طالب الفريق بالإسراع بإخراج قانون النقابات وفرض المراقبة المالية على النقابات ومراجعة الترسانة القانونية المنظمة للانتخابات المهنية، معتبرين أن هذه المنطلقات هي سبب النتائج التي يتم مناقشتها اليوم. وأكد الفريق على أن تقوية النقابات تعد نقطة مفصلية في سياق مناقشة قانون الإضراب، على اعتبار أن التنظيم النقابي هو الأساس لتفعيل هذا النوع من القوانين داخل الوحدات المقاولاتية أو وحدات القطاع العمومي.
وفي ختام تدخله، أكد الفريق الاشتراكي على أن معالجة هذه الإشكاليات تستدعي مراجعة شاملة وعميقة للمشروع تأخذ بعين الاعتبار البعد التنموي والاستراتيجي للعلاقات المهنية في المغرب. فالإضراب ليس مجرد آلية احتجاجية، بل هو مؤشر على مستوى النضج في العلاقات بين الشركاء الاجتماعيين. لذلك، فإن تنظيمه يجب أن يندرج في إطار رؤية شاملة تهدف إلى تطوير علاقات مهنية متوازنة تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، مع الحرص على حماية الحقوق الأساسية للعمال وضمان آليات فعالة لممارسة حق الإضراب في إطار يحترم الحريات النقابية والمعايير الدولية.
تعليقات
0