في واقعة جديدة تكشف مدى تهاون الجهات الرقابية وغياب الضمير لدى بعض التجار او الشركات الغذائية، تمكنت السلطات من ضبط مخزن سري بأحد أحياء الدار البيضاء، حيث عثر على كميات هائلة من المواد الغذائية الفاسدة والمنتهية الصلاحية، التي كان يتم التلاعب بتواريخ صلاحيتها لإعادة طرحها في الأسواق. هذه الجريمة التي تهدد صحة آلاف المواطنين تطرح العديد من التساؤلات حول دور الأجهزة المختصة ومدى يقظتها أمام مافيات الغش الغذائي.
التلاعب بالأرواح: جريمة بلا رادع
التحقيقات الأولية كشفت أن المخزن كان يزود عدداً من التجار، و حتى بعض المتاجر الكبيرة المصنفة ، و حتى أصحاب محلات بقالة، ومطاعم، وباعة متجولين، حيث تتم إعادة تغليف المنتجات ووضع تواريخ جديدة عليها، في تحدٍّ صارخ للقوانين الصحية. هذه الظاهرة لم تعد معزولة، بل صارت تنتشر كالنار في الهشيم، مستغلة غياب الرقابة الفعلية من المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وجمعيات حماية المستهلك، وحتى المصالح البلدية المسؤولة عن حفظ الصحة.
أين هي الجهات الرقابية؟
ما يزيد الطين بلة هو الغياب شبه التام لعمليات التفتيش الصارمة، وكأن أعوان السلطة المحلية والمصالح الصحية لا يرون ولا يسمعون عن هذه الجرائم التي تهدد صحة المواطن. فكيف يمكن لمثل هذا المخزن أن يعمل لسنوات دون أن يتم ضبطه؟ وكيف يتم السماح بمرور هذه البضائع الفاسدة عبر الأسواق والمتاجر؟
أمراض بالجملة.. وضحايا في صمت
الانعكاسات الصحية لهذه الجرائم لا تخفى على أحد، فالاستهلاك المتكرر للمواد الغذائية الفاسدة يؤدي إلى حالات تسمم حاد، وأمراض معوية خطيرة، ناهيك عن التسبب في مشاكل صحية مزمنة قد تصيب الأطفال خاصةً، باعتبارهم الأكثر هشاشة أمام مثل هذه المواد السامة. في كل مرة يُضبط فيها مخزن مماثل أو تُحجز لحوم فاسدة موجهة ” للسناكات ” وبائعي الأكلات الخفيفة، نجد أنفسنا أمام نفس السيناريو: تكتم، غياب الصرامة، ومعاقبة بعض المتورطين فقط دون اجتثاث الظاهرة من جذورها.
الأسواق المشبوهة.. والأسعار المغرية
تُعد المحلات التجارية التي تبيع المنتجات بأثمان زهيدة إحدى القنوات الرئيسية لترويج هذه البضائع، حيث يجد المواطن نفسه بين خيارين: إما شراء المنتجات العادية بأسعار مرتفعة أو اللجوء إلى البدائل الأرخص التي قد تحمل معها مخاطر صحية جسيمة. لهذا بات من الضروري تكثيف حملات التفتيش وزيارة هذه الأسواق للوقوف على حقيقة السلع المعروضة ومصادرها.
المطلوب: الضرب بيد من حديد
لم يعد كافياً ضبط مثل هذه المخازن ومصادرة السلع الفاسدة، بل يجب اتخاذ إجراءات صارمة بحق كل المتورطين، سواء كانوا تجاراً، مسؤولين متواطئين، أو حتى جهات تغض الطرف عن هذه الجرائم. كما يجب على كل مواطن أن يكون عيناً ساهرة، يبلغ عن أي تلاعب قد يهدد سلامته وسلامة أسرته. صحة المواطن ليست مجالاً للعبث، وأي تهاون في هذا الشأن يجب أن يُقابل بأقصى العقوبات.
إن استمرار مثل هذه الفضائح يعكس خللاً كبيراً في المنظومة الرقابية، ويؤكد أن صحة المواطن لا تزال في مهب الريح. فهل نشهد تحركاً حقيقياً هذه المرة، أم أن هذه الجريمة أيضاً ستُضاف إلى قائمة الفضائح المنسية؟
تعليقات
0