الباحث محمد ياسين يعزز الخزانة المغربية بعمل علمي حول “السلطة والتغير الاجتماعي في المجال الجهوي بالمغرب”

أحمد بيضي الأحد 27 أبريل 2025 - 17:22 l عدد الزيارات : 49910

أحمد بيضي

صدر للباحث السوسيولوجي، الدكتور محمد ياسين، عمل علمي موسوم بـ “السلطة والتغير الاجتماعي في المجال الجهوي بالمغرب: قراءة في معالم ومسارات تجربة جهوية”، ليثري الساحة الفكرية المغربية بإسهام نوعي في تحليل إشكالات الجهوية وتحولاتها الاجتماعية في ضوء رؤية أكاديمية رصينة ومنهجية دقيقة، وقد جرى توقيع هذا الإصدار في إطار الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط لعام 2025، برواق مكتبة سلمى الثقافية للنشر، حاملا معه ثمرة مجهود علمي أصيل استند إلى أطروحة دكتوراه دولة تحت إشراف عالم الاجتماع المغربي مدير مركز الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية، الدكتور عبدالجليل حليم، الذي غادر حياتنا خلال نهاية أكتوبر العام الماضي 2024.

ينطلق الكتاب من اعتبار الجهة والجهوية إحدى القضايا المركزية التي شغلت المغرب خلال العقود الأخيرة، ليس فقط على صعيد مؤسسات الدولة وأجهزتها، بل أيضا في قلب النقاشات المجتمعية، بما يحمله ذلك من دلالة على أن الرهانات الجهوية تتجاوز الحقول الاقتصادية والقانونية الضيقة إلى آفاق سياسية وثقافية واجتماعية أكثر تركيبا، وقد اختار الدكتور محمد ياسين أن يقارب هذه الإشكالية بمنظور سوسيولوجي، مدركا أن إعداد المجال الترابي وترتيبه لا يمكن فصله عن تفاعلات سلط مرجعية تستبطن اعتبارات سياسية واقتصادية ورمزية عميقة، وأن ضبط التوازنات الاجتماعية لا يتم فقط عبر أدوات تقنية، بل يتأسس على قراءة حركية السيرورة المجالية والاجتماعية بما تنطوي عليه من تناقضات بنيوية.

ووفق خارطة مقدمته دائما، يؤكد مضمون العمل أن السلطة، بما هي شبكة معقدة من علاقات النفوذ والتأثير، تعمل دوما في ظل ديناميات التغير الاجتماعي، بل قد تكون أحيانا محركه الأساسي أو أداة تكييفه وفق انتظارات مجتمعية محددة أو خيارات سياسية مهيمنة، وفي هذا الإطار، يقدم المؤلف أطروحة مؤداها أن استيعاب المسألة الجهوية ينبغي أن ينطلق من مساءلة العوامل البنيوية التي تشكل المجال والمجتمع معاً، وملاحظة الطريقة التي تتجلى بها السلطة في تمفصلاتها المختلفة داخل النسيج الجهوي، فيما يستند الكتاب بالتالي إلى رؤية منهجية تعتبر البحث السوسيولوجي أداة لكشف الإشكالات الحقيقية التي يعانيها المجتمع، بعيدا عن التصورات النمطية أو الخطابات الجاهزة.

وتم الاشتغال ضمن الكتاب على أسئلة تتولد من قلب المعيش اليومي للمجتمع وتترجم تطلعاته وإكراهاته السياسية والاقتصادية والثقافية، ومن هذا المنطلق، يصبح رصد تطور تدبير المجال الترابي، وفهم أولويات الدولة المركزية وإكراهاتها، مدخلاً لفهم نوعية العلاقة التي نسجتها مع المجتمع عبر مستويات الجهوية المختلفة، وقد جعل الباحث من دراسة تجربة المجلس الجهوي لمكناس تافيلالت محورا تطبيقيا لإبراز كيفية تجسد الرهانات الجهوية على أرض الواقع، ملاحظا كيف أن هذه التجربة ظلت مشدودة إلى ثقل البنيات المحلية التقليدية، وإلى شبكة من الإكراهات التنظيمية والسياسية التي تعكس أولويات المركز أكثر مما تعبر عن دينامية محلية مستقلة.

وعبر تتبع المشهد الانتخابي الذي أفرز نخب الجهة، استجلى الباحث السمات السوسيولوجية لهؤلاء الفاعلين وطبيعة رهاناتهم، مؤكداً أن الثقافة التنظيمية والسياسية لهؤلاء المنتخبين تشكل عنصراً حاسماً في فهم أداء المجالس الجهوية، ومدى قدرتها على تفعيل مشاريع التنمية المجالية والاجتماعية، ولم يغفل الكتاب الإشارة إلى المفاهيم الأساسية التي تؤطر الفعل السياسي والتنظيمي في السياق المغربي، مثل الأعيان والنخب والأحزاب والمؤسسات، مساهما بذلك في تقديم قراءة نقدية واعية تزاوج بين التحليل النظري والتمحيص الميداني، مع الاحتراس من الإسقاطات الجاهزة أو التعميمات غير المبررة.

وقد اعتمد الباحث على مقاربة توازن بين التحليل الأفقي للعلاقات بين الفاعلين المحليين والجهويين، والتحليل العمودي الذي يرصد تشكل المؤسسات الجهوية عبر المنظومات المحلية، فيما تتجلى أهمية الكتاب في رصده للحدود الموضوعية التي تطبع دينامية المجالس الجهوية، وفي تأكيده أن نجاح تجربة الجهوية لا يقاس فقط بوفرة الموارد أو حجم البرامج المعلنة، بل بالقدرة على المواءمة بين الخطاب الرسمي والإنجاز الفعلي، ومدى استعداد الفاعلين المحليين للاضطلاع بأدوارهم في صناعة القرار وتفعيل السياسات العمومية، ومن هنا تصبح السلطة، بحسب ما يفصح عنه الكتاب، أداة استراتيجية لتدبير التغير الاجتماعي، كما يصبح هذا التغير رهانا لتعزيز السلطة وتجديد مشروعية المؤسسات.

إن تناول المسألة الجهوية بمنظور السلطة والتغير الاجتماعي، كما يراها الدكتور محمد ياسين ضمن عمله العلمي الاجتماعي: “السلطة والتغير الاجتماعي في المجال الجهوي بالمغرب” يشكل إضافة نوعية إلى البحث السوسيولوجي المغربي، باعتباره يفتح أفقاً لفهم أعمق للترابط بين المجال والمجتمع، وبين المؤسسات والنخب، وبين الدولة والمجتمع المدني. ويكشف أن رهان الجهوية ليس مجرد هندسة إدارية، بل هو سيرورة سياسية وثقافية ومجتمعية معقدة، تتداخل فيها مصالح ومواقع ورهانات تتطلب قدراً كبيراً من التحليل الدقيق والفهم العميق لمسارات التحول الاجتماعي الذي يعيشه المغرب اليوم.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الجمعة 2 مايو 2025 - 23:54

الحي المحمدي يحتفي بالمسرح في دورته الخامسة تكريما لروح الفنان الراحل أحمد كارس

الجمعة 2 مايو 2025 - 21:23

إدارة الدفاع الوطني تنبه مستخدمي “Mozilla Firefox” من ثغرات أمنية خطيرة

الجمعة 2 مايو 2025 - 20:57

الأميرة للا أسماء تزور بواشنطن جامعة غالوديت وتترأس حفل توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة للا أسماء وغالوديت

الجمعة 2 مايو 2025 - 14:39

المغرب يحتل المركز 63 عالميا في جودة النظام التعليمي

error: