رغم ما ينص عليه دستور المملكة المغربية من مبادئ الشفافية والنزاهة، ورغم صدور قوانين ودلائل مساطر صارمة لمنع تضارب المصالح، لا تزال هذه المعضلة تنخر جسم التدبير العمومي، لا سيما حين يتعلق الأمر بكبار المسؤولين الذين يفترض فيهم أن يكونوا قدوة في احترام القانون، لا أن يتحايلوا عليه.
أحدث نموذج مثير للجدل تجسد في صفقة تحلية مياه البحر الاخير بالدار البيضاء ، والتي فازت بها شركة مرتبطة مباشرة برئيس الحكومة نفسه.
المفارقة أن دليل المساطر يمنع صراحة أي مسؤول حكومي من الاستفادة من صفقات القطاع الذي يشرف عليه، فبالأحرى حين يكون المعني هو رئيس الحكومة، المسؤول الأول عن جميع القطاعات. “بقدرة قادر”، كما يقول الشارع، تم التغاضي عن هذا التعارض الصارخ للمصالح، وكأن القوانين خلقت فقط لتطبق على صغار المنتخبين أو مسؤولي الجماعات القروية النائية.
في المقابل، يلاحق منتخبون محليون، بل يعزلون أحيانا لمجرد توقيعهم على رخص بناء أو تفويت صفقات بسيطة، بينما تمر صفقات ضخمة وتفويتات مليارية في صمت تام حين يكون المعني بها شخصية نافذة أو محسوبة على جهات قوية.
فمن صور تضارب المصالح التي تغض عنها الأبصار، استغلال المسؤولين لنفوذهم لتسيير مرافق جماعية تدر عليهم أرباحا طائلة، كالملاعب، وقاعات الأفراح، والفنادق، التي شيدت على أراض جماعية سلموها لأنفسهم او لعائلاتهم بطرق احتيالية، و يخفون ملكيتهم لها تحت ستار انهم إما “ورثة” أو “شركاء”.
ليس هذا فقط، بل هناك من يستفيد من منح سخية تخصص لأندية أو جمعيات تربطها بالمستفيدين علاقة حزبية أو عائلية، بينما تحرم منها جمعيات نشطة لا تدين بالولاء السياسي المناسب.
و هناك من تمنح له ملاعب مجهزة مز المالية العامة بحجية انهم يساعدون الساكنة ،و هم في واقع الحال ادرع انتخابية واضحة .
من المثير كذلك أن عددا من الصفقات العمومية، خاصة في مجالات التموين، والمطعمة في برامج وطنية ، والتجهيز، تذهب بشكل متكرر إلى شركات مملوكة لأقارب أو شركاء حزبيين للمسؤولين، في خرق واضح لمبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص.
ومن المفارقات أن بعض هذه الصفقات تمنح دون أي طلبات عروض حقيقية، أو تفصل شروطها على مقاس الفائزين سلفا . أو في إطار صفقات تفاوضية ، أو صفقات الإطار التي تفتقد للشرعية و الشفافية ، و التي تثير الشبهات في ابرامها.
إن عدم المساواة في المحاسبة يهدد الثقة في المؤسسات ويغذي الإحباط الشعبي، ويفرغ مفاهيم الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة من محتواها.
و المطلوب اليوم ليس فقط تقوية الإطار القانوني، بل تفعيل تعميم المساءلة بدون انتقائية، وتكريس مبدأ “لا أحد فوق القانون”، مهما علا منصبه أو صخب اسمه في الحملات الانتخابية.
تعليقات
0