طلبة وأساتذة جامعيون في رحلة علمية لخنيفرة حول تجليات الماء في الذاكرة والسرد والأسطورة والأغنية الأمازيغية

أنوار بريس الإثنين 12 مايو 2025 - 20:29 l عدد الزيارات : 4841
أحمد بيضي
نظم “مختبر السرد والأشكال الثقافية: الأدب واللغة والمجتمع”، من كلية الآداب لجامعة السلطان مولاي سليمان، على مدى يومي الأحد والاثنين 4 و5 ماي 2025، رحلة علمية لخنيفرة حول “سرديات الماء”، انطلقت من ساحة أزلو، وسط أجواء تعكس حضور الجامعة المغربية في محيطها الثقافي والمجتمعي، حيث أعلن مدير المختبر ومنسق ماستر السرد والثقافة، ذ. عبد الرحمان غانمي، افتتاح هذه الرحلة بوصفها تجربة ميدانية تدمج بين التحصيل النظري والانفتاح على الجغرافيا الثقافية والطبيعية، عبر موضوع يتقاطع فيه الأدب والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا والرمزيات الشعبية، ألا وهو “الماء” بوصفه عنصرا مركزيا في الذاكرة الجماعية والمخيلة السردية.
استهل المشاركون برنامج الرحلة بزيارة إلى متحف التراث الأمازيغي بأجلموس، حيث انعقدت أولى الجلسات العلمية تحت إشراف ذ. معاد أوزال، وحضور مسؤول المتحف، محمد أمحدوك، الذي قدم توطئة تعريفية بالمؤسسة ودورها في صون التراث المحلي، وقد ألقيت في هذه الجلسة ورقة علمية تأصيلية من طرف ذ. محمد أحضيض بعنوان: “الماء: الشرط البيولوجي لكل ما هو أنثروبولوجي”، تناول فيها البعد الكوني للماء بوصفه أصلا للحياة، وانعكاساته على تشكل أنماط التفكير والطقوس والممارسات الثقافية لدى الإنسان، لا سيما في الفضاء المغربي، فيما عبر الطلبة الباحثون عن تفاعلهم مع مداخلات الجلسة من خلال أسئلتهم وملاحظاتهم.
وبعد اختتام اللقاء بتقديم درع المختبر إلى د. محمد أمحدوك، عرفانا بإسهامه في خدمة التراث المحلي، توجه الوفد العلمي، في المحطة الثانية، صوب متحف التراث الأمازيغي بمدينة خنيفرة، حيث اكتشف المشاركون محتويات المتحف الغنية التي توثق للتنوع الثقافي المغربي، من خلال أدوات الحياة اليومية وملامح التغير المجالي والاجتماعي، وكلها عناصر ترتبط عضويا بعلاقة الإنسان بالماء، وقد كانت هذه الزيارة مناسبة لتأمل مسار تطور التقنيات والعادات والطقوس التي تؤسس للهوية الجماعية، انطلاقا من الماء كمورد طبيعي ورمز كوني، ليشكل ذلك أرضية خصبة لربط المعطى التراثي بالتحليل العلمي.
ذلك قبل شد الرحال نحو “الأرشيف الصوتي للأغنية المحلية”، استقبلهم فيه الباحث في الأغنية الأمازيغية والأطلسية، المكي أكنوز، الذي قدم عرضا حول: “أشكال حضور الماء في الأغنية الأمازيغية”، في جلسة سيرها ذ. جعفر أسولوس، وقد تناول العرض تجليات الماء في النص الغنائي التراثي، من خلال رمزيته المرتبطة بالشوق، والحب، والفقد، والخصوبة، والمواسم، مبرزا كيف شكلت هذه الثيمة عنصرا بنيويا في التعبير الشعري والموسيقي الأمازيغي، حيث شكل هذا اللقاء لحظة للانفتاح على أنساق تمثيل الماء داخل الثقافة الشفوية، وتم تتويج هذه الجلسة بتكريم المكي أكنوز بدرع تذكاري، اعترافا بإسهاماته العلمية والإبداعية في خدمة التراث الموسيقي.
في مساء نفس اليوم، التأم المشاركون في منطقة الشلالات بزاوية إفران، حيث انعقدت مائدة مستديرة بعنوان: “الماء والسحر بين الجماليات والأنثروبولوجيا”، أدارها ذ. الحسين والمداني (حسام الدين نوالي)، وقد أثار هذا اللقاء العلمي نقاشات غنية حول الأبعاد السحرية للماء في الثقافة المغربية، وتقاطعاته مع المعتقدات، والطقوس، وأساليب التعبير الفني في الأدب والنقد والتشكيل والدين والسوسيولوجيا، فيما انخرط الطلبة الباحثون في تحليل هذه العلاقات المتشابكة، مستندين إلى خلفيات علمية متعددة التخصصات، أضفت عمقا على النقاش وأثرت مسارات البحث الممكنة، وقد اختتم ذ. عبد الرحمان غانمي هذه الجلسة بوضع الإشكالية ضمن نسق معرفي متكامل.
وفي صباح اليوم الموالي، الإثنين 5 ماي 2025، توجه الوفد العلمي نحو فضاء عيون أم الربيع، حيث التأمت جلسة علمية سيرتها ذة. سعاد أعلاوش، وقدمت فيها ذة. لطيفة حمامة عرضا بعنوان: “أسطورة أنزار: التأويل الأنثروبولوجي لطقوس تاغنجة بمنطقة خنيفرة”، استعرضت فيه أبعاد الأسطورة ودلالاتها، وعلاقتها بالبنية الطقوسية والاجتماعية للمجتمع المحلي، مركزة على طقس “تاغنجة” كممارسة جماعية ذات أصول رمزية عميقة تستنجد بالماء طلبا للخصب والغيث، وقد أثار هذا العرض نقاشا غنيا بين الطلبة، تطرق إلى تقاطع البنى الأسطورية مع معتقدات الخير والشر، والتصورات الشعبية والدينية التي تحيط بالماء.
أما في الفترة المسائية، فكان الموعد مع بحيرة أكلمام أزكزا، التي تحولت إلى فضاء تفاعلي لعرض علمي قدّمته ذة. فوزية العلام، بعنوان: “السرد والماء: أسطورة إسلي وتسليت أنموذجا”، في جلسة أشرفت على تسييرها ذة. ليلى شاهيب، استعرض العرض الأسطورة الشهيرة بوصفها نموذجا غنيا لتحليل العلاقة بين الحب والماء، والمأساة والأسطورة، والفضاء والطبيعة، ضمن سردية تتقاطع فيها الذاكرة الجماعية مع التعبير الرمزي والفني، وقد ناقش الطلبة حضور هذه الثيمات في الرواية، والقصة، والحكاية الشعبية، مع التركيز على الأعمال التي تناولت فضاء أكلمام أزكزا، مما أضفى على الجلسة طابعا تفاعليا وغنيا بالأفكار.
وبينما اختتم ذ. عبدالرحمان غانمي الجلسة باستحضار أهداف الرحلة من حيث كونها إطارا تكوينيا جامعا بين النظرية والممارسة، وبين المعرفة الأكاديمية والانفتاح على الثقافة المحلية، وقد أكدت هذه الرحلة العلمية، من خلال محطاتها الغنية والمتنوعة، قدرة الجامعة المغربية على الخروج من جدران القاعة نحو فضاءات الحياة، وعلى الربط المبدع بين التكوين العلمي والمجال الثقافي الطبيعي. لقد تحولت سرديات الماء من مفهوم أكاديمي إلى تجربة معرفية حية، يتفاعل فيها الطالب والباحث مع الأرض والتاريخ والأسطورة، ضمن نسق متكامل يسائل الماضي ويفتح آفاقا جديدة لفهم الذات والمجتمع.
تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

مقالات ذات صلة

الإثنين 12 مايو 2025 - 23:25

تدشين المقر الجديد للقنصلية العامة للمغرب بمونبلييه

الإثنين 12 مايو 2025 - 21:24

ريو: الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم مواكبة دينامية التنمية بجهة الداخلة – وادي الذهب

الإثنين 12 مايو 2025 - 21:19

جلالة الملك يستقبل ثلاثة أعضاء جدد بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية

الإثنين 12 مايو 2025 - 21:10

هؤلاء هم العمال والولاة الجدد الذين عينهم جلالة الملك على هذه الأقاليم والولايات

error: