كشف رأي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عن لجوء محدود إلى الآليات المؤسساتية للمشاركة المواطنة، موضحا أن اللجوء إلى الآليات التشاركية الجديدة لا يزال جد محدود على الصعيد الوطني، وذلك رغم ما تزخر به من مؤهلات هامة جدا في ما يتصل بالنهوض بالديمقراطية التشاركية.
وسجل المجلس في رأيه حول “تعزيز مشاركة المواطنات والمواطنين في تدبير الشأن العام”، أنه لحد الآن، لم يتم تقديم سوى 4 ملتمسات في طور جمع التوقيعات و 13 عريضة، وهي حصيلة تبقى دون مستوى الطموحات المتوخاة والتقعيد الدستوري والقانوني والمؤسساتي لهذه الآليات. أما على المستوى الترابي، فقد عرفت الجماعات الترابية إلى متم دجنبر 2022 تسجيل 694 عريضة. ويتبين من خلال هذه الأرقام تركز العرائض على مستوى الجماعات (80.6) في المائة، تليها العمالات الأقاليم (10.8 في المائة) ثم الجهات 8.6 في المائة.
وأكد المجلس، أن هذا التوزيع يبرز أن المستوى الترابي الأدنى، أي الجماعات، يستأثر بالنصيب الأكبر من العرائض، نظرا لقربها من المواطنات والمواطنين ودورها الأساسي في تدبير الحياة اليومية للساكنة. مشيرا أنه وفي غياب إطار قانوني ملزم ومُحَدّد لكيفيات إجراء التشاور العمومي، وتتبع مآلات العرائض والملتمسات المقبولة، تبقى المؤسسات غير ملزمة بأخذ مخرجات الاستشارات العمومية بعين الاعتبار عندما يتم تنظيمها أو تلقيها.
وشدد المجلس، أن غياب ضمانات بشأن التأثير الفعلي للمشاركة المواطنة، قد يؤدي إلى خلق مناخ من ضعف الثقة ويسهم في تراجع تدريجي في مشاركة المواطنات والمواطنين. وبالتالي، تجد المواطنات والمواطنون ومنظمات المجتمع المدني قدرتها على التأثير في مسار إعداد وتتبع وتقييم السياسات العمومية قد أصبحت محدودة ومقيدة، مما قد يعيق تطوير ثقافة المشاركة الفاعلة. ومن جهة أخرى، يمكن أن تنظر المواطنات والمواطنون إلى هذه المبادرات على أنها مجرد ممارسة شكلية تفتقر إلى التأثير، وبالتالي يضعف إقبالهم على الانخراط في الشأن العام، وهو الأمر الذي لا يؤدي إلى الحد من دينامية المشاركة المواطنة فحسب، وإنما يؤثر سلبا على جودة القرارات العمومية وفعاليتها ومشروعيتها.
وبخصوص العوائق التي تواجه الأشكال المؤسساتية للمشاركة المواطنة، كشف البحث الميداني الذي أجراه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن 50 في المائة من المستجوبين أفادوا بأنهم لا يعرفون كيفية المشاركة وذلك بسبب الطابع المعقد للآليات والمساطر المعمول بها، وأن 31 في المائة منهم لا يشعرون بأنهم معنيون بالمشاركة، مما يعكس ضعفا في تملك الآليات المؤسساتية للمشاركة المواطنة. غير أن العقبة الرئيسية التي تحول دون المشاركة تتمثل، حسب ما كشف عنه البحث، في التشكيك في جدوى المشاركة، وهو رأي عبرت عنه نسبة عالية جدا من المستجوبين بلغت 63 في المائة، وهو الأمر الذي يشير إلى ضعف الثقة في المؤسسات.
وبشأن تملك الآليات المؤسساتية للمشاركة المواطنة، شدد المجلس، على أن محدودية تملك الآليات المؤسساتية للمشاركة المواطنة بالمغرب تعزى إلى مجموعة من العوامل المترابطة التي تحول دون إعمالها الفعلي. ومن بين أبرز الإكراهات المطروحة في هذا المضمار، ضعف وسائل التحسيس والإعلام المتاحة وفق صيغ ومضامين ميسرة الفهم والولوج بالنسبة للعموم. ذلك أن المواطنات والمواطنين لا يتوفرون دائما على الأدوات والمعارف الضرورية من أجل فهم الآليات التشاركية وحسن توظيفها، مما يحول دون انخراطهم الفاعل في الشأن العام.
وأشار المجلس، أنه مما يزيد من حدة هذا النقص في المعارف والمعلومات، الوعي غير الكافي لدى المواطنات والمواطنين بالرهانات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها بلادنا. ذلك أنه في ظل غياب فهم واضح للتحديات والفرص التي تنطوي عليها المشاركة، فإن الكثير من المواطنات والمواطنين لا يدركون القيمة المضافة التي يمكن أن تكون لمشاركتهم في هذا المسلسل التشاركي. كما ينظر إلى هذه الآليات التشاركية على أنها ذات طابع معقد، وهو ما يشكل أيضا عائقا أساسيا يحول دون تنزيلها الفعلي. إذ غالبا ما يشار إلى الصعوبة التي تكتنف كيفيات عمل هذه الآليات، وذلك بسبب قصور في إيجاد بيداغوجيا تواصلية ملائمة كفيلة بتقريبها من العموم 39 وشرح أهميتها وأثرها الملموس والمراحل الضرورية من أجل الانخراط فيها.
ومما يفاقم هذا الوضع، حسب المجلس، النقص الملحوظ في تحسيس وتكوين الفاعلين المعنيين، من قبيل المنتخبين وأعضاء الجمعيات، والسلطات الترابية. وسبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن أشار في رأيه حول “الحكامة الترابية رافعة للتنمية المنصفة والمستدامة”، إلى أن نجاح الآليات التشاركية ليس رهينا بالتنصيص القانوني عليها فقط، بل أيضا بمدى قدرة الفاعلين المعنيين على فهمها وتطبيق مبادئها. غير أنه أمام غياب تكوينات ملائمة في المجال، يجد هؤلاء الفاعلون صعوبة في النهوض بشكل فعال بهذه الآليات وتشجيع المواطنات والمواطنين على الإقبال عليها.
تعليقات
0