- أحمد بيضي
في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى العشرين لانطلاق “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، والتي تمتد فعالياتها بإقليم خنيفرة من 19 إلى 24 ماي 2025، تمت برمجة سلسلة من الأنشطة والمنتديات والندوات الموضوعاتية التي تسعى إلى إبراز مكتسبات المبادرة وتثمين التجارب الرائدة في مجال التنمية المجتمعية، حيث احتضن “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، في هذا السياق، صباح يوم الثلاثاء 20 ماي 2025، فعالية إنسانية وثقافية متميزة، خصصت لتسليط الضوء على جهود المبادرة الوطنية في دعم الأشخاص في وضعية إعاقة، وتعزيز إدماجهم في النسيج المجتمعي بشكل مستدام.
وعرف هذا الحدث حضور عامل إقليم خنيفرة، محمد عادل إهوران، مرفوقا بالكاتب العام للعمالة، وباشا المدينة الى جانب رئيسي المجلس الإقليمي ومجلس جماعة خنيفرة، وفعاليات من المجتمع المدني، في تجسيد واضح لتكامل المقاربات التنموية والانخراط المؤسساتي في خدمة قضايا الفئات الهشة، حيث تميزت هذه التظاهرة بتنظيم حفل فني ومعرض للإبداعات والمنتوجات اليدوية للمستفيدين من مختلف الجمعيات العاملة في المجال، منها أساسا “جمعية دار الأمان للإعاقة والتربية ما قبل المدرسية” و”جمعية تدبير مركز تأهيل وإدماج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة“، حيث تم الوقوف على نماذج تبرز دور المجتمع المدني في مرافقتها وتطوير كفاءاتها.
مواكبة الفئات الهشة
وبخصوص فقرات الحفل، فقد افتتحت بتلاوة آيات من القرآن الكريم بصوت مستفيدة، مرفقة بترجمة بلغة الإشارة قدمتها مستفيدة أيضا، في رسالة رمزية تعزز الحق في التواصل، كما صدحت جنبات القاعة بالنشيد الوطني المغربي، أداه أطفال “مركز تدبير”، دون أن يفوت رئيسة جمعية دار الأمان، ماجدة الهكاوي، التنويه بالدور الرائد للمبادرة الوطنية في تمكين الأشخاص في وضعية إعاقة، من خلال مشاريع تنموية تفتح أمامهم آفاقا جديدة وتحفظ لهم كرامتهم، مشيدة بالدعم المستمر الذي تقدمه المبادرة للمراكز والجمعيات المعنية، ضمن برنامج “مواكبة الأشخاص في وضعية إعاقة” الذي يندرج في المرحلة الثالثة من المبادرة.
ومن جهتها، شددت المندوبة الإقليمية للتعاون الوطني، سعاد الزاهية، على أهمية ما تسعى إليه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خدمات لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة والفئات الهشة، فيما أبرزت الجهود المؤسساتية والمجتمعية لتوسيع نطاق الرعاية والحماية الاجتماعية، مشيرة إلى الدور الفاعل الذي تلعبه مؤسسة التعاون الوطني في التنمية البشرية، من خلال الخدمات المتنوعة التي تقدمها المؤسسات الاجتماعية التابعة لها، بشراكة مع النسيج الجمعوي، بغاية تعزيز الحكامة وتجويد الخدمات المقدمة للفئات الأكثر هشاشة، بما في ذلك المسنون، والنساء في وضعية صعبة، والأطفال المتخلى عنهم، والأشخاص بدون مأوى وغيرهم.
حفل توعوي ودعم بالمفاتيح
ولم يخل برنامج الحفل من لحظات فنية مؤثرة، حيث قدم أطفال “جمعية دار الأمان” لوحة تعبيرية بعنوان “خطوة تعادل ألف ميل”، اختزلت في حركاتها معاني التحدي والأمل والإصرار في مواجهة المستحيل والعقبات، كما أبدع مستفيدو “مركز تدبير” في عرض مسرحي درامي بعنوان “صرخة امرأة”، يحكي قصة أم تناضل من أجل طفلها (عمران) المصاب بالتوحد، العاشق للحياة والكرة والرسم، مع رسالة واضحة لما تقوم به المبادرة الوطنية تجاه هذه الفئة من الأطفال الذين يحتاجون مواكبة خاصة، وتنظيم ورشات توعوية ولقاءات تكوينية لفائدة أوليائهم بهدف تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية إدماج المعنيين بالأمر في الحياة العامة.
اختتم الحفل بمبادرة رمزية ذات دلالة قوية، تمثلت في تسليم مفاتيح ثلاث حافلات جديدة، تكلفتها الإجمالية 1.70 مليون درهم، اثنتان منهما خصصتا لجمعيتي “العنقاء للثقافة والتنمية الاجتماعية” و”سند لذوي التثلث الصبغي والشلل الدماغي”، لنقل الأشخاص ذوي الحركة المحدودة، فيما استفادت “الجمعية الخيرية الإسلامية موحى وحمو الزياني” من الحافلة الثالثة، لنقل ومواكبة الأشخاص بدون مأوى، وقد انضافت هذه الحافلات لثلاث سيارات إسعاف مجهزة تم تسليم مفاتيحها، قبل يوم واحد، لثلاث جماعات ترابية بكل من أم الربيع، الحمام وتيغسالين كلفتها الإجمالية 1.50 مليون درهم بهدف تحسين وتقريب الولوج إلى الخدمات الصحية لساكنة ونساء العالم القروي.
ندوة اجتماعية حول المبادرة
وعلى هامش هذا اليوم الحافل، نظمت “جمعية دار الأمان للإعاقة والتربية ما قبل المدرسية” ندوة فكرية واجتماعية تحت عنوان: “دور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مواكبة الأشخاص في وضعية إعاقة: واقع وآفاق”، افتتحتها رئيسة جمعية دار الأمان، ماجدة الهكاوي، بكلمة عبرت من خلالها عن سعادتها بحضور الفعاليات المختلفة التي تمثل القطاعات العمومية والجمعوية، موجهة شكرها الخاص لكل من ساهم في إنجاح هذا اللقاء، من مسؤولين ومشاركين وخبراء، مؤكدة على أهمية تظافر الجهود من أجل ضمان استمرارية المشاريع الهادفة إلى تمكين الأشخاص في وضعية إعاقة من حقوقهم المشروعة.
وفي مداخلة له، قدم ممثل قسم العمل الاجتماعي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، قاسم بني اخلف، عرضا مفصلا حول حصيلة عشرين سنة من العمل الجاد في مجال دعم الأشخاص في وضعية إعاقة، مركزا على مجموعة من المشاريع النوعية التي شملت بناء وتجهيز مراكز متخصصة، وتزويدها بحافلات ملائمة لنقل الأشخاص ذوي الحركة المحدودة، فضلا عن الدعم المالي واللوجستي الذي قدم للجمعيات العاملة في المجال، من خلال منح التسيير واقتناء المعدات التقنية والكراسي الكهربائية للأطفال المتمدرسين، ما ساهم في تحسين ظروف تمدرسهم وتقوية فرص إدماجهم.
من جانبها، تناولت المندوبة الإقليمية للتعاون الوطني، سعاد الزاهية، في مداخلتها مساهمة مؤسستها في تعزيز الجهود المبذولة، عبر شراكات استراتيجية مع المبادرة الوطنية، شملت تجهيز المراكز وتوفير الأجهزة التعويضية والسماعات الطبية والكراسي الكهربائية، بالإضافة إلى تشجيع المشاريع المدرة للدخل لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، وأبرزت أن التعاون الوطني يولي أهمية خاصة لبرنامج تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، من خلال تقديم خدمات النقل المدرسي التي تشمل الأجور الشهرية للسائقين والمرافقات، وكذا دعم البنزين طيلة 11 شهرا، في خطوة لتقليص العبء المادي والاجتماعي المترتب عن الإعاقة.
كما استعرض ممثل المديرية الإقليمية للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، جعفر إعلام، نتائج مجموعة من المشاريع التي تم تنفيذها، مشيرا إلى أنها أثمرت مكتسبات ملموسة تمثلت في التأهيل والدعم التربوي، والتدخلات الطبية وشبه الطبية، بالإضافة إلى تنظيم أنشطة الحياة المدرسية التي ساهمت في إدماج الأطفال داخل الوسط المدرسي، وأضاف أن 11 قاعة تم إحداثها لتأهيل الموارد البشرية، فضلا عن تجهيز 24 مؤسسة تعليمية بالولوجيات، ما ساهم في تحقيق نسبة تسجيل بلغت 100 بالمائة عبر منصة “مسار”، وختم مداخلته بتقديم مجموعة من التوصيات التي من شأنها دعم استمرارية هذا المسار.
وبدورها أبرزت ممثلة المندوبية الإقليمية للصحة والحماية الاجتماعية، مليكة العروصي، الدور المحوري الذي يضطلع به القطاع في مصاحبة الأشخاص في وضعية إعاقة، من خلال تنفيذ برامج صحية ووقائية وتوعوية، ترتكز على التدخل المبكر وتوسيع نطاق الرعاية، كما توقفت عند أهمية مبادرة إنشاء دور الأمومة التي ساهمت بها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، معتبرة إياها رافعة صحية واجتماعية تندرج ضمن مقاربة القرب، وركزت في مداخلتها على توفير الخدمات الطبية وشبه الطبية، ودعت إلى توسيع البرامج الوقائية الموجهة لهذه الفئة وتعزيز بنيات الاستقبال المخصصة لهم.
تحديات الإعاقة ومتطلبات الإدماج
أما الباحث السوسيولوجي د. حوسى أزارو، فقد قدم مداخلة ذات طابع فكري واجتماعي، أكد فيها أن مواكبة الأشخاص في وضعية إعاقة عبر المبادرة الوطنية هو عمل نبيل ودقيق يتطلب وعيا عميقا بتحديات الإعاقة الجسدية والنفسية والعقلية، وشدد على أهمية تحويل الجمعيات من كيانات ذات طابع بيداغوجي صرف إلى مقاولات اجتماعية تسهم في تنمية المجتمع، مبرزا ضرورة الانتقال من منطق العمل الإحساني إلى منطق التنمية، حيث تصبح الإعاقة شأنا مجتمعيا بامتياز، وتتحول من عبء فردي أو عائلي إلى قضية تستدعي تفاعلا جماعيا يفضي إلى الإدماج الفعلي والمشاركة الكاملة في الحياة العامة.
من جهته، قدم الباحث الجامعي، د. محمد أمحدوك، مداخلة معمقة حول ضرورة الانتقال من منطق الرعاية إلى منطق التمكين، داعيا إلى تعزيز الإدماج السوسيو-اقتصادي للأشخاص في وضعية إعاقة عبر مقاربة شمولية تزاوج بين التأهيل المهني ودعم المشاريع المدرة للدخل، وأشار إلى أهمية تجهيز مراكز التوجيه بالأدوات التقنية اللازمة، وتفعيل الشراكات مع مختلف المتدخلين، واستغلال التكنولوجيا كوسيلة لفتح آفاق جديدة لهذه الفئة، كما شدد على وجوب الاستفادة من الحماية القانونية وتقوية قدرات الجمعيات العاملة في الميدان، مع توسيع برامج التكوين المهني والدمج الاقتصادي.
أما الأخصائي والمعالج النفسي، بدر الحواز، فقد استهل مداخلته بالتعريف بمضامين المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وانتقل إلى شرح مفهوم الإعاقة، حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية، مستعرضا الإطار القانوني المنظم لهذه الفئة بالمغرب، كما تطرق إلى الأدوار المتعددة التي يضطلع بها الأخصائي النفسي داخل مشاريع المواكبة التي توليها المبادرة أهمية متزايدة، مؤكدا على ضرورة العمل مع الأسر إلى جانب المستفيدين، بهدف تحقيق توازن نفسي واجتماعي فعال، وقد خلصت الندوة إلى التأكيد على ضرورة تفعيل آليات أكثر نجاعة لضمان الإنصاف الاجتماعي والانتقال من منطق الدعم الظرفي إلى منطق التمكين المستمر والكرامة الإنسانية.
تعليقات
0