ندوة اجتماعية بخنيفرة تناقش في أشغالها وورشاتها وتوصياتها قضايا الإعاقة ضمن برامج المبادرة الوطنية

أحمد بيضي الأربعاء 21 مايو 2025 - 18:03 l عدد الزيارات : 22751

أحمد بيضي

في سياق الاحتفالات المخلدة للذكرى العشرين لانطلاق “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، والتي تمتد فعالياتها بإقليم خنيفرة من 19 إلى 24 ماي 2025، تمت برمجة سلسلة من الأنشطة والندوات الموضوعاتية التي تسعى إلى إبراز مكتسبات المبادرة وتثمين التجارب الرائدة في مجال التنمية المجتمعية، حيث احتضن “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، في هذا الإطار، بعد زوال يوم الثلاثاء 20 ماي 2025، ندوة اجتماعية تمحورت أشغالها حول سبل تعزيز الإدماج الفعلي للأشخاص في وضعية إعاقة، توصل المشاركون فيها إلى مجموعة من التوصيات.

وشددت التوصيات على أهمية تطوير مراكز متخصصة مجهزة بأحدث المعدات، من أجل ضمان تعليم دامج وفعال يراعي خصوصيات كل فئة ويمهد لإدماجهم اجتماعيا ومهنيا، فيما تمت الدعوة إلى تقوية قدرات الفاعلين عبر تمويل مشاريعهم وتكوين مواردهم البشرية، وفي الإطار نفسه، برزت توصية محورية تتعلق بتوسيع برامج التكوين المهني والدعم الاقتصادي لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، بما يضمن لهم فرص الولوج إلى سوق الشغل وتقليص نسب البطالة، وذلك عبر دعم أنشطة مدرة للدخل وتشجيع التشغيل الذاتي والمبادرات الاقتصادية الصغرى.

وحرصت التوصيات على الدعوة لضرورة تعزيز التوعية المجتمعية وتغيير الصور النمطية السائدة تجاه الفئة المعنية، من خلال حملات متواصلة تسهم في بناء وعي مجتمعي أكثر انفتاحا وتضامنا، فيما تم التنويه بأهمية التنسيق بين مختلف المتدخلين، باعتماد مقاربة تشاركية تجمع بين المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والقطاعات الوزارية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، لتوحيد الجهود وتبادل الموارد وضمان نجاعة التدخلات، بينما لم تغفل التوصيات الدعوة إلى تسريع وتيرة صرف التمويلات وتحسين الدعم المالي المخصص للمشاريع.

كما شددت التوصيات على ضرورة توفير دعم نفسي واجتماعي مستمر للأطفال في وضعية إعاقة وأسرهم، كما تمت الإشارة إلى ضرورة تطوير برامج تكوين مهني متخصصة تتلاءم مع قدراتهم، وتوسيع قاعدة المستفيدين لتحقيق عدالة مجالية تضمن استفادة ساكنة العالم القروي من هذه البرامج، كما خلصت توصيات الندوة إلى ضرورة تجاوز منطق الحملات الطبية الظرفية نحو إرساء آليات تواصل دائم، مع بناء قاعات للموارد وتجهيزها وتأهيل الفضاءات المدرسية والمرافق العمومية لضمان ولوج الجميع إليها بدون تمييز.

وقد نظمت الندوة من طرف “جمعية دار الأمان للإعاقة والتربية ما قبل المدرسية” حول موضوع “دور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مواكبة الأشخاص في وضعية إعاقة: واقع وآفاق”، وشكلت هذه المحطة مناسبة لتبادل الرؤى والخبرات بين ممثلي مختلف القطاعات العمومية والجمعوية، واستهلت اللقاء رئيسة الجمعية، ماجدة الهكاوي، بكلمة عبرت فيها عن امتنانها لحضور المشاركين والداعمين، مشيدة بتظافر الجهود لإنجاح هذه المبادرة، ومؤكدة على ضرورة الاستمرار في دعم المشاريع التي تعزز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة.

وخلال اللقاء، قدم قاسم بني اخلف، ممثل قسم العمل الاجتماعي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، عرضا شاملا استعرض فيه منجزات المبادرة خلال عقدين من الزمن، مشيرا إلى مجموعة من المشاريع النوعية التي شملت بناء وتجهيز مراكز متخصصة، وتوفير حافلات مهيأة لنقل ذوي الإعاقة الحركية، إضافة إلى دعم مالي ولوجستي مهم لفائدة جمعيات المجتمع المدني من خلال منح تسيير واقتناء معدات تقنية وكراسٍ كهربائية، وهو ما انعكس إيجابا على تمدرس الأطفال وتعزيز إدماجهم داخل المجتمع.

من جهتها، استعرضت سعاد الزاهية، المندوبة الإقليمية للتعاون الوطني، مساهمة مؤسستها في تعزيز هذه المجهودات، مشيرة إلى أهمية الشراكات مع المبادرة الوطنية، خاصة في ما يتعلق بتجهيز المراكز بالأدوات التعويضية والسماعات والكراسي، إلى جانب دعم مشاريع مدرة للدخل لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، كما ركزت على برنامج دعم تمدرس هذه الفئة، من خلال توفير خدمات النقل المدرسي وتأمين الأجور الشهرية للسائقين والمرافقات، فضلا عن دعم المحروقات لمدة 11 شهرا، في خطوة لتقليص الأعباء المادية والاجتماعية التي تواجه الأسر.

أما ممثل المديرية الإقليمية للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، جعفر إعلام، فقد قدم عرضا تناول فيه حصيلة مجموعة من المشاريع الموجهة للأشخاص في وضعية إعاقة، أبرزها عمليات التأهيل والدعم التربوي والتدخلات الطبية وشبه الطبية، إلى جانب أنشطة الحياة المدرسية التي ساهمت في إدماج الأطفال داخل محيطهم التربوي، ولفت إلى إحداث 11 قاعة لتأهيل الموارد البشرية، وتجهيز 24 مؤسسة تعليمية بالولوجيات، ما أسفر عن بلوغ نسبة تسجيل كاملة على منصة “مسار”.

كما لم يفت ممثلة المندوبية الإقليمية للصحة والحماية الاجتماعية، مليكة العروصي، تسليط ما يكفي من الضوء على الدور المحوري الذي يضطلع به القطاع الصحي في هذا المجال، من خلال تنفيذ برامج وقائية وتوعوية قائمة على التدخل المبكر وتوسيع نطاق الرعاية. وأشارت إلى أهمية مبادرة إنشاء دور الأمومة باعتبارها رافعة صحية واجتماعية تندرج ضمن منطق القرب، مبرزة الحاجة إلى تعزيز الخدمات الطبية وشبه الطبية، وتوسيع نطاق البرامج الوقائية الموجهة لهذه الفئة مع دعم بنيات الاستقبال الملائمة.

وفي مداخلة ذات بعد سوسيولوجي، أكد الباحث حوسى أزارو أن مواكبة الأشخاص في وضعية إعاقة عبر برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يعد عملا نبيلا يتطلب وعيا عميقا بأبعاد الإعاقة المختلفة، داعيا إلى تحويل الجمعيات من كيانات ذات طابع بيداغوجي محدود إلى مقاولات اجتماعية قادرة على إحداث تحول نوعي في المجتمع، واعتبر أن تجاوز منطق الإحسان نحو منطق التنمية من شأنه أن يحول قضية الإعاقة من عبء فردي إلى مسؤولية مجتمعية مشتركة، تستوجب مشاركة جماعية تفضي إلى إدماج فعلي وحقيقي.

وفي السياق ذاته، تناول الباحث محمد أمحدوك، مسألة الانتقال من منطق الرعاية إلى منطق التمكين، مبرزا أهمية الإدماج السوسيو-اقتصادي للأشخاص في وضعية إعاقة، ودعا إلى اعتماد مقاربة شمولية تدمج بين التأهيل المهني ودعم المشاريع المدرة للدخل، مشيرا إلى ضرورة تجهيز مراكز التوجيه بالتقنيات الملائمة وتفعيل الشراكات مع مختلف الفاعلين، مع توظيف التكنولوجيا كرافعة لفتح آفاق جديدة أمام هذه الفئة، كما شدد على أهمية الحماية القانونية وتقوية قدرات الجمعيات، وتوسيع برامج التكوين المهني والدمج الاقتصادي.

من جهته، تطرق الأخصائي والمعالج النفسي، بدر الحواز، إلى التعريف بمضامين المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في ارتباطها بمواكبة الأشخاص في وضعية إعاقة، مستعرضا التصنيف المعتمد من طرف منظمة الصحة العالمية وكذا الإطار القانوني المنظم لهذه الفئة بالمغرب، ووقف عند الأدوار المتعددة التي يلعبها الأخصائي النفسي، خاصة داخل مشاريع المواكبة التي أصبحت تحظى بأهمية متزايدة، مشدداً على ضرورة العمل مع الأسر إلى جانب المستفيدين بهدف إرساء توازن نفسي واجتماعي يضمن فعالية التدخلات.

وعلى هامش أشغال الندوة، تم تنظيم ثلاث ورشات موضوعاتية شكلت امتدادا للنقاش العام، حيث تناولت الأولى دور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في دعم ومواكبة الأشخاص في وضعية إعاقة القاطنين بمراكز توجد في وضعية كراء، وخصصت الورشة الثانية لمناقشة سبل تعزيز دور المبادرة في دعم قاعات الموارد الخاصة بالتأهيل والدعم داخل المؤسسات التعليمية العمومية، أما الورشة الثالثة، فقد ركزت على آليات مواكبة ودعم المراكز التي تم بناؤها من طرف المبادرة وتدبر من قبل جمعيات.

ويشار إلى أن الندوة قد افتتحت بحفل حضره عامل إقليم خنيفرة، مرفوقا بوفد من ممثلي السلطة الاقليمية والمحلية والمنتخبين، وفعاليات من المجتمع المدني، حيث تميز هذا الحفل بفقرات فنية ومسرحية، وبمعرض للإبداعات والمنتوجات اليدوية للمستفيدين من مختلف الجمعيات العاملة في المجال، منها أساسا “جمعية دار الأمان للإعاقة والتربية ما قبل المدرسية” و”جمعية تدبير مركز تأهيل وإدماج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة“، حيث تم الوقوف على نماذج تبرز دور المجتمع المدني في مرافقتها وتطوير كفاءاتها.

ورفع الستار عن الحفل بكلمات افتتاحية لرئيسة جمعية دار الأمان، ومندوبة التعاون الوطني، دون أن يخلو برنامج الحفل من فقرات طفولية وشبابية، وعرض لوحة تعبيرية بعنوان “خطوة تعادل ألف ميل”، وعرض مسرحي بعنوان “صرخة امرأة”، ليختتم بتسليم مفاتيح ثلاث حافلات، اثنتان منهما لجمعيتي “العنقاء للثقافة والتنمية الاجتماعية” و”سند لذوي الثلث الصبغي والشلل الدماغي”، بغاية نقل الأشخاص ذوي الحركة المحدودة، فيما استفادت “الجمعية الخيرية الإسلامية موحى وحمو الزياني” من الحافلة الثالثة، لنقل ومواكبة الأشخاص بدون مأوى.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الخميس 22 مايو 2025 - 00:32

رقم قياسي جديد: عدد زوار فضاء الأبواب المفتوحة للأمن الوطني يناهز مليونين و400 ألف زائر

الأربعاء 21 مايو 2025 - 23:31

سعيد بعزيز: “انطلقنا في ملتمس رقابة شعبية على الحكومة ونريد مغاربة المونديال وليس حكومته”

الأربعاء 21 مايو 2025 - 20:42

“الأسد الأفريقي 2025”.. إقامة مستشفى عسكري طبي جراحي ميداني بتزنيت

الأربعاء 21 مايو 2025 - 20:39

تنصيب هشام بلاوي وكيلا عاما للملك لدى محكمة النقض

error: