أحمد العاقد
فرق شاسع بين أحزاب وتعبيرات سياسية تولدت عن ضرورة تاريخية فرضتها التحولات المتوالية للمجتمع وأملتها إرادة الشعب المغربي، وبين هيئات وحركات سياسية أفرزتها صدف السياقات الزمنية لتجعلها عناصر لتقبل المفاجآت والتكيف معها للرجوع إلى المسار العادي للتاريخ.
نعم الفرق بين السماء والأرض هو الفرق بين الضرورة التاريخية والصدفة الزمنية، بين أحزاب تمتلك، في كل وقت وحين، فعل المبادرة التاريخية التي تستجيب لمتطلبات الظرفية السياسية لما فيه خير الأمة والوطن، وبين أحزاب حربائية تتكيف مع الظروف الخاصة لأمزجة أمنائها العامين ونرجسياتهم القاتلة.
إن التاريخ أصيل لا يقبل التزوير ولا ادعاء الأوهام الفجة التي تصنع البطولات الوهمية. فالتاريخ يشهد أن المبادرات الصادقة منبعها الحركة الوطنية التي تقدمها دوما، ويتقدمها إلى الأبد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ترافعا عن سمو الوطن وعن قضايا المغرب والمغاربة. ومن بين المبادرات الرائدة التي أقدم عليها الاتحاد الاشتراكي في مساره البرلماني التاريخي ملتمس الرقابة، بوصفه آلية رقابية للعمل المؤسساتي الذي أقره التقرير الإيديولوجي في المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 (طبعا في زمن لم يكن فيه مكان لقتلة المناضل الاتحادي بن جلون الذي ما زال دمه طريا بين أيدي المرضى بالأحقاد والضغينة).
يشهد التاريخ، لمن لا تاريخ له أو أصيب بمرض نسيان الوقائع التاريخية، أنالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان وظل في طليعة القوى الوطنية الصادقة، لا الحربائية، للدفع بالمعارضة إلى التقدم بملتمس الرقابة في مناسبتين: الأولى سنة 1964، والثانية سنة 1990. وفي كلتا المناسبتين، كان وعي المعارضة بواقعية عدم التصويت عليهما بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، وهو النصاب الدستوري الموجب لترتيب جزاء تقديم الحكومة لاستقالتها استقالة جماعية.
إنه الوعي نفسه الذي تملك الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وهو يبادر إلى التقدم بملتمس الرقابة الذي يكفله الدستور، لأن قناعته كامنة في الأثر الذي يحدثه في نفوس المغاربة بشأن السياسات العمومية للحكومة، وليس في إسقاط الحكومة.
إن ملتمس الرقابة، بهذا المعنى الصادق، حق محفوظ للأحزاب التاريخية الوطنية المبادرة إلى تطوير الممارسة الديمقراطية والحياة البرلمانية، وعلى رأسها حزب القوات الشعبية الذي لا يتوانى في الدفاع عن التوازن المؤسساتي والتعددية السياسية.
الاتحاد الاشتراكي يعبر عن مواقفه بالوضوح اللازم، ولا يركن إلى العواطف الجياشة للأسف والاستغراب وادعاء الوساطة، كما فعل مكون سياسي يتحدث عن الأخلاق، وما زال يجتر وراءه سخط القائمين على زمام الأمور.
من مكونات المعارضة من تحدث عن المفاجأة، وهو يجتر المفاوضة والتنسيق بين أطرافها لما يفوق السنة والنصف، ويعبر عن نزوات أمين عام لحزبيضطهد رئيس فريقه النيابي في عقر داره، على اعتبار أنه الأمين العام الوحيد الموجود ضمن نواب المعارضة.
من مكونات المعارضة من يعبث بمواقفه تحت تأثير السقوط المدوي والانشداد القوي لتحطم طائرة التنظيم الحزبي والدعوي سنة 2016، مع تحميل المسؤولية كاملة للبلوكاج، وليس للساحر البهلواني العظيم الذي يتلذذ بالخراب عليه وعلى أهله.
الحقوق محفوظة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المبادرات الثلاث لملتمس الرقابة، والعيب في من لا ذاكرة له. والشفاء لمن توقفت مدلكته عن تدليكه، وتوجه لزعيم اتحادي يهاجمه، وهو يعظمه من حيث لا يحتسب بوصفه قوي المراس والتفاوض.
الشفاء للصبي الذي يعود إلى شيخه المنعم في تقاعده، ويردد أسطوانة البيع والشراء دون احتشام. فقد باع واشترى حين تقلد مسؤولية الميزانية، وحين حرر الأسعار، ورفع من الجبايات المفروضة على المغاربة، واقتطع من رواتب الموظفين … شيخ الصبي الذي دعا النساء إلى لوزم بيوتهن لأنهن “ثريات”، وتجرأ وخصمه الوفي، وزيره في العدل، على إفشاء أسرار مداولات ونشر الغسيل الداخلي على الملأ بسلوكات نشاز ليست من شيم وأخلاق رجال الدولة. الشيخ الذي يعاني من آلام قديمة لن تشفى لأنها ارتبطت بعقدة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، منذ زمن “الشبيبة الاتحادية” التي خرج منها بنفسية مضطربة.
الأساسي من كل هذا أن المبادرة حققت أهدافها بتحريك مياه السياسة الراكدة، وأن التشويش مهما تكاثر لن يستطيع حجب المواقف الواضحة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولا وقف مبادراته الرامية إلى استثمار كل الاحتياطي الإصلاحي الذي نص عليه الدستور من أجل مؤسسات قويةمتوازنة وممارسات سياسية تليق بمغرب الصمود والتحديات.
تعليقات
0