تذكير لا بدّ منه.. لقزميٍ فقد الذاكرة والحياء السياسي..

أنوار بريس الجمعة 23 مايو 2025 - 15:07 l عدد الزيارات : 17088

حمزة إبراهيمي

مرة أخرى، يكشف حزب العدالة والتنمية عن وجهه الحقيقي: حزب مأزوم، يتخبط في تناقضاته، ويستمر في ممارسة سياسة الهروب إلى الأمام عبر إطلاق اتهامات عبثية في حق خصومه السياسيين، وكأن ذاكرة المغاربة قصيرة إلى هذا الحد.

حزب العدالة والتنمية بين التناقضات السياسية والتخبط الخطابي

في الوقت الذي ينتظر فيه الشارع المغربي من الفاعلين السياسيين تقديم بدائل واقعية تعكس معاناة المواطنين، يخرج النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إدريس الأزمي، ليشن هجوماً غير مبرر على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عقب انسحاب فريقه النيابي بمجلس النواب من التنسيق حول ملتمس الرقابة الذي كانت تعده المعارضة لإسقاط الحكومة الحالية. و لهذا نقول، أن ما صرح به إدريس الأزمي ليس فقط سقوطاً أخلاقياً، بل هو تجنٍّ فجّ يعكس إفلاساً سياسياً وعجزاً عن مجاراة الواقع.

ما يثير الانتباه في تصريحات الأزمي ليس فقط حدتها، بل طابعها الاتهامي الذي يصل حد التشكيك في نوايا خصومه السياسيين بطريقة تفتقد إلى المسؤولية السياسية والنضج الديمقراطي. فإذا كان حزب العدالة والتنمية، بقيادة عبد الإله بن كيران، يدعي بهتانا “بيع وشراء” في مبادرة ملتمس الرقابة، فربما عليه أولاً مراجعة سجله في تدبير الشأن العام خلال ولايتين حكوميتين تميزتا بتراجعات كبرى على مستوى العدالة الاجتماعية، والتعليم، والصحة، و التشغيل و السكن، وتمرير قرارات لا شعبية أثقلت كاهل المواطن البسيط. الحزب الذي كان يرفع شعار “محاربة الفساد” وجد نفسه في مآزق أخلاقية وسياسية كبيرة، ليس أقلها فقدان ثقة شرائح واسعة من المواطنين.

ولأن الذكرى تنفع الغافلين – أو هكذا يُفترض – فإن حزب العدالة والتنمية بحاجة إلى من يُذّكره بكوارثه التي خلّفها في هذا الوطن، قبل أن ينصب نفسه وصياً على المبادرات الوطنية ويكيل الاتهامات لحزب الاتحاد الاشتراكي وغيره. أليس هذا الحزب هو من قاد حكومة رفعت الدعم عن المواد الأساسية، وفتحت الباب أمام الغلاء الفاحش دون أن ترف له عين؟ أليس هو من جمّد الأجور لسنوات، وضرب الوظيفة العمومية في العمق، ومرّر إصلاحات تقشفية كُتبَت تحت إملاءات المؤسسات الدولية دون أدنى نقاش مجتمعي؟

أليس بن كيران هو من خرج يوماً ليقول للمغاربة “عليكم بالصبر لأن الجنة تنتظركم”، بينما هو يتقاضى معاشاً سميناً لا يستحقه؟ أليست هذه الوقاحة السياسية بعينها؟ أين كنتم حين انتفضت الشوارع ضد قراراتكم؟ أين كنتم حين انهار التعليم والصحة في عهدكم؟ بل أين كنتم حين كانت تُقبر الكرامة يوماً بعد يوم باسم “الاستقرار”؟

اتهام حزب الاتحاد الاشتراكي في تقويض ملتمس الرقابة، هو محاولة يائسة و بائسة من حزب العدالة والتنمية لتبرير فشله في لعب دور حقيقي في المعارضة، بعد أن لفظه الشارع المغربي عقب سنوات من الشعارات الكاذبة، والقرارات اللاشعبية، والتضحية بالطبقة المتوسطة والضعفاء تحت غطاء “الإصلاح”. أي شرعية بقيت لكم السي الازمي لتشككوا في نوايا حزب قدّم الشهداء، وصنع التاريخ، وساهم في بناء دولة المؤسسات، بينما أنتم مجرد وافدين متأخرين على السياسة، استغلوا لحظة غضب شعبي ثم انتهى مفعولكم حين افتضح عجزكم وتواطؤكم؟

و إذا كان الاتحاد الاشتراكي قد انسحب من تنسيق ملتمس الرقابة، فلأنه أدرك أن التنسيق معكم لم يعد مجدياً، لأنكم فقدتم البوصلة و تريدون السطو على الملتمس لمآربكم الشخصية، ولم تعد لكم مصداقية حتى داخل المعارضة نفسها. والأخطر من ذلك: أن حزبكم لم يستوعب بعد أن زمن دغدغة المشاعر قد ولى، وأن السياسة هي فعل، لا صراخ فارغ.. فحذار من قلب الحقائق. أنتم من خذل الشعب، وتآمر على أحلامه ابان الحراك الشعبي 20 فبراير، و وليكم السي بنكيران هو من وقع رسالته الشهيرة لإدريس البصري “بخادمكم المطيع”.. فأنتم من حكمتم ولم تحكموا، وادّعيتم الصلاح ولم تصلحوا شيئاً. والتاريخ لن يرحم حزباً احترف المظلومية وتفنن في التخلي عن المبادئ عند أول كرسي في السلطة.

و في المقابل ذلك، فإن مبادرة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لقيادة تحرك سياسي رقابي ضد الحكومة تعكس حيوية ديمقراطية مطلوبة، وتعيد إلى المعارضة بعضاً من دورها الطبيعي في تأطير النقاش العمومي، وتقديم بدائل حقيقية. هذا الحزب، الذي كان ولا يزال جزءاً من تاريخ المغرب الحديث، لعب أدواراً محورية في محطات مصيرية من تاريخ البلاد، بدءاً من مقاومة الاستبداد السياسي، مروراً بالمشاركة في الانتقال الديمقراطي، وصولاً إلى تأطير نخب فكرية وثقافية ظلت حاضرة بقوة في المشهد الوطني.

لقد آن الأوان للعدالة والتنمية أن يدرك أن العمل السياسي لا يقوم على المزايدات الخطابية أو الاتهامات المجانية، بل على احترام الفعل الديمقراطي والمؤسساتي، والتواضع أمام نضال الأحزاب الوطنية التي قدمت الكثير لهذا الوطن. أما الاتحاد الاشتراكي، لا يزال يحتفظ بمكانته كصوت نزيه في الدفاع عن القضايا الجوهرية، وكمؤسسة سياسية تُجيد التموقع بوعي ومسؤولية داخل المشهد الوطني.

الفرق بين يريد الاستيلاء على حكومة المونديال و من يريد بناء شعب المونديال

في وقت يصرح فيه عبد الإله بن كيران برغبته في ترأس “حكومة المونديال” بهدف قطف المكاسب السياسية الضيقة، نرى أن هذا النهج يعكس استمراراً في استغلال حدث دولي كبير لخدمة المصالح الشخصية والحزبية، بعيداً عن مصلحة الوطن والشعب.

لا يمكن لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ان يقبل هذه الرؤية الأنانية التي تحصر الفائدة في مناصب وألقاب، وتغفل الأهمية الحقيقية لمشروع استضافة المغرب لكأس العالم 2030، الذي يجب أن يكون فرصة لتطوير البنية التحتية، وتمكين الشعب، وبناء قدراته الحقيقية على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وهو النبع الخالص و اليقين الذي أسس لتصريحات الاستاذ إدريس لشكر الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الأخيرة ” نريد بناء شعب المونديال .. حكومة المونديال” .. تصريح يعكس رؤية ناضجة ومسؤولة، تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وتدعو إلى بناء “شعب المونديال” القادر على تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تعود بالنفع على الجميع، لا على فئة محدودة.

الاتحاد الاشتراكي، مهما اختلف معه البعض، يبقى حزبا عريقاً، له جذور عميقة في التربة الوطنية، وكان دائماً في الصفوف الأمامية للنضال الديمقراطي والاجتماعي، في زمن كان فيه البعض يصفق للاستبداد أو يلوذ بالصمت. ملتمس الرقابة الذي قاده الحزب ليس لعبة سياسوية كما توهمتم، بل هو فعل سياسي راقٍ يعكس شعوراً بالمسؤولية أمام حكومة هجينة فاشلة، تُمعن في تفكيك الدولة الاجتماعية وتكريس الريع والفوارق الطبقية.

فلتتوقفوا عن توزيع صكوك الوطنية، ولتراجعوا تاريخكم القصير الحافل بالانكسارات والنفاق السياسي. أما الاتحاد الاشتراكي، فلا يزال رقماً صعباً في معادلة الوطن، وسيبقى كذلك، مهما كره الحاقدون.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الجمعة 23 مايو 2025 - 20:13

وضعية التحملات ومداخيل الخزينة تكشف عن عجز في الميزانية بقيمة 17,5 ملايير درهم

الجمعة 23 مايو 2025 - 20:11

المغرب يحتضن النسخة الأولى من المعرض الدولي للموانئ ونظامها البيئي – SIPORTS 

الجمعة 23 مايو 2025 - 20:09

المفتش العام للمالية يؤكد بسلا على ضرورة إرساء حكامة معززة بالذكاء الاصطناعي في التدقيق الداخلي العمومي

الجمعة 23 مايو 2025 - 19:46

انقطاع مؤقت لحركة السير بين عين داليا ومدينة محمد السادس بطنجة…

error: