Ad Image

الاتحاد العام للشبيبة الاشتراكية الديمقراطية العربية: رهان التجديد ومسؤولية التاريخ

أنوار بريس السبت 31 مايو 2025 - 06:17 l عدد الزيارات : 20335

جاء انتخاب الأخ رمزي حبوب رئيساً للأمانة العامة للاتحاد العام للشبيبة الاشتراكية الديمقراطية العربية، وتزكية الأخت سميحة لعصب أمينة عامة للشبيبة الاتحادية إلى جانب الأخ أمين فائق نائبا لها، في سياق إقليمي متقلب تُطوقه الهجمات المتكررة على القيم التقدمية والخيارات الديمقراطية.

وما هذا الانتخاب إلا لحظة تأكيد جديدة على ضرورة تجديد الفعل الشبابي في الوطن العربي، وفق رؤية نضالية موحدة، تستند إلى المشترك التاريخي لنضالات شعوبنا، وإلى الوعي الراسخ بأن مستقبل الديمقراطية الاجتماعية في المنطقة لن يمر دون جسر شبابي متجذر في الانتماء، ومتشبع بالحداثة، ومؤمن بوحدة المصير.

إن المهام المطروحة على الأمانة العامة المنتخبة تتجاوز بكثير الحدود التنظيمية أو الترتيبات الإدارية، ذلك أن اللحظة التاريخية التي تمر بها منطقتنا، والتي تتسم بعودة الاستبداد بأقنعة جديدة، وبصعود نعرات الطائفية والانغلاق الهوياتي، وبسيطرة الرأسمال الريعي على مفاصل القرار، تفرض على الشبيبة التقدمية العربية مهمة مزدوجة: أولاً، إعادة بناء الأمل في الفعل السياسي المنظم باعتباره وسيلة للتغيير لا مجرد وسيلة للتموقع، وثانياً، إعادة الاعتبار للهوية الاشتراكية الديمقراطية كإطار لتحرير الإنسان من كل أشكال الاستلاب الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
في ظل هذه الشروط، تصبح الأمانة العامة الجديدة مدعوة إلى بلورة خطة عمل ترتكز على ثلاثة أبعاد متكاملة. أولها، البعد الفكري-الإيديولوجي، حيث يتعين فتح ورشات للتفكير الجماعي حول الرهانات الجديدة التي يطرحها التحول النيوليبرالي العنيف الذي تعرفه أغلب الأنظمة العربية، وما يستلزمه من تجديد العدة النظرية للاشتراكية الديمقراطية، وربطها بحاجات الأجيال الجديدة. وثانيها، البعد التنظيمي، عبر إعادة ربط أوصال الاتحاد العام بمنظماته العضوية المختلفة، وخلق دينامية تشاركية تؤسس لوحدة العمل في إطار التنوع الثقافي والجغرافي للفضاء العربي. وثالثها، البعد النضالي، عبر الانخراط القوي في المعارك الميدانية للشباب العربي من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ودعم نضالات الطلبة والمعطلين والنساء والشغيلة، وكل الحركات الاجتماعية المناضلة ضد الظلم والقهر.

إن الاتحاد، كإطار وحدوي، لا يمكن أن ينجح في مهامه ما لم يُبنَ على قناعة صلبة بأن التغيير لا يُستورد، بل يُصنع في التراكمات اليومية، وفي التفاصيل الصغيرة لحياة الشعوب. ولهذا، فإن استشراف العمل المستقبلي لا يجب أن يتوقف عند عقد المؤتمرات أو إصدار البلاغات، بل عليه أن يلامس المعيش السياسي والاجتماعي والثقافي، ويخوض في تفاصيل المعارك الحقيقية التي يعيشها الشباب العربي اليوم: أزمة البطالة وانسداد الأفق، الردة السياسية، تردي الخدمات العمومية، ضرب المدرسة العمومية، عسكرة الفضاءات العامة، وسلعية الثقافة.

المطلوب اليوم من القيادة الجديدة أن تُحوِّل الاتحاد إلى مختبر حقيقي لإعادة بناء الثقة في المشروع الاشتراكي الديمقراطي عربيا، وأن تجعله قوة اقتراحية واحتجاجية في آن، لا تخشى مواجهة السلطويات القائمة، ولا تتورط في التحالفات الانتهازية. كما أن واجبها النضالي يفرض عليها أن تُعلي من منطق التضامن بين الشباب العربي، لا فقط في المناسبات الرسمية، بل في كل محطة نضالية تُكسر فيها أقلام الصحفيين، وتُكمم فيها أفواه المدونين، وتُهان فيها كرامة العاملات في الحقول والمصانع.

إن التحدي الأكبر الذي ينتظر الأمانة العامة الجديدة هو قدرتها على الربط بين الأفق الإقليمي والتحولات المحلية، وأن تبني على التراكم النضالي لجيل الرواد دون أن تقع في أسر نوستالجيا الماضي. فالجيل الجديد من مناضلات ومناضلي الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية لا يطلب قيادة رمزية، بل قيادة ميدانية، تحمل مشروعاً وتفتح أفقاً، تؤمن بالانخراط في قضايا الشباب لا بالحديث عنهم، وتشتغل بالمستقبل لا على أنقاضه.
من هنا، فإن الاستشراف الحقيقي لا يمكن أن يقوم إلا على التزام سياسي وفكري عميق بقضية التغيير الديمقراطي الجذري، وبضرورة إعادة بناء السياسة على قاعدة المصلحة العامة، لا خدمة للوبيات المال أو لعصب الفساد. وهذا ما يتطلب خطاباً جديداً في الشكل والمضمون، يقطع مع اللغة الخشبية والتراتبية النخبوية، ويخاطب وجدان الشباب من موقع الفعل لا التنظير.

ولعل من أكبر الرهانات المطروحة اليوم على الاتحاد العام للشبيبة الاشتراكية الديمقراطية العربية هو قدرته على تحويل شبكاته إلى أدوات ضغط سياسي حقيقية، تُزعج المستبدين وتربك الفاسدين، وتُقيم جسور التنسيق مع حركات التغيير الجذرية في المنطقة، ضمن رؤية وحدوية واضحة، تضع في صلبها القضية الفلسطينية كقضية تحرر وكرامة، لا كمجرد شعار استهلاكي.

بهذا المعنى، فإن انتخاب الأخ رمزي حبوب، والأخت سميحة لعصب، والأخ أمين فائق، يشكل مناسبة لإعادة بناء ثقة الشباب التقدمي العربي في ذاته أولاً، وفي قدرته على صياغة مشروع مشترك يعيد للسياسة معناها، وللأحزاب دورها، وللنضال طعمه. إنها فرصة لاستعادة المبادرة من موقع الانتماء الواعي لا الاصطفاف الفولكلوري، ومن موقع المسؤولية التاريخية لا مجاملة اللحظة. والمستقبل لمن يجرؤ على التغيير، لا لمن يخافه أو يهابه.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 1 يونيو 2025 - 15:24

نائب ألماني: المغرب نموذج للحداثة والتسامح

الأحد 1 يونيو 2025 - 15:16

ايذي يترأس أشغال المؤتمر الاقليمي للفيدرالية الديمقراطية للشغل بطنجة

الأحد 1 يونيو 2025 - 14:54

غوغل تفعل ميزة التلخيص التلقائي لرسائل البريد الإلكتروني

الأحد 1 يونيو 2025 - 14:49

الداخلية السعودية: أمن الحجيج خط أحمر للمملكة العربية السعودية

error: