أنهت بورصة الدار البيضاء تداولات نهاية الأسبوع، اليوم الجمعة، على منحى تنازلي يعكس مزاجًا حذرًا لدى المستثمرين، وسط تراجع جماعي للمؤشرات الرئيسية، باستثناء تحركات طفيفة إيجابية في شريحة الشركات الصغيرة والمتوسطة.
في هذا التقرير، نسلط الضوء على أداء السوق، ونتوقف عند أبرز التراجعات والارتفاعات، ونحلل الديناميات القطاعية والسياقية التي تفسر اتجاهات البورصة في هذه المرحلة.
تراجع جماعي للمؤشرات الرئيسية: مؤشرات على تباطؤ الزخم الاستثماري؟
سجل المؤشر الرئيسي “مازي” تراجعًا بنسبة 0,68% ليستقر عند 18.562,47 نقطة، ما يعكس انخفاضًا عامًا في أسعار معظم الأسهم المدرجة. هذا التراجع ينسحب كذلك على مؤشر MASI.20 الذي يقيس أداء 20 من أكبر الشركات وأكثرها سيولة، والذي انخفض بدوره بنسبة 0,88% ليستقر عند 1.519,39 نقطة.
وبالنظر إلى مؤشر MASI.ESG، الذي يتتبع الشركات ذات التصنيف العالي في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية، فقد فقد هو الآخر 0,73% من قيمته، مما يشير إلى أن حتى الشركات “الأكثر التزامًا بالمعايير المستدامة” لم تكن بمنأى عن ضغوط السوق.
اللافت أن المؤشر الوحيد الذي سجل أداء إيجابيًا هو مؤشر MASI Mid and Small Cap، الذي يعكس أداء المقاولات الصغيرة والمتوسطة، مسجلاً ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0,11%. هذا المعطى قد يعكس اهتمامًا متزايدًا بهذه الشريحة من الشركات، إما بدافع تنويع المحافظ الاستثمارية أو باعتبارها أقل تأثرًا بالتقلبات الدولية.
الأسواق الدولية تتأثر أيضًا: مؤشرات FTSE المغربية في المنطقة الحمراء
لم تكن المؤشرات ذات الطابع الدولي أحسن حالًا، إذ سجل مؤشر FTSE CSE Morocco 15 انخفاضًا بنسبة 0,36% ليستقر عند 17.763,68 نقطة، فيما فقد مؤشر FTSE CSE Morocco All-Liquid نسبة 0,32% من قيمته ليغلق عند 15.841,3 نقطة.
يعكس هذا الأداء ضعف الثقة على المستوى الدولي في السوق المغربية خلال هذه الجلسة، ربما بتأثير مباشر من الظروف الخارجية أو ضعف تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية في هذه الفترة.
سيولة متوسطة ورسملة قوية: السوق لا تزال في وضع متوازن
على مستوى السيولة، بلغ الحجم الإجمالي للتداولات أكثر من 366,3 مليون درهم، وهو رقم يعكس نشاطًا متوسطًا مقارنة بالجلسات السابقة. وتمركزت هذه التداولات في السوق المركزي، أي في شق الأسهم، مما يدل على أن التحركات لم تكن بفعل أدوات مالية مشتقة أو استثنائية.
وقد تصدر البنك الشعبي المركزي التداولات بحجم بلغ 38,15 مليون درهم، متبوعًا بـ أطلنطا سند بـ 31,93 مليون درهم، والتجاري وفا بنك بـ 30,68 مليون درهم، ما يؤكد استمرار الثقة في القطاع البنكي وشركات التأمين كمحركات رئيسية للسيولة في السوق.
من ناحية القيمة الإجمالية للرسملة، فقد بلغت رسملة البورصة أزيد من 973,4 مليار درهم، وهو ما يمثل ثقلًا ماليًا كبيرًا يعكس استمرار جاذبية السوق المغربية، رغم التقلبات الظرفية.
شركات رابحة وأخرى خاسرة: تقلبات تعكس مواقف متباينة من المخاطر
على مستوى القيم الفردية، توزعت النتائج بين تراجعات حادة وارتفاعات لافتة، مما يعكس تحركات تكتيكية للمستثمرين:
أبرز التراجعات:
-
ريسما: -6,41% (336 درهمًا)
-
أفريقيا غاز: -3,45% (4.200 درهمًا)
-
القرض العقاري والسياحي: -2,6% (414 درهمًا)
-
بنك أفريقيا: -2,53% (270 درهمًا)
-
الشركة المعدنية إميطير: -2,35% (2.450 درهمًا)
تدل هذه التراجعات على ضغوط ناتجة إما عن نتائج مالية دون التوقعات، أو تصحيح طبيعي بعد ارتفاعات سابقة، أو ربما تأثيرات خارجية تتعلق بأسعار الطاقة أو السياحة (كما هو حال ريسما وأفريقيا غاز).
أبرز الارتفاعات:
-
ستروك للصناعة: +10% (88,89 درهمًا)
-
الشركة المنجمية لتويسيت: +9,99% (2.179 درهمًا)
-
سلفين: +4,25% (679,2 درهمًا)
-
البنك المغربي للتجارة والصناعة: +8,42% (618 درهمًا)
-
أولماس: +5,17% (1.220 درهمًا)
هذه الارتفاعات، خصوصًا بالنسبة لشركات منجمية وصناعية مثل “تويسيت” و”ستروك”، قد ترتبط بتقلبات إيجابية في أسعار المعادن أو طلبات صناعية جديدة، فيما يعكس أداء البنك المغربي للتجارة والصناعة تحسنًا قد يكون مرتبطًا بنتائج مالية أو توقعات مستقبلية أفضل.
هل يشير التراجع إلى بداية تصحيح شامل أم مجرد جني أرباح؟
في المجمل، تعكس أرقام اليوم حالة من الحذر السائد في السوق، إذ أن التراجع الجماعي للمؤشرات يترافق مع تداولات متوسطة وأداء متفاوت للشركات.
بينما لم تسجل السوق انهيارًا أو فقدانًا مفاجئًا للثقة، فإن هذا التراجع يعيد إلى الواجهة التساؤلات المرتبطة بالظروف الاقتصادية الدولية، وتطورات أسعار الفائدة، وتوقعات التضخم، فضلًا عن مدى قدرة الشركات المدرجة على الحفاظ على ربحيتها في مناخ اقتصادي متقلب.
يبقى السؤال الأبرز الذي تطرحه جلسة اليوم:
هل نحن أمام تصحيح عابر في سياق دينامية صعودية طويلة المدى؟ أم أن الأسواق تستعد فعلاً لمواجهة رياح معاكسة؟
الأيام والأسابيع المقبلة كفيلة بالإجابة.
تعليقات
0