نزع الملكية بين ظاهر القانون وباطن السلطوية يطرح لنا سؤال من يحكم الدار البيضاء فعلا؟

جواد رسام الثلاثاء 10 يونيو 2025 - 23:05 l عدد الزيارات : 35939

بينما كانت ساكنة الدار البيضاء تتابع بصمت جدول أعمال الدورة الاستثنائية لمجلس المدينة المنعقدة يوم 10 يونيو، انفجرت قضية مثيرة للجدل أعادت إلى السطح أسئلة جوهرية حول من يحكم المدينة فعلا: المجلس المنتخب أم السلطة الوصية؟

النقطة المتعلقة بـنزع ملكية عقار خاص، أثارت موجة من الاستغراب والاستنكار، ليس فقط وسط مستشاري المدينة، بل أيضا وسط النشطاء المدنيين، خصوصا بتراب مقاطعة سيدي بليوط حيث تقع البقعة موضوع النزاع.

فالقرار، حسب الوثائق، جاء بناء على طلب رسمي من والي جهة الدار البيضاء سطات، وتم إدراجه في دورة استثنائية للمجلس، ما طرح أكثر من علامة استفهام حول استقلالية القرار المحلي، وجدوى مؤسسة مجلس المدينة التي يفترض أنها منتخبة لتعبر عن إرادة الساكنة، لا لتكتفي بتصريف قرارات إدارية فوقية.

العقار الذي وقع عليه الاختيار (فيلا موفيليي)، سبق أن دار حوله جدل كبير في مرحلة سابقة أثناء عملية الهدم.

قيل حينها إنه مصنف ضمن التراث الوطني، بل إن بعض الأصوات ربطت بين هذه الواقعة وإعفاء عامل عمالة مقاطعات الدار البيضاء أنفا من مهامه.
غير أن المعطيات التي ظهرت لاحقا كشفت أن العقار ليس مدرجا في أي لائحة تراثية لدى وزارة الثقافة، وأن مالكه، وهو مستثمر خاص، حصل على رخصتي هدم وبناء من الجهات الرسمية، بما في ذلك الوكالة الحضرية والجماعة الحضرية، من أجل إقامة مشروع فندقي مصنف.

لكن المفارقة الكبرى كانت في تدخل لجنة من العمالة لوقف الأشغال، رغم قانونية المشروع، ما دفع المستثمر إلى اللجوء إلى القضاء الذي أنصفه في كل درجات التقاضي.
ورغم هذا الحكم القضائي النهائي، عاد العقار ليتصدر المشهد من جديد في صيغة نزع ملكية من أجل المنفعة العامة، دون أن يتم تحديد طبيعة هذه المنفعة، ولا مدى استعجالها أو أولويتها او الاهمية منها، علما أن الجماعة تمتلك عقارات بديلة في نفس المنطقة.

هذا السلوك يطرح تساؤلا خطيرا: هل نحن أمام تحايل قانوني على حكم قضائي بات؟ وهل أصبحت المنفعة العامة مبررا فضفاضا لنزع ممتلكات قانونية؟
إن ما يبدو إجراء قانونيا في الشكل، يكشف في الجوهر عن نوع من الاستقواء بالسلطة على حساب سيادة القانون، ومساس مباشر بالحق في الملكية، والاستثمار، وثقة المستثمرين في المؤسسات.

ظهر للعموم ان ردود الأغلبية المسيرة للمجلس جاءت باهتة، لم تقنع أحدا، لا المعارضة، ولا الرأي العام، ولا حتى المستثمر المتضرر ،بل يمكن القول انهم هم نفسهم غير مقتنعون ،لكن مجبرون على تنفيذ قرار التصويت ، و اكتفوا بالقول إن الطلب جاء من السلطات الإدارية، وان المنفعة العامة ستحدد لاحقا في مقرر منفصل. فهل يعقل أن يصوت مجلس على نزع ملكية دون أن يعرف لماذا؟
وأين هو دور التقدير، والنقاش، والمساءلة، وصون المصلحة العامة الحقيقية؟

هذه الواقعة ليست معزولة، بل تندرج ضمن سياق أوسع من العطالة المؤسساتية لمجلس المدينة، حيث تحولت الجهة المنتخبة إلى مجرد جهاز للتصويت والمصادقة على قرارات تمليها السلطة التنفيذية، بينما الفاعل الحقيقي في مشاريع المدينة هي شركات التنمية المحلية، أو البرامج الملكية، أو مبادرات السلطة.

إن أخطر ما في هذه الصورة، ليس فقط تجميد دور المؤسسة المنتخبة، بل غياب المشروع السياسي المحلي، والتخلي عن فكرة التدبير الديمقراطي للمدينة.
كيف يمكن لفاعلين اقتصاديين أن يغامروا بالاستثمار في بيئة يسود فيها هذا النوع من الغموض والازدواجية في القرار؟
كيف تبنى ثقة في مؤسسة، إن كانت قراراتها لا تبنى على دراسات، ولا تدافع عنها بقناعة، ولا تحترم حتى الأحكام القضائية النهائية؟

إن ما وقع في نقطة نزع الملكية بدورة مجلس مدينة الدار البيضاء الاستثنائية لا يجب أن يقرأ كحادث معزول، بل كمرآة لمفارقة عميقة بين النصوص القانونية التي تمنح المجالس المنتخبة سلطة القرار، وبين واقع سلطوي يجعل من هذه المؤسسات مجرد واجهة شكلية.
لقد آن الأوان لفتح نقاش وطني صريح حول حدود تدخل السلطة الوصية، وحول الحاجة إلى إعادة الاعتبار للمنتخبين، لا كشهود زور على قرارات جاهزة، بل كفاعلين سياسيين يملكون الجرأة على النقاش، والرفض، والمبادرة.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الخميس 12 يونيو 2025 - 11:59

ورشة وطنية تناقش قانون تدبير وتسيير المؤسسات السجنية

الخميس 12 يونيو 2025 - 11:55

أسعار النفط ترتفع مجددا إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من شهرين

الخميس 12 يونيو 2025 - 11:14

رفع “اللواء الأزرق” بـ 28 شاطئا و4 موانئ ترفيهية وبحيرة جبلية واحدة برسم صيف 2025

الخميس 12 يونيو 2025 - 10:52

الخميسات.. توقيف ثلاثة أشخاص بحوزتهم 1700 قرص مهلوس بتنسيق بين الأمن والدرك…

error: