أحمد بيضي
أعلنت “الجمعية المغربية لحماية المال العام” نزولها مجددا إلى الشارع بوقفة احتجاجية، يوم السبت 14 يونيو 2025، الرابعة مساء، أمام مقر البرلمان بالعاصمة الرباط، تحت شعار: “لا للتضييق على المبلغين عن جرائم المال العام، لا للمس باستقلالية النيابة العامة”، في خطوة تعبر عن استمرار الجمعية في أداء رسالتها رغم تعقيدات المشهد العام وصعوباته المتزايدة، هذه المبادرة تأتي كرد مباشر على ما اعتبرته الجمعية “انحرافا في مسار التشريع، وتراجعا خطيرا عن مكتسبات سابقة في مجال محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة”، خاصة في ظل ما وصفته بتوظيف المؤسسة التشريعية لخدمة فئات خاصة، وتغييب المقاربة التشاركية مقابل اعتماد منطق التهديد.
الجمعية أطلقت برنامجا نضاليا وتواصليا، يهدف إلى توضيح موقفها من المادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، واللتين ترى فيهما مساسا مباشرا بآليات مكافحة الفساد وحماية المبلغين، ومن بين أبرز محطات هذا البرنامج، فتح نقاش مع مؤسسات الحكامة الدستورية، حيث التقت الجمعية بمسؤولين عن مؤسسة وسيط المملكة، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في انتظار مواصلة اللقاءات مع باقي المؤسسات المعنية، كمجلس المنافسة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كما قامت الجمعية بمراسلة الأحزاب السياسية، أغلبية ومعارضة، قصد إشراكها في النقاش.
وفي ذات السياق، سيتم تنظيم ندوة صحفية، يوم الخميس 12 يونيو 2025، بمقر النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالرباط، لإبراز مواقف الجمعية وتحليل خلفيات سعي الحكومة لتمرير المادتين المذكورتين، وكشف الأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ قرار تنظيم الوقفة الاحتجاجية، دون أن يفوت محمد الغلوسي، رئيس الجمعية، التعبير عن “مخاوفه من توجه تشريعي يسعى إلى تجريد النيابة العامة من صلاحياتها المستقلة، وتحجيم دور المجتمع المدني في الإبلاغ عن جرائم الفساد”، كما أن التحرك المعلن يأتي كذلك في ظل الجدل المثار حول متابعة أو استهداف أفراد قاموا بالتبليغ عن ملفات تتعلق بتبديد المال العام أو تعاملات مشبوهة.
وترى الجمعية أن هذا التوجه يعني بشكل عملي إنهاء تجربة أقسام جرائم الأموال بمحاكم الاستئناف في كل من الرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس، والتي تم إحداثها سنة 2011 بموجب مرسوم حكومي، كما يقضي فعليا على قانون حماية المبلغين والشهود والضحايا والخبراء، ما دامت المادة الجديدة تقيد إمكانيات التبليغ القضائي عن قضايا اختلاس وتبديد المال العام، وتعتبر الجمعية أن هذه الإجراءات تشكل تراجعا صريحا عن التزامات المغرب الدولية، لاسيما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي تحث على إشراك المجتمع المدني وتعزيز استقلالية القضاء كشرطين أساسيين لمحاصرة الفساد والإفلات من العقاب.
في العمق، تعبر الجمعية، في شخص رئيسها، عن قلق عميق من وجود إرادة سياسية تتجه نحو تجفيف منابع الشفافية والرقابة، تحت تأثير لوبيات تستفيد من واقع الفساد وزواج السلطة بالمال، وهي إرادة، حسب الغلوسي، لا تنزعج فقط من الأصوات المطالبة بالإصلاح، بل تسعى إلى إجهاض كل مكتسب حقوقي أو قانوني من شأنه أن يعزز الثقة في مؤسسات الدولة، ما يفاقم الإحساس بالإحباط وفقدان الأمل، ويهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي، فيما تؤكد الجمعية أنها ستواصل نضالها السلمي والمسؤول، وستظل صوتا مدنيا يقظا في وجه كل محاولات تقويض مسار تخليق الحياة العامة، مهما اشتدت الصعوبات وتعددت التحديات.
تعليقات
0