اعترف أحد وزراء الحكومة، ممن يُعتبرون ضلعًا من أضلاع الفلاحة في المغرب، بأن حكومته سمحت، وبشروط “تحفيزية” وإعفاء ضريبي، باستيراد كميات ضخمة من الأحشاء الحيوانية قاربت 2000 طن، بدعوى “الحفاظ على القطيع”! أي نعم، تم استيراد هذه الكميات الهائلة من أحشاء الذبائح، التي تُصنف عالميًا كنفايات بيولوجية، لتُوزَّع بكل وقاحة على موائد المغاربة، وكأن بطونهم مجرد مطرح نفايات عمومي.
أين هي أجهزة الرقابة على ما يدخل من غذاء وشراب إلى هذا الوطن؟ بأي سوق بيعت هذه الأحشاء؟ وبأية طريقة؟ وبأي ثمن؟ وكيف مرّت كل هذه الكميات من دون أن نسمع يومًا عن لحوم أو أحشاء مستوردة؟ هل قُدمت من دون تحديد مصدر إنتاجها، أو بدون توثيق شروط الذبح وطبيعة الذبائح؟ إننا أمام فضيحة كبرى تمس الصحة العمومية، والسيادة الغذائية، والمالية العمومية أيضًا، وتقتضي تحقيقًا شاملًا وإنزال عقوبات قانونية صارمة بحق كل من تواطأ أو غض الطرف أو بارك هذا الانتهاك السافر لكرامة المغاربة.
والمريب في هذا الصمت الرسمي المطبق هو غياب أي بلاغ من الجهات الوصية يُوضح للرأي العام ما يجري في الخفاء. لا المكتب الوطني للسلامة الصحية تحرّك، ولا وزارة الصحة نبهت، ولا حتى مجلس المنافسة نبّه إلى الإغراق غير المشروع للأسواق. هل نحن أمام تواطؤ ممنهج؟ أم أن صحة المواطنين باتت آخر ما يُفكر فيه أصحاب القرار؟ حين تصمت المؤسسات، وتُغلق الأعين، وتُفتح الحدود لبقايا الحيوانات الميتة، فإننا نكون أمام دولة تفرط في أبسط واجباتها تجاه شعبها.
إن الأمر يتجاوز فضيحة غذائية إلى جريمة مكتملة الأركان. فمن سمح بإدخال هذه النفايات؟ ومن وقّع على تسويقها داخل الأسواق المغربية؟ ومن راقب طريقة ذبحها؟ وهل التُزِم بالضوابط الشرعية والدينية؟ أم أننا أمام أشلاء حيوانات نُحرت في سياقات دينية غريبة ودخلت بطون المغاربة من دون حسيب أو رقيب؟
ليس هكذا تورد الإبل يا حكومة! من غشنا فليس منا، ولن يكون من الإنسانية جمعاء.
ما الذي يمكن أن ننتظره من وزارة تحوّلت من فاعل فلاحي إلى مجرد صندوق دعم لمن لا يزرع ولا يربّي؟ وزارة لم تعد تُسهم في تأمين غذاء نظيف وصحي، بل تبارك إغراق السوق ببقايا ذبائح الخارج، على حساب صحة وكرامة هذا الشعب.
أما المثير للسخرية، بل للغضب، فهو أن من باع لنا العجل وأحشاءه، صار اليوم من كبار رجالات السياسة وااحكومة والاعلام ، يتنقل بين المناصب والمجالس، وكأن ذاكرة هذا الوطن مثقوبة، أو كأن كرامة المواطنين بلا قيمة وكان لهؤلاء منجزات سرية لا نعلم عنها اي شيء .
من حق المغاربة، أخلاقيًا ودينيًا، أن يطرحوا أسئلتهم: من يراقب ما نأكله؟ من يتحمّل مسؤولية تعريض صحة ملايين المواطنين للخطر؟ ومن قرّر أن تُحوَّل بطوننا إلى محرقة نفايات بيولوجية باسم السياسات العمومية الفاشلة؟
لقد حان الوقت لنقولها صراحة: لسنا مجرد أفواه مفتوحة تبتلع ما يُلقى فيها. ولسنا قطعانًا تستهلك بقايا العالم. كفى عبثًا بصحتنا، كفى احتقارًا لذكائنا، وكفى استفزازا لوطنيتنا.
ان الثقة تنتفي تدريجيا في ساحة تحولت الى منطق المال والتجارة تجاوزت كل الحدود وصارت بلا سقوف لا اقتصادية ولا اخلاقية واكثر تدميرا للوطن
تعليقات
0