التمويل البنكي بالمغرب: مؤشرات مقلقة رغم الاستقرار النقدي

محمد اليزناسني الثلاثاء 24 يونيو 2025 - 22:43 l عدد الزيارات : 4086

أثار تقرير بنك المغرب الأخير بشأن السياسة النقدية، الصادر عقب اجتماع مجلسه بتاريخ 24 يونيو 2025، انتباه المتابعين للشأن الاقتصادي، ليس فقط لقرار الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي في مستواه الحالي، بل أيضا لما تضمنه من مؤشرات دقيقة تكشف عن اختلالات هيكلية تتعلق بقدرة النظام البنكي على مواكبة حاجيات الاقتصاد الوطني، وفي مقدمتها تباطؤ وتيرة نمو القروض الموجهة للقطاع غير المالي.

فبعد أن بلغ معدل نمو هذه القروض 6.1 في المائة سنة 2022، تراجع إلى 4.6 في المائة سنة 2023، قبل أن يهبط بشكل حاد إلى 1.6 في المائة سنة 2024. ورغم ما يوحي به الرقم المتوقع لسنة 2025 من انتعاش نسبي بنسبة 2.5 في المائة، إلا أن هذا المعدل يظل ضعيفًا، ولا يواكب دينامية الاستثمار المفترضة، خاصة في سياق يتطلب تحريك العجلة الاقتصادية لما بعد مرحلة التضخم المرتفع والركود العالمي.

هذا التباطؤ يندرج ضمن بيئة مالية باتت أكثر تشددًا، حيث ارتفع سعر الفائدة على القروض الجديدة الموجهة للقطاع غير المالي إلى 5.26 في المائة، مقارنة بـ5.03 في المائة خلال السنة السابقة. وهو ما يطرح تساؤلات حول كلفة التمويل ودرجة فعالية القنوات البنكية في ضخ السيولة اللازمة في الدورة الاقتصادية.

ففي ظل هذا الارتفاع، تصبح كلفة القروض بالنسبة للمقاولات، خصوصًا الصغرى والمتوسطة، عبئًا ثقيلاً لا تتحمله بسهولة، خاصة مع افتقارها في الغالب إلى الضمانات الكافية ومحدودية التمويل الذاتي. والمفارقة أن هذه الفئة من المقاولات تُعد الأكثر قدرة على خلق فرص الشغل وتنشيط الطلب الداخلي، غير أنها تواجه عراقيل بنيوية تجعلها على هامش النظام البنكي بدل أن تكون في قلبه.

ويلاحظ منذ سنة 2021 تشدد واضح في شروط منح القروض البنكية، بفعل المخاطر المتزايدة وتنامي القلق من حالات التعثر، وهو ما يدفع المؤسسات المالية إلى تقليص تعرضها للمخاطر عبر المطالبة بضمانات أكبر أو التركيز على تمويل قطاعات تعتبرها أكثر أمانًا، مثل العقار أو الاستهلاك.

هذا التوجه المحافظ في التمويل البنكي قد يكون مبررًا من زاوية إدارة المخاطر، لكنه يطرح تحديات من زاوية السياسات التنموية، إذ يؤدي إلى تعطيل القنوات المفترضة لتمويل الاستثمار، ويُفرغ المبادرات العمومية من محتواها، خصوصًا في ظل طموحات الحكومة لتوسيع قاعدة الطبقة المتوسطة وتحفيز الاقتصاد الأخضر والرقمي.

والواقع أن هذا الوضع يعكس خللاً أعمق في علاقة النظام البنكي بالنسيج الاقتصادي، حيث تظل البنوك المغربية في الغالب حذرة أمام المشاريع ذات الطابع الابتكاري أو الإنتاجي، وتفضل التعامل مع الزبائن المعروفين والقطاعات النمطية.

كما أن العلاقة بين البنوك والمقاولات الصغرى تُعاني من أزمة ثقة متبادلة، تزيدها تعقيدًا منظومة قانونية غير فعالة في ما يخص التحصيل والتنفيذ، ونقصًا في آليات الدعم والمواكبة المالية والتقنية. كما أن المبادرات العمومية مثل برامج “انطلاقة” و”فرصة” تظل محدودة الأثر ما لم ترافقها إجراءات هيكلية لتقاسم المخاطر وإعادة توجيه التسهيلات نحو القطاعات الإنتاجية.

ويخلص المهتمون إلى أن تجاوز هذه الوضعية لا يمر فقط عبر خفض الفائدة أو إطلاق برامج دعم، بل عبر إعادة التفكير في النموذج التمويلي ككل، من خلال تحفيز البنوك على لعب دورها التنموي، وتوسيع صلاحيات صندوق الضمان المركزي، وتطوير منتجات مالية مبتكرة تراعي طبيعة المقاولات الصغيرة و حاجياتها. فدون إصلاح جذري في هذا الاتجاه، سيظل تمويل الاقتصاد حلقة ضعيفة في سلاسل الإنتاج والاستثمار، وسيتعذر على المغرب تحويل المؤشرات الإيجابية في التضخم والحسابات الخارجية إلى نمو فعلي يشعر به المواطن والمقاولة على حد سواء.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 24 يونيو 2025 - 22:34

بنك المغرب يُبقي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير ويكشف عن مؤشرات الاقتصاد الوطني

الثلاثاء 24 يونيو 2025 - 22:00

مكناس في مرمى النفايات… فيديو لمهاجر يهزّ صورة مدينة تعاني الإهمال

الثلاثاء 24 يونيو 2025 - 21:28

بوعياش ترافع في نيويورك لتعزيز دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان

الثلاثاء 24 يونيو 2025 - 20:51

بنك المغرب يقرر الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير في 2,25 في المائة

error: