في الوقت الذي تواجه فيه الجزائر تحديات اجتماعية واقتصادية متفاقمة، اختارت السلطة الحاكمة أن تلجأ مجدداً إلى استراتيجيتها المفضّلة: صناعة الأعداء الخارجيين وتغذية مشاعر الحصار والمؤامرة، كوسيلة للهروب من أزمتها الداخلية المزمنة.
خلال الأسابيع الأخيرة، صعدت الآلة الإعلامية الجزائرية لهجتها نحو “أعداء مفترضين”، على رأسهم إسرائيل وبعض القوى الغربية، مدعية وجود “مخططات تستهدف الجزائر ووحدتها”. غير أن المراقب للسياسة الدولية لا يجد أي معطى جدي يعزز هذا الادعاء. فالجزائر، التي اختارت العزلة كمسار دبلوماسي، لا تلعب أي دور مؤثر في موازين القوى الإقليمية أو الدولية، باستثناء دعمها المستمر لمشروع تقسيم المغرب عبر دعم جبهة “البوليساريو”.
لقد بات واضحاً أن المؤسسة العسكرية التي تتحكم في دواليب الحكم بالجزائر توظف الإعلام العمومي وشبكات دعائية موجهة، ليس فقط لتصوير البلاد كـ”قلعة محاصَرة” من قوى كبرى، بل أيضاً لشرعنة الإنفاق الهائل على التسلح، ولتبرير قمع الحريات وسحق أصوات الداخل تحت ذريعة “التهديد الخارجي”.
ومع تصاعد دينامية الانفتاح التي يقودها المغرب في محيطه العربي والإفريقي والدولي، واختياره طريق الإصلاح المؤسساتي والتكامل الاقتصادي، تجد القيادة الجزائرية نفسها مكشوفة أمام رأي عام داخلي بدأ يُدرك تراجع بلاده في مؤشرات التنمية والتأثير، مقارنة بجارها الغربي.
في هذا السياق، لا يُستبعد أن تكون حملة “الاستهداف الخارجي” مجرد محاولة لتغطية الفشل في تحقيق وعود التنمية والعدالة الاجتماعية، وامتصاص غضب الشارع الجزائري الذي بات يئن تحت وطأة البطالة والتضخم وغياب الأفق السياسي.
وما يعزز هذا الطرح هو أن “العدو الوحيد الحقيقي” الذي ما زالت الجزائر تصر على مواجهته، هو المغرب، من خلال معاكسة مصالحه الترابية والتشويش على تقدمه، عبر دعم كيان انفصالي لا يحظى بأي شرعية أممية. وهو دعم يكلّف خزينة الدولة الجزائرية سنوياً مليارات الدولارات، في وقت تفتقر فيه المستشفيات والمدارس ومراكز الشباب إلى أبسط التجهيزات.
لقد آن الأوان للنخب الجزائرية، إن بقي فيها من يرفض الاصطفاف الأيديولوجي الأعمى، أن تطرح السؤال الجوهري: إلى متى ستبقى الدولة رهينة خطاب المؤامرة وصناعة العدو، بدل الانخراط في إصلاحات حقيقية تُخرج الجزائر من دائرة العجز المزمن والعزلة المفتعلة؟
تعليقات
0