عبد الرحيم شهيد: “الحكومة أخلفت وعودها ولم تُوفِّ بالتزاماتها في ضمان الحق في الصحة”

في جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب، يوم الاثنين 7 يوليوز 2025، وجه النائب عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، مداخلة قوية إلى رئيس الحكومة، ركز فيها على ما اعتبره فشلاً واضحاً في تنزيل الإصلاحات التي وعدت بها الحكومة في قطاع الصحة، وعدم الوفاء بالالتزامات التي رفعتها في إطار شعار “الدولة الاجتماعية”.

وأكد شهيد أن الحق في الصحة لا يمكن أن يكون مجرد شعار عابر أو التزام شكلي، بل هو حق دستوري وإنساني يستدعي إرادة سياسية فعلية، وتعبئة موارد مالية وبشرية كافية، ورؤية واضحة تتجاوز الحسابات الضيقة. وانتقد بشدة ما وصفه بالهوة الكبيرة بين التصريحات الرسمية والوضع المتدهور على أرض الواقع، مسجلاً غياب تام لأثر البرامج الحكومية على حياة المواطنات والمواطنين، الذين لا يزالون يعانون من صعوبات جسيمة في الولوج إلى خدمات العلاج الأساسية، ومن اختلالات بنيوية تقوض أي أمل في إصلاح المنظومة الصحية.

واستعرض شهيد عدداً من الالتزامات الحكومية التي ظلت حبراً على ورق، من قبيل تعميم بطاقة صحية ذكية، وإرساء نظام جذاب للأطباء داخل المستشفيات العمومية، وتعميم مراقبة الحمل، وتوفير سيارات إسعاف مجهزة، مؤكداً أن أياً من هذه التدابير لم يتحقق فعلياً رغم مرور ثلاث سنوات من عمر الحكومة.

كما نبه إلى خطورة استمرار تأخر صدور النصوص التنظيمية للقانون الإطار رقم 06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية، معتبراً أن هذا التأخر يخلق ارتباكاً في التنزيل ويؤجل مشاريع حيوية مثل المجموعات الصحية الترابية والهيئة العليا للصحة ووكالتي الدم والأدوية. وتحدث عن التحديات المالية التي تواجه القطاع، مشيراً إلى أن الأسر المغربية لا تزال تتحمل أكثر من نصف النفقات الصحية بسبب ضعف التمويل العمومي، وارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية، وانخفاض مستوى التغطية الصحية، إذ إن حوالي 38% من المواطنين لا تشملهم بعد التغطية الإجبارية. وانتقد بشدة ما وصفه بضعف التنسيق الحكومي في تحديد الأولويات الصحية، وعجز البرامج المعلنة عن تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، فضلاً عن أزمة الموارد البشرية التي تتجلى في خصاص يتجاوز 30 ألف طبيب و65 ألف ممرض، وهجرة مقلقة للأطر الطبية، وتوزيع غير عادل يتركز في المدن الكبرى.

كما توقف عند ما سماه تغول القطاع الخاص، حيث أصبحت المصحات الخاصة تستنزف الجزء الأكبر من مخصصات التأمين الصحي، رغم أنها لا تمثل سوى ثلث عرض الاستشفاء، مقابل تهميش مستمر للقطاع العمومي الذي يعاني من نقص في الأطر والتجهيزات ورداءة في البنية التحتية. واعتبر أن غلاء الأدوية والتحاليل الطبية، وضعف نظام المراقبة على الأسعار، واستمرار الفوضى في التعرفة المرجعية، يضاعف العبء على الأسر، ويقوض مبدأ الإنصاف في العلاج، خاصة في ظل عدم تعميم التغطية على الأمراض المزمنة والمكلفة.

وانتقد الوضع المزري في الصحة النفسية والعقلية، مشيراً إلى أن عدد الأسرة لا يتجاوز 1725 سريراً على الصعيد الوطني، وأن نسبة المهنيين المختصين في هذا المجال لا تمثل سوى أقل من 1%، داعياً إلى مراجعة جذرية لهذه السياسات. وندد بما وصفه بتفاقم معاناة المواطنين، متسائلاً باستنكار: أين هي الكرامة حين تضطر امرأة حامل إلى ركوب دابة للوصول إلى المستشفى؟ أين هي الكرامة حين لا يجد مريض بالسرطان موعداً للعلاج إلا بعد ستة أشهر؟ أين هي الكرامة حين يقضي المغاربة ليال بيضاء في أقسام المستعجلات دون علاج؟ أين هي الكرامة حين يُطرد مواطن من مصحة لعدم توفره على شيك؟

وختم شهيد مداخلته بالقول إن الحكومة فشلت في تجسيد الدولة الاجتماعية على مستوى الصحة، وأن استمرار هذه الأوضاع يؤدي إلى تكريس التفاوتات وتهديد السلم الاجتماعي، مشدداً على أن المغاربة يريدون إجراءات ملموسة، لا خطباً مطمئنة، لأن الكرامة لا تتحقق بالتصريحات، بل بتغيير حقيقي يلمسه المواطن حين يدخل إلى المستشفى العمومي.