وقف رئيس الحكومة، مرة أخرى، أمام نواب الأمة يعدد المنجزات كما تُعدّ السطور في تقارير منمقة، مستعرضاً أرقاماً تبدو للوهلة الأولى مبشرة: تأهيل 949 مركزاً صحياً من أصل 1400 مبرمج، وبرنامج طموح بمبلغ 6.4 مليار درهم. لغة الأرقام هذه، وإن كانت تستهوي بعض المتتبعين، تبقى في حاجة ماسّة إلى فحص واقعي، لأن ما يهم المواطن في النهاية ليس عدد المراكز المؤهلة على الورق، بل ما إن كان يجد داخلها طبيباً، دواءً، كرامة.
بعيداً عن الإحصائيات التي يسوقها السيد رئيس الحكومة، تعيش المنظومة الصحية المغربية أزمة مركّبة تتجلى في تفاصيل الحياة اليومية للمواطن: مريض ينتظر ساعات في طابور بمستوصف لا يتوفر على جهاز للفحص البسيط، امرأة حامل تُرفض بمستشفى إقليمي بسبب غياب الطبيب أو سرير، مواطنون يُنقلون بالعشرات إلى مدن أخرى من أجل أبسط العمليات الجراحية. فهل هذه هي «المراكز من الجيل الجديد» التي تحدّث عنها رئيس الحكومة؟ وهل هذا هو “الشعور بالثقة والأمان” الذي بشر به في خطابه؟
نحن هنا لا ننكر أهمية الاستثمار في البنية التحتية، لكننا نسائل الحكامة، الجدوى، ومآل تلك المشاريع. إن تأهيل مركز صحي لا يعني شيئاً إذا لم يكن مرفوقاً بتحفيز الأطر الطبية، وتأمين الأدوية، وتحقيق العدالة المجالية الحقيقية، لا فقط من خلال خرائط أنيقة ولكن بتمكين الساكنة في أعالي الجبال والقرى المنسية من الولوج الفعلي والمتكافئ إلى الرعاية.
الواقع لا يحتاج إلى من يعدد الإنجازات بل من يصغي للمعاناة. لا يحتاج إلى جمل منمقة بل إلى فعل يومي يغيّر حياة الناس في الهامش والمركز. لذلك، فإن خطاب رئيس الحكومة، وإن بدا تقنياً ومنسجماً من حيث الشكل، يبقى منفصلاً عن سياق اجتماعي مرير لم تعد تجدي معه المسكنات اللفظية، بل يحتاج إلى ثقة تُبنى بالأفعال، لا بالبلاغات.
وهنا يُطرح تساؤل مشروع: هلا تفضل السيد وزير الصحة بعرض خريطة هذه المراكز الصحية ليتمكن مراسلونا من زيارتها والإطلاع ميدانياً على صحة ما ورد في خطاب السيد رئيس الحكومة؟ بل نتوجه إليه بتحدٍّ واضح: أن ينشر بالأسماء والجهات والدوائر لائحة المراكز الـ949 التي قيل إنها أُهّلت، حتى نضع الأرقام في مواجهة الواقع، ونجعل الكلمة الأخيرة للمواطن، لا للميكروفون.
تعليقات
0