اتحاد المنظمات التربوية بين حدود النضال الاستراتيجي وإكراهات الواقع … قراءة تحليلية في أوراق الضغط والسيناريوهات المحتملة

أنوار بريس الأربعاء 9 يوليو 2025 - 12:38 l عدد الزيارات : 8490

سفيان الداودي

في أعقاب شهر نضالي حافل، تميز ببلاغات حازمة ومواقف واضحة من المكتب التنفيذي لاتحاد المنظمات التربوية، عاد إلى الواجهة النقاش حول مدى قدرة الفعل التربوي الجماعي على التأثير الفعلي في السياسات العمومية، خاصة في قطاع الطفولة والشباب الذي يعيش، منذ بلاغات يونيو 2025، على وقع توتر غير مسبوق يُعيد إلى الأذهان أجواء التسعينيات.

وفي ظل هذا السياق المتأزم، تبرز الحاجة إلى مقاربة تحليلية متأنية تستعرض أوراق الضغط المتبقية لدى الاتحاد، وتُفكّك السيناريوهات المحتملة في علاقته بالوزارة، وسط مشهد جمعوي يتسم بالبلقنة، وبتآكل المرجعيات التربوية والتنشيطية.

فما هي الشرارة التي فجّرت هذا الاحتقان؟ وأي مستقبل لهذا النضال التربوي الجماعي في ضوء التحديات المطروحة؟

1- تفويت مراكز الاستقبال: من الخدمة العمومية إلى منطق السوق
في صميم الأزمة، تقف قضية تفويت مراكز الاستقبال للخواص كعنوان فاضح لتحوّل الدولة عن التزاماتها الاجتماعية والتربوية تجاه الطفولة والشباب. فالمراكز التي كانت مرفقًا عموميا مفتوحًا أمام الجمعيات الوطنية، ستُمنح بعقود للخواص أو ستُحوّل إلى فضاءات مؤدى عنها، في تغييب مقلق للبعد المجتمعي الذي بُنيت عليه فكرة التخييم.

ترى المنظمات في هذا التوجه مساسًا جوهريًا برسالة التخييم، حيث يُختزل الطفل في زبون، والجمعية في وسيط موسمي داخل دورة اقتصادية لا مكان فيها للعدالة المجالية أو للحق في الترفيه. والأسوأ، أن هذا التفويت سيُكرّس منطقًا تنافسيًا غير متكافئ، يجعل الجمعيات الجادة عاجزة عن مجاراة كُلفة المراكز وطلباتها المتزايدة، مما يُنتج إقصاءً ممنهجًا للفئات الهشة، ويحوّل التخييم من حق جماعي إلى امتياز طبقي.

2- ما الذي تبقى في جعبة الاتحاد؟

رغم محدودية الإمكانيات، لا يزال اتحاد المنظمات التربوية يمتلك رصيدًا استراتيجيًا مهمًا، يمكن تعبئته انطلاقًا من مرتكزات قوة واضحة، أبرزها:

*) الشرعية التاريخية والرمزية: بفضل جمعياته العريقة وتجربته التراكمية، يحتفظ الاتحاد بمكانة أخلاقية في الحقل الجمعوي والتربوي.

*) تناغم الخطاب الجماعي: أظهرت البلاغات الأخيرة وحدة نادرة في المواقف، ما يعزّز صورة الاتحاد كفاعل جماعي مُتماسك.

*) قاعدة ميدانية واسعة: يستفيد الآلاف من الأطفال سنويًا من برامج الجمعيات المنضوية تحته، مما يُشكّل ورقة ضغط اجتماعية قوية.

*) رأسمال تضامني متنامٍ:
تعاظم الدعم الجمعوي والإعلامي مع توالي قرارات الإقصاء، خصوصًا بعد إلغاء مخيمي بنصميم وخرزوزة، مما يعزز من إمكانية بناء جبهة نضالية موسعة.

 

3 – الأوراق النضالية المتبقية في يد الاتحاد

رغم تضييق الهامش وتوالي القرارات الإقصائية، لا يزال في جعبة اتحاد المنظمات التربوية عدة أوراق نضالية قادرة على تحريك المياه الراكدة، من بينها:

*)- الورقة الميدانية (تعليق المشاركة أو المقاطعة):
يمكن للاتحاد أن يُلوّح بخيار تعليق المشاركة في الدورات التكوينية أو حتى المقاطعة الجزئية أو الكلية لبرنامج “عطلة للجميع”، وهو ما قد يُربك الموسم التربوي الصيفي المقبل ويُظهر للرأي العام حجم الاعتماد الفعلي للبرنامج على الجمعيات المنضوية تحت لواء الاتحاد.

*)- الورقة الإعلامية والتوثيقية:

تعزيز الجبهة الإعلامية من خلال توثيق حالات الإقصاء، ونشر بيانات وشهادات ميدانية حول هشاشة البنية التحتية أو غياب العدالة المجالية، مما يُعيد طرح التخييم كقضية رأي عام.

*) – الورقة القانونية والحقوقية:

الانفتاح على الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان والبرلمان والمجتمع المدني الحقوقي، للترافع حول اعتبار التخييم حقا من حقوق الطفل، وليس امتيازا ظرفيا خاضعا لميزاجية الإدارة أو المحاباة.

*) – الورقة التنسيقية الموسعة:

إمكانية توسيع الجبهة النضالية خارج الإطار الضيق للاتحاد، من خلال تنسيقيات موضوعاتية أو جهوية، أو عبر الضغط لإعادة هيكلة الجامعة الوطنية للتخييم بما يضمن الاستقلالية والتمثيلية الحقيقية.

*) – الورقة الدولية والدبلوماسية الموازية:
استثمار الروابط مع الشبكات الدولية العاملة في مجال الطفولة والتخييم والتربية غير النظامية، لخلق ضغط خارجي معنوي يُعيد الاعتبار للبعد الحقوقي للموضوع.

*)- ورقة الندوات والمناظرات الجهوية :

تنظيم ندوات جهوية موازية للمناظرة الوطنية المقررة في نونبر 2025، تُمكن من جمع المعطيات الميدانية وبلورة تصورات محلية تعكس هموم الفاعلين الحقيقيين في مجال التخييم.

4- خيار نضالي وسط إكراهات بنيوية

رغم عدالة القضية، يُواجه الاتحاد تحديات داخلية قد تُضعف من قدرته على خوض معركة نضالية طويلة النفس، أبرزها:

– هشاشة بعض المكونات التنظيمية، وتفاوت في الجاهزية والتأطير.

– قصور في التواصل والإعلام، ما يحد من إشعاع الخطاب خارج الدوائر الجمعوية.

– تراجع الامتداد السياسي داخل المؤسسات المنتخبة، ما يضعف أدوات الضغط من داخل المنظومة.

– الارتباط بالدعم العمومي، الذي قد يشلّ دينامية بعض المكونات.

– غياب إطار تنسيقي وازن مثل الجامعة الوطنية للتخييم، القادرة على احتواء الأزمة.

5- السيناريوهات المحتملة مستقبلا

في ظل تصاعد البلاغات واتساع رقعة الاحتجاج، تلوح في الأفق عدة سيناريوهات:

*) الاحتواء عبر الحوار المؤجل

قد تلجأ الوزارة إلى تهدئة الأوضاع من خلال لقاءات شكلية أو وعود مؤجلة، دون تقديم مراجعة جوهرية للسياسات المتبعة.

*) التصعيد النضالي المفتوح

يشمل المقاطعة المحتملة لبرنامج “عطلة للجميع” صيف 2026، مع تعبئة سنوية ووقفات احتجاجية وطنية ومحلية.
هذا التصعيد قد يُربك حسابات الوزارة، لكنه يحمل كذلك مخاطر رد فعل عنيف يشمل الإقصاء من البرامج والتكوينات والدعم السنوي.

*) تفكيك الجبهة من الداخل

رهان على خلق التوتر داخل الاتحاد عبر استمالة بعض الجمعيات، مما يُضعف الموقف الجماعي ويفقد المطالب شرعيتها.

*) تفعيل خيار المناظرة الوطنية:

استثمار إعلان الوزارة عن مناظرة وطنية مرتقبة في نونبر 2025 كفرصة لإعادة فتح الحوار، وبناء تعاقد وطني جديد حول مستقبل التخييم ومراكز الاستقبال.

*)الانكفاء التنظيمي والتدبير الفردي:

انشغال كل منظمة بإنجاح موسمها الصيفي مخافة الاتهام بازدواجية الموقف، ما قد يُؤدي إلى فقدان الثقة الجماعية وتسرب الإحباط، ويدفع الاتحاد للرهان على الجامعة. الوطنية للتخييم كقناة للضغط الرسمي.

في الاخير نؤكد أن ما نعيشه اليوم ليس مجرد خلاف ظرفي حول برنامج موسمي أو قضية دعم، بل لحظة حاسمة في إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في مجال الطفولة.

فإما أن تستعيد المنظومة التربوية العمومية روحها الاجتماعية، أو نترك الطفولة رهينة للمنطق التجاري.

اتحاد المنظمات التربوية، رغم التحديات، يمتلك فرصة تاريخية لإعادة بعث روح التربية التخييمية كحق جماعي، ومجال للعدالة الاجتماعية والمجالية.

الرهان اليوم لم يعد فقط على رفض التفويت أو قرارات الإقصاء، بل على بناء بديل جماعي أو إصلاح مؤسساتي من الداخل يُعيد الاعتبار للمرفق العمومي، ويُؤسس لحق كل طفل مغربي في فضاء تربوي متكافئ.

وفي انتظار مناظرة نونبر 2025، يبقى السؤال مفتوحًا:

هل ستنجح هذه المناظرة في ترميم الجسور المقطوعة، وبناء ثقة جديدة بين الوزارة والمجتمع المدني، خدمة لقضايا الطفولة والشباب؟

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأربعاء 9 يوليو 2025 - 16:46

بين الضبط والتحديث: الجمعية الوطنية للإعلام تدافع عن إصلاح تشريعي يعيد الاعتبار للمهنة

الأربعاء 9 يوليو 2025 - 16:21

حين يتكلم Salgout “طوطو”…تصمت 300 ألف أسرة و يصبح الانحطاط “نجاحًا” رسميًا!

الأربعاء 9 يوليو 2025 - 16:05

المستشفى الإقليمي بأزيلال ينجح في إجراء عمليتين جراحيتين دقيقتين لسيدتين تجاوزتا 100 سنة

الأربعاء 9 يوليو 2025 - 13:06

مجلس المنافسة: إصلاح قطاع توزيع المواد الغذائية يستدعي هيكلة حكامة واضحة وتعزيز الشفافية والتنافسية

error: