أوصى مجلس المنافسة، بتقوية الإطار القانوني والتنظيمي المنظم لقطاع توزيع المواد الغذائية بهدف ملاءمته مع التطورات التي تعرفها منظومته، مشيرا أنه في الوقت الراهن يعتبر الإطار التنظيمي المتعلق بمسالك توزيع المواد الغذائية مشتتا بين مجموعة من النصوص والقوانين القطاعية، أعدت بشكل منفصل وبدون تنسيق أو رؤية شاملة، ما نتج عنها تداخل الاختصاصات في عدد من الحالات، وغياب الاتساق، وانعدام الفعالية في تطبيق القوانين.
ولمعالجة هذه الاكراهات، يوصى المجلس في رأيه حول حول وضعية المنافسة على مستوى مسالك توزيع المواد الغذائية، بإجراء إصلاح معمق من أجل توحيد النصوص ضمن إطار قانوني متناغم ومبسط وأفقي، يعكس رؤية متكاملة لهذا القطاع. وبشكل عملي، يمكن دمج المقتضيات القانونية المؤطرة لأسواق الجملة والأسواق والمساحات الكبرى والمحلات التجارية الصغرى ضمن إطار تشريعي موحد وشامل، ينص على القواعد المنظمة للجوانب الرئيسية المسالك توزيع المواد الغذائية. وتشمل بالخصوص الأدوار والمهام المسندة إلى هيئات الحكامة المؤسساتية، وقابلية تتبع مسار المنتجات ومناطق التموقع الجغرافي.
كما يمكن لهذا الإطار حسب المجلس، إرساء منظومة لتصنيف مختلف الجهات الفاعلة كالتجار بالجملة أو بالتقسيط بالنسبة لمسالك التوزيع التقليدية، والأسواق الكبرى أو الأسواق الممتازة بالنسبة للمساحات الكبرى والمتوسطة ضمن مسالك توزيع المنتجات الغذائية. وتوفر هذه المنظومة دليلا مرجعيا موحدا لكافة الفاعلين في القطاع مساهمة في تقليص أوجه الغموض وفي الحد من تداخل الأدوار متيحة في الآن ذاته، إمكانية توضيح مكونات مسالك التوزيع هذه بشكل أفضل. ومراعاة للفوارق القائمة بين المسالك في المناطق الحضرية والقروية، ينبغي أن يراعي الإطار التشريعي المقترح الخصوصيات المحلية والواقع الاجتماعي والاقتصادي لمختلف الجهات من خلال إضفاء درجة من المرونة تتيح التكييف اللامركزي للقواعد المؤطرة لهذه المسالك بما يتناسب والسياق المحلي ويضمن الانسجام على الصعيد الوطني.
وأكد المجلس على ضرورة تأطير آلية التعمير التجاري لتنمية متوازنة للنسيج الاقتصادي المحلي ودمج أفضل للأنشطة التجارية في التهيئة الحضرية، موضحا أن التخطيط الحضري يضطلع بدور جوهري في الارتقاء بمسالك توزيع المواد الغذائية. وفي الوقت الحاضر، يجري تهيئة المناطق المخصصة لممارسة الأنشطة التجارية، بمختلف أشكالها، في ظل غياب استراتيجية معدة سلفا ورؤية متكاملة منسجمة ومندمجة، ودون استباق فعلي للاحتياجات المستقبلية الأمر الذي يترتب عنه اختلالات اقتصادية ولوجستية تحول دون تخطيط المجال الحضري على نحو أنسب، وضمان التوازن في توزيع البنيات التحتية التجارية، وتعزيز تنافسية النسيج التجاري وجاذبيته. كما تتسبب هذه الاختلالات في اختلال توزان العرض بين الوسطين الحضري والقروي من جهة وبين مراكز المدن وضواحيها من جهة أخرى، وفي اختناق حركة المرور بالمدن الكبرى، وعرقلة الولوج إلى المسالك.
وتقويما لهذه الوضعية، يقترح المجلس رسم معالم خريطة دقيقة بشأن مناطق الأنشطة التجارية، تراعي الخصوصيات الجغرافية والاقتصادية لكل جهة، وتحدد المواقع الخاصة بإقامة المساحات الكبرى والمتوسطة والمنصات اللوجستية ومتاجر القرب، وتضع حدودا فاصلة بين الوسطين الحضري والقروي، وحفاظا على التوازن بين التجارة التقليدية والعصرية، ينبغي إرساء إطار واضح لتوطين المساحات الكبرى والمتوسطة وضمان حسن سيرها، شريطة التقيد بحد أدنى من المساحة الإجمالية، وعلى سبيل المثال، وفقا لدفتر تحملات يعهد بمراجعته والمصادقة عليه إلى لجنة تتبع جهوية.
ودعا المجلس، إلى هيكلة حكامة مسالك توزيع المواد الغذائية وإضفاء دينامية عليها من أجل توحيد التدخلات المؤسساتية، حيث اتضح التشخيص المنجز في إطار هذا الرأي أن قطاع تجارة وتوزيع المواد الغذائية يتسم بكثرة الجهات الفاعلة، ما يفضي إلى ضعف تنسيق وتتبع وتنظيم هذا القطاع.
وشدد المصدر ذاته، على ضرورة سن آلية لليقظة وجمع البيانات لتعزيز شفافية القطاع، حيث إن قطاع التجارة والتوزيع بصفة عامة، وفرع المواد الغذائية بصفة خاصة، يفتقران إلى مصادر بيانات محينة وموثوقة، إذ تظل الإحصائيات المتاحة متناثرة ولا تشمل كافة مسالك التوزيع وحتى عند توفرها، فغابا ما يطالها التقادم بحكم استنادها إلى معطيات سابقة ناهيك عن صعوبة ولوج الأطراف الخارجية إليها، ما يحول دون بلورة رؤية شاملة ومحينة بشأن القطاع، ويحد من قدرة الفاعلين على اتخاذ قرارات مستنيرة، ومن اهتمام المستثمرين المحتملين للولوج إلى السوق.
ولمعالجة أوجه القصور المذكورة وتعزيز شفافية هذه الأسواق، يوصي المجلس بإرساء منظومة معلومات ويقظة استراتيجية منفتحة ودينامية قادرة على متابعة واستباق تحولات هذا القطاع الرئيسية وضمان تتبعه الدقيق والتفصيلي، واطلاع الفاعلين الاقتصاديين في القطاعين العام والخواص والمستهلكين على هذه الجوانب. ويقترح أن تحدد هذه المنظومة مؤشرات التتبع حسب المنطقة الجغرافية وطبيعة الأنشطة، ودرجة جمع البيانات ونشرها بصفة دورية على منصة رقمية تفاعلية ومفتوحة في وجه مختلف المستعملين. ومن الناحية التنظيمية، يمكن إخضاع هذه المنظومة لوصاية وزارة التجارة والصناعة، وتمكينها من التواصل مع ممثلي الوزارة على الصعيد الجهوي.
ودعا المجلس، إلى إرساء دعائم إستراتيجية مؤسساتية جديدة للنهوض بالتجارة التقليدية عبر الاستفادة من نتائج مخطط “رواج” ورصد أوجه قصوره، كما يتعين سن آليات تمويلية ومستهدفة ومطابقة لأحكام قانون المنافسة، لتشجيع اعتماد التكنولوجيا العصرية وتقوية البنيات التحتية اللوجستية. ويُرجح أن تساهم هيكلة المجموعات التجارية في تعزيز التفاوض مع الموردين وتقاسم الخدمات، شريطة التقيد الصارم بالقانون سالف الذكر. و دعم التنسيق بين الفاعلين في القطاعين العام والخاص، ومواكبته بواسطة مرصد وطني یعنى بتتبع مستجدات القطاع المشار إليه في التوصية السابقة. ويمكن للمغرب تسخير هذه الروافع الاستراتيجية من أجل إعطاء دفعة جديدة للتجارة التقليدية، وتوطيد قدراتها التنافسية، وتحصين دورها الاقتصادي والاجتماعي الأساسي.
وخلص المجلس، إلى ضرورة دمج المتاجر التقليدية في منظومة رقمية لتمكينهم من تنويع مصادر الدخل، حيث تلعب المتاجر التقليدية، أو محلات البقالة دورا أساسيا في مسالك التوزيع، وتكمن أهميتها في دورها الاقتصادي والاجتماعي. فتوزيعها الواسع النطاق في عموم التراب الوطني، وقربها من السكان، يمنحها قدرة فريدة على الاستجابة للاحتياجات المحلية، ويجعل منها فاعلا أساسيا في التجارة بالتقسيط. بيد أن ضمان استمراريتها ونموها يحتم تجديد أنماط سيرها، على ضوء التحولات التي يشهدها قطاع التوزيع وزحف التكنولوجيا الرقمية. علاوة على ذلك فإن الجهود الكبيرة المبذولة في مجال رقمنة الصناعات والخدمات لن تؤتي ثمارها الكاملة إلا إذا استندت إلى شبكة مادية ملموسة. وفي هذا الإطار، يمكن أن تلعب تجارة القرب دوراً محورياً في تشكيل نسيج ترابي كثيف يساهم في تعزيز الرقمنة. وتتيح هذه الدينامية للمتاجر المذكورة اغتنام فرص جديدة لتحسين مداخيلها، من خلال تنويع العرض وتقوية تجربتها مع الزبناء، وابتكار حلول مسايرة للتوجهات الاستهلاكية الجديدة.
في هذا الصدد، ذكر المجلس أن هذه المتاجر تتوفر على إمكانية الاندماج في المنظومة الحالية للمصالح الإدارية والمالية من خلال التعاون مع المؤسسات العمومية والمالية، لاسيما مؤسسات الأداء، والاضطلاع بدور الوسيط بين المصالح الإدارية وبين والمواطنين قصد تيسير ولوجهم إلى الخدمات الأساسية دون تحمل عناء التنقل، ما سيدر عليها دخلا إضافيا، ويعزز جاذبيتها، ويؤهلها للاستجابة للاحتياجات المتزايدة للمصالح المذكورة. مشيرا إلى أن هذا الاندماج ليس بالجديد كليا، بل يتجسد بالفعل في خدمتي تعبئة الهاتف المحمول وأداء الاشتراكات المتاحتين في محلات البقالة منذ عدة سنوات، بشراكة مع شركات الاتصالات.
تعليقات
0