في قلب إقليم الفقيه بن صالح، حيث تتقاطع طموحات الأفراد مع تحديات الواقع الاجتماعي والاقتصادي، تتجسد فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في أسمى معانيها، عبر قصص شباب ونساء ورجال قرروا ألا يكونوا متفرجين على واقعهم، بل صانعين للتغيير.
من خلال مشاريع تعاونية رائدة، استطاع شباب المنطقة – ومنهم أشخاص في وضعية إعاقة ونساء في وضعية هشاشة – أن يحوّلوا الهامش إلى مركز للفعل، واليأس إلى أمل، والإقصاء إلى إدماج ومشاركة فاعلة في النسيج الاقتصادي والاجتماعي.
تعاونية “كفاحي وإشراقة”: حين تُصبح الإعاقة منطلقا للإبداع والإنتاج

في مدينة الفقيه بن صالح، وُلدت سنة 2022 تعاونية “كفاحي وإشراقة لتموين الحفلات”، من فكرة بسيطة تقف خلفها إرادة لا تلين لخمسة أعضاء في وضعية إعاقة، قرروا أن يعملوا بدل أن ينتظروا.
•السعدية شرحبيل، رئيسة التعاونية، امرأة مطلقة من مواليد 1973، تلخص المسار بقولها:
“ما عشناه داخل التعاونية هو انتصار على الإقصاء، وبهذه المناسبة، أتوجه بجزيل الشكر لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي وضع الإنسان في قلب المشروع التنموي، وللمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي آمنت بنا ودعمتنا منذ الخطوة الأولى. كما نوجه الشكر الخاص للسيد العامل على ثقته ومواكبته التي صنعت الفرق”.
•عائشة بهيجة (1970)، عضوة مطلقة بدورها، قالت:
“مشروعنا منحنا القوة لنواجه الحياة برأس مرفوع، إذ لم نعد ننتظر المساعدات، بل أصبحنا نمنح الأمل لغيرنا”.
•أما الحسن مؤدن (1982)، فعبّر قائلاً:
“لم أعد أشعر أنني عبء على أحد، فنحن اليوم ننتج، نخطط، ونبني مستقبلنا بأيدينا”.
بدأ المشروع بإعداد الأطباق وتنظيم الحفلات، وسرعان ما فرض نفسه كمزود محترف وموثوق داخل المدينة، بفضل دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي وفرت التجهيزات والمواكبة، وساهمت في تحويل فكرة صغيرة إلى واقع مهني متكامل يفتح الأبواب أمام آخرين.
تعاونية الزيوت الطبيعية: مبادرة جماعية بروح فردية قوية
في سنة 2022 أيضًا، اجتمع محمد عشاب، رجل في التاسعة والأربعين من عمره، مع أربعة أصدقاء من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقرروا خوض غمار مشروع جديد: تعاونية لاستخلاص الزيوت الطبيعية.
بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، انطلقت التعاونية في إنتاج وتسويق زيوت مثل الزيتون، الأرگان، والخزامى.
•محمد عشاب صرّح قائلاً:
“حين أطلقنا المشروع، كنا نبحث عن فرصة، لا عن شفقة، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية منحتنا تلك الفرصة الثمينة، وواكبتنا منذ اللحظة الأولى، ونحن ممتنون لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على هذه الرؤية المتبصرة التي أعادت الأمل لآلاف المواطنين”.
وأضاف:

نجح المشروع في فرض نفسه كنموذج للإدماج الحقيقي، حيث تجاوز أصحابه كل العراقيل، وفتحوا الأفق لتمكين اقتصادي واجتماعي فعلي، يستند على الإرادة الفردية والدعم المؤسساتي.
YARA Fashion: قصة نساء حوّلن ماكينة واحدة إلى ورشة تمكين
في منطقة أولاد زمام، قادت فوزية الشعيني، البالغة من العمر 45 سنة، مغامرة غير مألوفة. رغم حصولها على شهادة الباكالوريا ودبلوم في ميكانيك السيارات، اختارت أن تتبع شغفها في الخياطة والطرز، فأسست سنة 2019 تعاونية YARA Fashion، رفقة صديقتها، بماكينة خياطة واحدة.
تقول فوزية:
“الدعم اللي جانا من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ماشي غير تجهيزات، هو دعم ديال الأمل. نشكر صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على هذه المبادرة اللي واقفة مع النساء، وكنشكر بزاف القسم الاجتماعي بعمالة الفقيه بن صالح على المرافقة والتشجيع”.
•وتضيف زميلتها سلوى:
“هاد المشروع علّمني نآمن براسي، تعلمت نخدم ونتواصل مع الزبائن، وهادشي كان مجرد حلم واليوم أصبح واقعا”.
التعاونية اليوم تنتج عباءات مغربية ذات جودة عالية، وتخلق فرص شغل لنساء في وضعية هشاشة، في إطار مشروع يجمع بين التمكين الاقتصادي والكرامة الشخصية.


تمكين حقيقي.. وتجارب تلهم المغرب
تأتي هذه النماذج الثلاثة في سياق الاحتفال باليوم العالمي للتعاونيات في يوليوز، لتسلّط الضوء على عمق وفعالية النموذج التنموي المحلي بإقليم الفقيه بن صالح، الذي يجد في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية رافعة استراتيجية للتمكين، وفي السلطات المحلية، وخاصة القسم الاجتماعي، شريكا فعليا في المتابعة والدعم.
من كفاحي وإشراقة إلى الزيوت الطبيعية، وصولاً إلى YARA Fashion، يؤكد أبناء الفقيه بن صالح أن التغيير يبدأ بالإرادة، ويُبنى بالتضامن، ويستمر بالدعم المؤسساتي والمواكبة المستمرة.
تعليقات
0