أحمد بيضي
الأربعاء 28 أكتوبر 2020 - 16:45 l عدد الزيارات : 32485
ذ. سعيد اخيطوش (°)
يعتبر إدماج تدريس اللغة الأمازيغية بالمنهاج المغربي من أهم الخطوات والقرارات الرامية إلى تحقيق مساهمة الحقل التربوي والتعليمي في إنجاح المصالحة الوطنية الشاملة، وذلك من خلال إدماج المكونات الهوياتية المغربية في المقررات والبرامج الدراسية بالمدرسة المغربية، فمنذ 2003 وأقسام المدرسة المغربية تشهد على التوالي إدماج لغة أخرى تتمثل في ذلك الجزء من ثقافة المجتمع وهويته، عبر عدة مراحل باعتماد صيغة الإدماج سنويا في مستوى من مستويات المدرسة المغربية، أي الوصول للإدماج الكلي في المدرسة الابتدائية في غضون ست سنوات متتالية، ثم إصدار عدة مذكرات ومراسلات وزارية كان الهدف منها هو توفير العدة التنظيمية والقانونية لتنزيل هذا الحدث غير المسبوق في المنهاج المغربي.
ومن ذلك على سبيل المثال المذكرة 108 الصادرة في فاتح شتنبر 2003 ثم المذكرة 82 سنة 2004، والمذكرة 92 لشهر غشت من سنة 2006 وصولا للمذكرة 130 سنة 2006. كل هذه النصوص والوثائق القانونية تحدثت عن التنظيم البيداغوجي لحصص اللغة الأمازيغية ثم تكوين المدرسين بمعدل 15 يوما تكوينيا موزعة على ثلاث دورات تكوينية على صعيد الأكاديميات والمديريات الإقليمية للتربية الوطنية. غير أن المتفحص لواقع حال هذه اللغة بالمدرسة المغربية ومختلف مكوناتها يخلص إلى كونها مجرد حبر على ورق، وأن مادة اللغة الأمازيغية موجودة فقط على استعمالات الزمن قصد التصديق عليها.
وتلك خلاصة يعيها بشكل جيد القائمون على شأن المناهج المغربية، ولكن دون تدخل فعال لتصحيح الوضع المهين لمكون من مكونات المنهاج الرسمي تماما كمادة التربية الإسلامية التي عرفت مراجعة منهاجية خلفت الكثير من النقاشات والصراعات سنة 2016، كما أن سنة 2012 ستشهد إصدار مذكرة وزارية تحت رقم 2952 بتاريخ 19 يوليوز بشأن تسريع وثيرة تدريس اللغة الأمازيغية عموديا وأفقيا بسلك التعليم الابتدائي وذلك بعد إعطاء الطابع الرسمي لهذه اللغة بموجب الفصل الخامس من الدستور المغربي لسنة 2011، وهذا في حد ذاته يعد اعترافا وزاريا بفشل السياسة التربوية في الجانب المتعلق بإدماج المكونات الهوياتية للشعب المغربي ضمن المنهاج والمقررات الدراسية.
فرغم تنصيص آخر مذكرة مشار إليها سابقا على عدة إجراءات وتدابير مثالية لتوسيع تدريس اللغة الأمازيغية، كلغة قائمة الذات، ضمن الهندسة اللغوية التي اعتبرتها لغة مدرّسة، بهدف تمكين المتعلم المغربي من التواصل بها بهدف يصل في عمقه إلى تمتين أواصر اللحمة والتقارب بين مختلف مكونات الشعب المغربي وتلوينات مجتمع يسعى أساسا لتذويب الخلافات وتجاوز حالات الوصم المقترنة بلغات تعتبر جزءا لا يتجزأ من المشهد اللغوي العام بالمغرب. هذه الإجراءات والتدابير كان أهمها اعتماد صيغة الأستاذ المتخصص ثم الاعتماد على الأساتذة المستفيدين من التكوين المؤطر بالمذكرة 82 المشار إليها سابقا منذ سنة 2004، ثم توسيع دائرة المستفيدين من المتعلمين وإرساء خريطة مدرسية تتضمن معطى التخصص وتسمح بتوسيع تدريس مكونات اللغة الأمازيغية أفقيا وعموديا.
كما أن تمحيص الوثائق والمذكرات المؤطرة للسياسة التربوية المغربية، في هذا الباب، يفضي إلى خلاصة مفادها وجود إشكالات عويصة ومشاكل مستعصية، إن لم نجزم بأن تدريس اللغة الأمازيغية لازال قابعا في نفس الموقع الذي انطلق منه سنة 2003 وهذا راجع لعدة تعقيدات خلفتها المراجعات المنهاجية المتتالية، فكل مدرس كان مرغما على إدراج ثلاث ساعات ضمن غلافه الزمني، تكون خاصة باللغة الأمازيغية ومكوناتها فقط منذ 2006 إلى غاية التجديد المنهاجي الأخير، والذي جعل من هذه اللغة مرافقا من حيث نفس الغلاف الزمني لحصص الدعم أو التكوين الذاتي وهو ما يدل قطعا على تقهقر واضح في مستوى الانخراط المطلوب من قبل مديرية المناهج لإنجاح إدماج اللغة الأمازيغية ضمن المنهاج المغربي.
فصحيح أن الغلاف الزمني المكون من ثلاث ساعات لا يستهان به من حيث القيمة المدرسية، ولمجابهة عدم تكوين المدرسين في هذه المادة وتدريس مكوناتها بالعدد الكافي، حيث يبلغ عدد المناصب المفتوحة سنويا في أغلب المديريات أقل من 1% من مجموع المناصب المفتوحة للتباري، كان الحل بالنسبة لمديرية المناهج هو إقران تنفيذ حصص اللغة الأمازيغية بحصص الدعم أو التكوين الذاتي دون الحسم حتى في أفضلية الاختيارات المتاحة بشكل رسمي، زد على ذلك عدم قدرة نفس المديرية على التنصيص وبشكل واضح على حصة المدرس المتخصص من حيث المدة الزمنية بالساعات أسبوعيا، وهو ما بدا جليا ضمن صيغة المنهاج الأخيرة – يوليوز 2020- الذي تحدث عن 27 ساعة مع اعتبار المذكرة 130 لسنة 2006 ضمن مرجعيات إرساء المنهاج علما أن هذه المذكرة تحدثت عن اعتماد مدرس متخصص كلما توفرت ثمانية أقسام في المؤسسة أي مدة عمل تصل إلى 24 ساعة أسبوعيا.
لتنضاف هذه الأمور لمجموعة من التعقيدات الميدانية التي تجابه إرساء نموذج وطني سليم في الاهتمام وتدريس اللغات الوطنية وعلى رأسها اللغة الأمازيغية، نجد من ضمنها ما يلي:
إشكال التهيئة اللغوية المدرسية: فالمتعلم المقبل على تعلم أية لغة غالبا ما يكون مطالبا بتقديم نفسه وتقديم زملائه والترحيب بهم باستعمال مصطلحات هذه اللغة وهذا أمر محمود في إطار خلق ما يسمى بالانغماس اللغوي، غير أن واقع الحال بالنسبة لتعلم اللغة الأمازيغية وبالضبط التقديم والترحيب بالزملاء فهو يتم بمصطلحات عربية من قبيل:كلمة “اسم” وكلمة “مرحبا” اللتان نجدهما في عدة مقاطع تعليمية ضمن مكون التواصل الشفهي. وضمن هذا الإشكال أيضا يدخل معطى التنوع اللغوي في الأمازيغية بين مختلف مناطق المغرب والذي نجده منعدما في عدد من المراجع والكتب المدرسية الخاصة بهذه المادة، بل الاقتصار في غالبية الأحيان على تمظهر لغوي واحد بشكل يقصي باقي التمظهرات الأخرى مما يسيء للغة الأمازيغية المدرسية في المناطق المتضررة بهذا الإقصاء.
التعصب المفرط والانتصار للتخصص: فغالبا ما تواجه المؤسسات التعليمية إشكالا حقيقيا في بلورة جداول الحصص واستعمالات الزمن عند تواجد أستاذ متخصص في تدريس اللغة الأمازيغية، والذي نجده في غالب الأحيان وحيدا يجابه اعتقادات وتعصب باقي المدرسين وانتصارهم المفرط لمادة تخصصهم متناسين وغافلين عن كون جميع المدرسين في النهاية، هم بصدد تنفيذ المنهاج وفق ما هو مسطر في الوثائق الرسمية وليس الاعتقادات الشخصية والتوجهات الفردية.
غياب التكوين والتكوين المستمر وانعدام تصور خاص بعمليات التأطير والمراقبة التربوية لإرساء نماذج محلية في تدريس اللغة الأمازيغية اعتمادا على خبرة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وكذا هيئات المجتمع المدني.
الغياب التام لتدريس اللغة الأمازيغية ضمن مؤسسات التعليم الخاص رغما كون ذلك جزء لا يتجزأ من المنهاج المغربي، بل ونجدها تدرس لغات أخرى كالإنجليزية مثلا التي تدرس في هذه المؤسسات منذ المستوى الأول ابتدائي.
إقصاء اللغة الأمازيغية من البرنامج الوطني لمحو الأمية وبرامج التربية غير النظامية، علما أن عدد من متعلمي التربية غير النظامية يتم إدماجهم ضمن أقسام عادية فور توفرهم على مؤهلات لازمة لذلك نجدها تقصي اللغة الأمازيغية من مستلزمات الإدماج ضمن أقسام المؤسسة التعليمية.
غياب أي تصور لإدماج تدريس اللغة الأمازيغية ضمن المجالات المقترحة في إطار الهندسة المنهاجية للتعليم الأولي رغم تنصيص الكتاب الأبيض على ذلك منذ زمن بعيد. فاللغة الأمازيغية قد تكون عامل جذب للمتعلم الصغير السن في عدة مناطق من مناطق المغرب العميق.
الاعتماد على اللغة العربية والفرنسية أساسا ثم إقصاء اللغة الأمازيغية من تنفيذ بعض المشاريع المدرسية كالتربية المالية واكتشاف المهن في إطار مقاربة التوجيه النشيط منذ التعليم الابتدائي.
استنزاف الموارد البشرية المتخصصة في تدريس الأمازيغية من خلال تكليفها بتدريس العربية أو الفرنسية أو من خلال انعدام الحركة الخاصة بهذه الفئة مما يضطر أفرادها إلى تعبئة طلبات الانتقال كمدرسين مزدوجين للاستفادة من الحركات الانتقالية.
ضعف الاهتمام بالبحث الديداكتيكي من قبل الوزارة والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والاكتفاء باستغلال الجانب الفلكلوري في بعض المكونات الثقافية الأمازيغية سواء في مناسبات مدرسية أو في شكل جوائز سنوية تمنح للفعاليات الثقافية والفنية وبعض المدرسين.
فرغم تنوع الخطابات الرسمية وتعدد الأهداف المرتبطة بإدماج اللغة الأمازيغية في المنهاج الدراسي المغربي من خلال الرغبة في الوصول ضمن مخرجات المدرسة المغربية لمتعلم قادر على التواصل باللغة الأمازيغية وإنتاج عبارات وجمل دالة ومعبرة عن أحاسيسه ومحيطه، فإن تدريس اللغة الأمازيغية يعد جرحا عميقا في جسد المنهاج المغربي من خلال انعدام قدرة المؤسسات الرسمية إلى غاية اليوم على تحقيق ولو جزء بسيط من الأهداف المسطرة. فغياب التكوين اللازم وقلة الموارد البشرية وغياب الاهتمام بمراجعات منهاجية تستهدف تحسين منهاج تدريس هذه اللغة، خصوصا مع تسجيل وجود اختلافات منهجية في تناول بعض المكونات بين الكتب المدرسية المعتمدة لتدريسها.
ليستمر نزيف هدر الزمن المدرسي من جهة، ويستمر إقصاء اللغة الأمازيغية بشكل تدريجي حتى من التواجد ضمن المؤسسات التعليمية، لكون الحديث عن تدريس مادة معينة يستلزم توفير كل الموارد المادية والبشرية لتحفيز دافعية المتعلم على الإقبال والانخراط الفاعل في بناء الدروس والمفاهيم المدرسية. فمراجعة المقررات الدراسية الخاصة بتدريس اللغة الأمازيغية وتنقيحها يعد ضرورة ملحة وملزمة لمديرية المناهج التابعة لوزارة التربية الوطنية وكل شركائها، بشكل يراعي الكفايات الأساسية للعيش المشترك في بلد التنوع الثقافي وقادرا على تحقيق التكامل بين مكوناتها من جهة وبين هذه المكونات ومكونات باقي المواد من جهة ثانية.
(°) باحث في قضايا التربية والتكوين – مفتش تربوي بمديرية خنيفرة
تعليقات
0