-
حميد ركاطة (°)
“صباح الخير أخنيفرة، مختارات زجلية”، هو ديوان يعالج العديد من القضايا، الذاتية، والموضوعية. ويعد من بين أهم الأعمال الأدبية المحلية، التي استلهمت البلدة الحمراء “خنيفرة” كمجال لها..
وقد تفرد هذا المخطوط الشعري، باستعماله لقاموس خاص، مستلهما الموروث الثقافي، والتراثي المحلي، مع ارتكازه في كثير من القصائد على الوصف، والانتقاد، والسخرية، والشخصنة، مع تقديم مواقف خاصة من الحياة الاجتماعية، التي وضعها على محك التأمل. وأبرز ما يلف ذاته من حزن، وضياع، وحسرة، وأمل، إلى جانب قصائد أخرى، ناقشت إشكال الحب بين القلب والعقل، وصورة المدينة- التي اعتبرها أنثى- إلى صورة المرأة الزيانية.
ولعل الاهتمام بالمكان، بقدر ما هيمن داخل العديد من القصائد، أبرز خصوصية العلاقة به، ومعه، وقد برزت من خلال مشاعر متضاربة بين الحب، والكراهية، والاعجاب، والسخرية. كما تنوعت تجلياتها بتنوع أغراض الشاعر ومقاصده. لنتساءل عن ما هي أهم المرتكزات الفنية والإبداعية في هذا الديوان، وبأية خلفية كتبت؟
1-المكان في قصائد أحمد وعتيق:
ارتبط الحديث عن المجال “الخنيفري” في قصائد أحمد وعتيق، انطلاقا من وصفه للمدينة، وضواحيها. كما في قصيدة “مال الورد” التي يرصد فيها الطبيعة الفيحاء بأزهارها، وفضاءاتها المحلية، التي لها مكانة خاصة لدى الشاعر. فمدينة رغم كونها محاطة بمجموعة من الجبال، فهناك نهر أم الربيع الذي يخترقها. ويقسمها إلى جزأين، وتنقل لنا القصائد عوالمها المفعمة بالحركة، والسعادة، والحب، والجمال، يقول الشاعر:
اطلق عينيك فالبعد وشوف شعوب لزهار فعرس الربيع
تيجان ورا تيجان تعشـق طيور شادية وزرابي تنويع
والما يخرخر فالسواقــي والجو راقي آية فالترصيـع
وهو ما شكل حوارا شموليا، تم نقله عبر الوصف، لإبراز التناسق الموجود بين مكونات مجالها، و هو ما حولها إلى لوحة تشكيلية، تجمع بين الطبيعة، والإنسان ضمن خلقة بهية شديدة التفاعل والتناسق. يضيف الشاعر:
زهر النوار بين لجبــال مفرش ريحتو تحرك لدواق
طيور وحشرات كلها لغات تقول جوقي أحسن الأجواق
والناس نسات هموم الحياة وجات للربيع تشافي لشواق
إننا إزاء مخلوقات رهيفة الاحساس، مفعمة بالدفء والجمال، و تفتح إمكانية الإطلالة على الحلم في أبهى صوره، على اعتبار ما شكله فصل الربيع من ترسبات في ذهنية الإنسان الخنيفري.
في حين يشيد الشاعر مقارنة بين مدينة خنيفرة، وشلالات نهر أم الربيع، فيبرزها كمدينة حزينة بسبب زحف الاسمنت، و اتسمت بقسوة الحياة بين أحضانها، و تمر أيامها بشكل رتيب. كما أن الحصار الطبيعي المضروب على المجال الحضري بخنيفرة، سيدفع الشاعر إلى البحث عن سر الحياة بمحيطها القروي، وهنا ستتم الإشارة إلى منابع نهر أم الربيع “عيون أم الربيع”، كمنفذ للترويح عن النفس. يقول في مستهل قصيدة تحمل نفس العنوان:
عيون المدينة عامرة حزان لوان الربيع ليها دوا
تزرع الأمل فيهــا حيـاة وتسكت الهم إيلا دوا
وهذا التفضيل، الهدف منه إبراز مفاتن هذه المنابع، وغاباتها الخضراء، ومناظرها الخلابة. لما لها من أثر على النفس والروح. باعتبارها منتزها طبيعيا فسيحا. وسنلاحظ تحولا على مستوى أسلوب الخطاب، من الحديث عن المدينة (كمجال اسمنتي) إلى الحديث عن الذات الشاعرة، بما تشكله من امتداد نفسي، وداخلي، يقول الشاعر:
طلعت لجبال نفاجي لهموم نلقى للروح سر صفاهـا
لقيت لشجار تعيش فعيـد طيور الفرحة فجو سماها
إلى خطاب موجه للآخر، ودعوة للاستماع بالجمال:
شوف الحياة فعيون المـا واسمع فالما صوت الأزال
بين صخور ضحكات زهور شلال الما راخي لديــال
اقرا لحجار تبع سطــور تمتع بنور وعيش ظـلال
هكا الحياة بغات تكــون نجات حلام بخيط خيــال
إنها دعوة صريحة تنبعث من الذات نحو الآخر، لتتضح بشكل جلي من خلال خطاب مباشر يروم رصد مكونات الطبيعة، بموازاة مع ما يعتري الذات الحزينة، فيتحول أسلوب الشاعر من الوصف الخارجي للطبيعة، إلى أسلوب يعمل على استخلاص الدروس والعبر من الحياة:
يا صحبي نزه عينيــك لا تخلي الخوا يديـــك
نزه عينيك تملي نظــر غدا يفوت هذا المنظـر
ربيع الحياة مثل الصغـر يجي بعدو خريف العمر
يمشي الصغر تمشي ليام تكشف لوان يدبال زهر
غني ولعب متع روحـك قبل لا يفوت هذا المنظر
كما استثمرت هذه القصائد الموروث الثقافي الخنيفري، وأبرزت خصوصيته المحلية، من عادات وتقاليد، ونمط العيش، وثقافة اللباس، مع إشاراتها للجوانب الفزينومية، من ملامح وسحنة الوجه..، كما في قصيدة “أطلسية” التي خصصها لوصف فتاة، يقول الشاعر:
“كاس بــلار مزروق تاجو فوق الكيسان
(..)
الفم خاتم منظـــوم الحاجب قوس لطيف
وبعد وصفه للملامح المميزة لسحنة الفتاة الزيانية وجمالها الأخاذ، ينتقل لرصد تفاصيل ومكونات زيها الأطلسي، حيث يقول:
حنديرة تشعـل موزون عنيبرة زيانيــة
أبو قس من لحريـــر لوشام عندو تعبير”
وسنلاحظ أن العلاقة بالمجال ستكون لدى الشاعر مواقف متعددة، ووجهات نظر مختلفة، تنوعت حسب زوايا الالتقاط. من خلال ما تكشف عنه قصيدة “داز الربيع” التي يقارن فيها بين فصلي الربيع، والخريف، و يستعرض مميزات، وخصائص كل منهما، بحيث يقول:
داز الربيع بنوارو
وحلاوتو وضحكو وشبابو
(..)
وجا لخريف بغمامو
وعجاجو وريحو وغروبو
وتيهو وعدابو وكروبو
وقنطو وموتو وبكاه”
ونلاحظ أن الارتباط بالمكان، يتجسد من خلال قصائد الديوان، في كل معلمة من معالم المدينة، ومن خلال رصد طبيعة الحياة فيها. حيث ينقل لنا صورا عن تداعيات فصل الشتاء ولياليه الطويلة التي تفرض على السكان عزلة قاسية بسبب الأمطار الغزيرة، والبرد القارص. وبما يحدثه نهر أم الربيع كذلك من فيضانات، تحول وداعته وجماله، إلى وحش كاسر وعنيف، و إلى مصدر للخوف، والرهبة، يقول في قصيدة “الليل غطى المدينة”:
“وكيما الشتا تصب
كيما يبكي قلبي
ويلا يهدى الواد
هكاك أنا نكون
والو بت حيران
والعين هجرها النوم”
كما ترصد هذه القصائد هواجس الشاعر ومخاوفه الدفينة. كلما ربت مياه النهر، وغمرت المنازل المجاورة. فظل النهر في ذاكرة سكان المدينة يشكل على مدار عقود سحيقة، منبعا للمشاعر المتضاربة. بسبب الأحداث التي تجرعوا مرارتها. كما تتغير رمزية نهر أم الربيع ودلالتها من رمز للحياة، والخير، والخصب، في بعض الفصول إلى مصدر للرعب، والخوف والدمار في فصول أخرى. تحول تتغير معه نظرة الشاعر إلى المجال الخنيفري، وإلى نهر أم الربيع تحديدا، لأنه لا يحمل في طياته سوى الموت، والحسرة والألم. يقول في قصيدة “اسمع الرعود”:
” شوف السما آش تولد
راها فالزحمه
لعماق تتمزق
ولرياح فالغابة تكسر لشجار
(..)
حملات الويدان
وفالمدينة غرقات الحيطان
والناس دايره
يديها عل القلوب “
إنه سؤال مفعم بالحسرة والدهشة من تحولات فصل الشتاء” فصل الحزن” بامتياز. فإذا كانت مناطق أخرى من المغرب، تستبشر بالقطرات المطرية الأولى دلالة على مقدم الخير، فإن سكان مدينة خنيفرة حسب الشاعر، كانوا يعيشون حينها لحظات قلق حاد، وفزع رهيب، حيث يتحول نهر أم الربيع “أم الأربعين” خلال فصل الشتاء إلى نهر للفداحات الكبرى والمآسي المفتوحة كجرح أبدي.
ويستمر الشاعر في تصوير معالم المدينة بنوع من الدهشة، وبفنية عالية، لكنها مفعمة بمفارقات كثيرة، انطلاقا من تحديده لنقطة ارتكاز أولية، كما في قصيدة “قدام الشرجم”، حيث نقل كل التفاصيل التي تؤثث المكان، بنوع من السخرية الدالة على الاهمال، و التفريط في الموروث الثقافي المادي، يقول:
“ودن العاصر
من الواد لهيه،
فجامع القنطرة.
(..)
جاج موسخ مشقوق،
خشب قديم،
حيط راشي،
وريحة زمان.
برا مور السور
سقف المدرسة قرمود
عليه بلارج ساكن،
(..)
قبور النصارى فالجنب،
الكنيسية مهجورة
يسكنها الخراب.”
2- الشخصنة والسخرية:
هل يمكن اعتبار أحمد وعتيق شاعرا ساخرا، نظرا لما تضمنته قصائده من وخز حاد، انتقد من خلاله البلدة الحمراء التي ظل وفيا لها، وعاشقا لها حد الجنون؟
لعل السخرية من سمات شاعر مرح، كرس حياته للأدب والفن، وقضى ردحا كبيرا في التشكيل والابداع، فكان التقاطه مبنيا على دلالات مفعمة بالرمزية، سواء عند وصفه لمعالم خنيفرة أو من خلال ما أقامه من مقارنه بينها وبين بشلالات عيون أم الربيع. فظلت المدينة في عينيه حزينة، وتسبب الضيق، والهم.
ولعل هذا الأمر راجع لتداعيات الجوانب النفسية على الكتابة، التي تماهى فيها ما هو ذاتي بما هو موضوعي على محك الواقع، وعرى عن مكنون المشاعر، عبر توظيف المنولوغ، وبلجوئه إلى شخصنة الواقع، عبر إدراجه للعديد من التفاصيل على ألسنة الحيوانات والطيور. كما هو الأمر في قصيدة “كان فيام الله” التي تبرز الاعتداء على الحريات العامة، مع ما تلا ذلك من تبعات وآلام تكبدتها الذات الكاتبة الجريحة. مما جعلها صورا تجسد ما تعرض له مناضلو خنيفرة، من تنكيل،- زمن ما كان يعرف بسنوات الرصاص والجمر-. فالقصيدة كتبت برمزية عالية جدا، ومكتنزة بالعديد من الصور الدالة والعميقة. يقول في مستهلها:
كان فيـام اللـــه واحد الطير جميل
والصيادا فالغابــة ريتلوها ريتيــل
والدنيا كيف سحابـه تغرق فليل طويـل
جات ضربة فجناحـو طاح من سماه يميل
فمطلع القصيدة بقدر ما يحيل بشكل رمزي على الغارة المفاجئة التي عكرت صفو الحياة، تبرز في المقابل اعتداء وظلما وتدميرا للحياة الهادئة، و تبرز مشاعر ألم الطائر، ونفسيته المنكسرة، التي أطالت الصدمة أمدها. يقول الشاعر:
بقا يكابد لمحــان وبقى يداري لحزان
تمه بين الصخـور والهيه فالغيــران
يساين تبرا الجراح ويعود فسماه طليق
وطال به مقـــام وضاق قلبو ضيـق
إنها الندوب التي تحملها الضحية بين جوانحها وفي أعماقها وقد وشمت حياتها بالعجز المطلق أو بالموت بالتقسيط. يقول:
لطيار كلها تهاجـر تمشي لشلا بلدان
وهو مكسور جناحو يعيش بين الغيران
فالقصيدة يبدو أنها تكتسي طابعا حكائيا أقرب إلى حكايات الجدات، وما يعلل هذا الطرح ديباجة مقدمتها “كان فيام الله” الموغلة في ماضي سحيق، وإضمارها لزمن صريح محدد بشكل جلي. حتى تظل بملمحها مسايرة لكل الأزمنة. ويضف الشاعر:
“ومشى فطريقو صابر غادي يجر جناح
وشلا عداب يــدوق فليل دون صبـاح”
في حين يبرز الملح الساخر المنتقد للسلوك الاجتماعي والأناني بصفة عامة في قصيدة “صباح الخير أخنيفرة وفي قصيدة ” شوف قدامك “. وتنتقد القصيدة الأخيرة، ما يترتب عن ظاهرة البذخ في الأعراس، من طرف بعض الأسر المعوزة، من مآسي، وديون تثقل كاهلها. يقول:
شوف قدامـك يحسن عوانــك
داير حفلـــة غارق فالديــن
شوف هبالــك أش خلا لـــك
فهذا الرصد، هو التقاط دقيق للعديد من التفاصيل التي تحيط بحدث مماثل، وتكشف عن تداعياته السلبية، نفسيا واجتماعيا، واقتصاديا، مع ما يترسب من غبن في النفوس بعد رحيل العريسين. يقول الشاعر:
جوج طيــور طارو بعــاد
فوق حجيـرة كانو سعــاد
عرفو رجـاك جلسو حـداك
دازو لهيــه ضحكو معـاك
غابو فليــل بين افـــلاك
فالحفل، بقدر ما يخلق سعادة البعض، يخلق تعاسة البعض الآخر، ويترك أشجانا وأثقالا من الصعب تحمل تبعاتها.
أما قصيدة “صباح الخير أخنيفرة” والتي شكلت عتبة الإضمامة الشعرية، فتعتبر من أجمل القصائد، بما تم تضمينه فيها من وصف للأمكنة، و بما نقلته بصدق فاره عن حياة سكان المدينة.. وهو ما يحولها لرصيد لامادي، يحاول الشاعر من خلاله رصد معالم المدينة عبر فصول مختلفة، وقديمها بأسلوبه الساخر، الذي تمتزج فيه العديد من الأحاسيس المتضاربة. توزعت بين الحب والسخرية، والاحساس بالكينونة والشعور بالتذمر.
فالقصيدة تبدأ بالحديث عن عودة الشاعر، الذي غاب طويلا، تحدوه الرغبة في معانقة معالم مكان منقوش في الوجدان، كان يأمل من كل أعماقه أن يحدث في بنياته التحتية بعض التغيير الايجابي، يقول:
صباح الخير أخنيفرة رجعت ليك بعد عـوام
ساكت وصمتي كـلام فايق وطريقي حــلام
هذي جبالك المغمومه وهذا وادك الحيــران
وهذي حيوطك الحمرا مصبوغة بلون النسيان
والناس شباح النـاس كلها فحالو وحـــلان
غير أن القارئ سيلاحظ صدمة الشاعر، تجاه المحيط وأفراده، انطلاقا من مطلع القصيدة وبما تملكه من شعور سيء لحظتها، وهو يرصد ما يعتري ذوات الآخرين من مشاعر متناقضة عبر مختلف الفصول، يقول:
جيتك وقت الربيـع والشوق صار لوان
عهدي بـك عروس وكان ليك جنــان
أما في فصل الصيف فمناخها متقلب، وتسبب الضيق بحرارتها المفرطة:
جيتك وقت الصيـف الدنيا عجاج ونيران
إضافة لما تعرفه في فصل الخريف من تقلبات، شبهها يوجه مريض ملأه السقم والألم والحزن. وهو ما يبعث في النفس الأشجان.
وإذا كان وصف معالم المدينة ومناخها، تبعا للأزمنة والفصول والتغيرات التي تعيشها بسبب سوء الأحوال الجوية. فهي تظل رغم ذلك مدينة محبوبة، ومرتعا للطفولة، ومسقطا للرأس. يقول الشاعر:
فيك دوزت شبابي وشفت المر والمليح
فيك قريت حروفي وفيك زرعتها للريح
لين تمشي ليـام ولين تمشي لقـدام
منك سافرت بعيد ومنك هاجرت عوام
قلت ننسى لهموم ونعيش عيش سلام
وثاني هاج الشوق وثاني دارت ليــام
وجيتك وقت خريــف ولقيت يومك حــان
فوجهك مرض سنيـن وقلبك عش حــزان
كما شبه الشاعر المدينة بفتاة، لا تزال شابة، لكنها تجرعت مرارة الألم واليأس والعذاب فشاخت بشكل مفاجئ، و بات الموت يهددها في كل لحظة.
شختي فعز شــباب وصرتي بين لحـود
صباح الخير أخنيفرة يا ثلث خالي منكـود
إنه هجاء ممزوج بأسى، يولد المرارة، وبالتالي يبعث على السخرية والحيرة من مدينة اعتراها النسيان والإهمال. حز في نفس الشاعر أن يراها كذلك، ورفض أن تصبح منسية.
وتتقاطع قصيدة “واد الريح” مع العديد من النصوص السابقة، في إحالتها وانفتاحها على أسئلة عميقة كالجرح، وحبلى بالحيرة والضياع، ساخرة، ومنتقدة للأوضاع الاجتماعية للإنسان. أسئلة تقارب القيم وتضعها محط انتقاد. و تتخذ كمرتكز أساسي لها، ذات الشاعر ومحيطه وعلاقاته، من خلال اعتماد الأنسنة، ضمن حوار داخلي، مفعم بالحيرة يقول:
أنا فغربتي وحداني
ساير نفكر
فربيع مدة ما جاني
ورميت فمد العين سؤال
قلت: علاش ها كا ليام؟
جات الريح تبرجم
ما ردات جواب
وطاح السؤال
خلى حرقة فالقلب
واليوم غدا
بقات رشمه
تفكرني فالسؤال
إنها أسئلة القلب المفتوح على الحرقة، والجرح، تسائل الريح مجازا، دون أن تظفر بجواب مقنع، لتضحى مفتوحة على الجراح الدفينة كوادي الريح.
قلبي مفتوح
على واد الريح
والدنيا غايمه
ليل وصباح وعشيه
ما ردات جواب
وبقى قلبي مجروح
مفتوح على واد الريح
3-الكتابة والجسد من خلال قصائد الديوان:
نلمس في قصائد أحمد وعتيق نبرة حزينةـ خصوصا فيما يتعلق بقصائده العاطفية، وهي نصوص مستقاة من تجارب عاطفية خاصة، نتجت عن آلام الحب، وبسبب الخيانة. كما يمكن اعتبارها كنتيجة مباشرة، للتحولات التي عرفتها القيم الإنسانية. وقد جسدتها قصائد الديوان عبر اعتماد تقنيات متعددة. ومن خلال الارتكاز على المتقابلات الضدية، والمقارنة والسخرية.
من هنا تستشف أنها قصائد امتزجت بميسم البوح، والاقرار، والاعتراف الضمني، ولامحالة أن تداعياها تدفع بالجسد نحو الفناء، من أجل الأخر، أو الآخرين، دون إدراك لما يرتج في الأعماق، من مشاعر متضاربة من (قوة ،وحزن، وبذل، وعطاء). يقول في قصيدة “شافت بطرف العين”:
حالي حال الشمعـة تبكي دمعه دمعـه
تفنى باش تضـوي حتى تغيب اللمعـة
وتنساها القلــوب ولا ترجع رجعــه
فهي قصائد تغني للحزن وللفراق، في ظل لحظات الاحتراق المندلعة بالأعماق، في غياب كل قدرة على إخماد لهيبها. قصائد موشومة بسحر اليومي، ولحظاته المنفلتة من عقال الزمن، ومن عنف يومي يجعلنا نضحك حتى البكاء. جاء في قصيدة “عيون مغيامه” التي ينتقد فيها الفراق ولوعته:
هكذا ليام تديــــر تفرق مجمع لحبـاب
تبكي البال الهانــي وتضحك وسط عـداب
وبقدر ما ترصد أحداث القصيدة وداعا نحو اغتراب مفروض بالقوة، بسبب استحالة العيش في وضع يائس، لا يفي بالشروط الانسانية الكريمة، تكشف ضربا من العبث، من كون الرحلة كانت نحو المجهول، واقتفاء لسراب منفلت، لحظة فراق ممزوجة بالدموع والحسرة، مع غياب كل قدرة على إيقاف لحظات رحيل فتاك، شابها أمل لقاء، خادع. يقول:
وغاب نور الأمــل وداز بينا الحجــاب
ودارت بيــا دورة ومشى عقلي فغيـاب
ودعتو وانا تايـــه والروح معاه مشـات
وغام فعيني لوجــود وخوات عندي الحيـاة
وإذا كانت لحظات الفراق قد كشف فيها الشاعر عن أحاسيسه النبيلة ولو بشكل مضمر، تعبيرا عن الحب الصادق. فإنها ما لبثت أن تنجلي بوضوح في قصيدة “صورتك الزينة” والتي يمكن اعتبار موضوع أحداثها، تتمة لقصيدة “عيون مغيامة” بإحالاتها على الاغتراب، والفراق، و هي قصيدة يتم فيها استخدام تقنية القلاش باك” لحظة تأمل إحدى الصور:
“صورتك الزينة خليها فالقلب
بها نتفكرك ديما
إيلا مشات ليام ومشينا
بها نتفكرك ديما”
(..)
كثرات لشواق وقلبي ضاق
بيناتنا لبحور بناتنا بلدان
واش جا ما لا قى”
إنها نوع من النجوى الداخلية التي سرعان ما سوف تعري عن رغبات دفينة في الحنايا، مفعمة بالأمل والانتظار حد اليأس:
كثرات لشواق وقلبي ضاق
بيناتنا لبحور بناتنا بلدان
واش جا ما لا قى”
وتتجلى حيرة المحب، بين خطاب العقل و خطاب القلب، وبشكل متوازي بين اليأس والأمل، المحاولة والنكوص، عبر تداعي صور، أبرزت مناجاة نابعة من روح ملتهبة، لكن يثبط عزاءها عقل يائس. يقول الشاعر في قصيدة “فين يمكن تكون”:
فين يمكن تكـون واسع هذا الكــون
قال قلبي نــون جول تا تلقــــاه
فالقلب سيظل وفيا لعهده، وفي ظل انتظار حارق، متمسكا بالأمل وبلقاء وشيك.
فالقلب باقي عهـد محال يسكنو حـــد
ليك عندي صـورة ما لعبت بها ريــح
لا شتا عليها مــر ولا صهدها صيــف
هي فروحي ســر ما يلحقها زيـــف
وسيبرز صراع القلب والعقل، عبر إيمان الأول وتشبته ببصيص أمل، وبإصرار الثاني ويقينه باستحالة ذلك اللقاء المرتقب. وهو ما انعكس في طرحه وهو يصدر أحكامه:
فين يمكن تكــون واسع هذا الكــون
شحال الزمان يطول نجول تا نلقـــاك
4 -العلاقات الإنسانية من خلال قصائد أحمد وعتيق:
كما تناولت أزجال الشاعر أحمد وعتيق، قضايا أخرى من قبيل، العلاقات الإنسانية بنوع من الحسرة، والندم، كما هو الأمر في قصيدة “يا بعدي” التي يمكن اعتبارها حسرات منبعثة من الأعماق، على الخيانة، وخيبة أمل في لقاء حبيب انقطعت أخباره. وكشفت عن معاناة المحب الذي كثرت هواجسه وتملكه الاحساس بالنبذ، وهو يحاول أن يتجرع الخيبة والنسيان، يقول الشاعر:
يآ بعدي عل العـــدو فالثلث راه رمانــي
اسقاني لشـواق وراح وحين بغيتو خلانـي
خلاها تحرق كيانــي ما نويت هذي ثانـي!
فصحرا ما تتصــور تسف الروح والعمـر
ما بكى عل الفــراق ما راسل ما فكـــر
انفى قلبي وجـــلاه وانسى خيري وانكـر
وإن كان هذا الإحساس في مطلع القصيدة يدخل في دائرة الشك، فإنه سرعان ما تحول إلى يقين، وحقيقة لا مفر منها، وتحول معها أسلوب الخطاب، من الحسرة إلى الهجاء، من خلال تذكيره لحبيبه الخائن، بتضحياته، وإخلاصه، وتفانيه، التي تنكر لها ، وعصف بها بهجره المقيت، وعمق جرحه، فحول حبه له إلى “كره”، ولوم مفعم بالقسوة.
ويتكرر هذا الطرح في قصيدة “ما نويت طبعك ديب” التي تعالج الخيبة،والخيانة فما كان ينتظره الشاعر من حبيبته، بعدما حول ذاته إلى مزرعة للأشواق، و هو الذي جعل نفسه رهن إشارتها، وضحى من أجلها بالغالي والنفيس، لكنها عاثت فسادا فيها بما أحدثته من فوضى عارمة.
ما نويت طبعك ديب
ولا صفاك يغير لونو
(..)
ياك القلب الغالي
حطيتو بين يديك
غرستي فيه دوالي
(..)
وقلبك داك الغرار
خلق فوضى فالروح
غير النور بنار
خلى غرسك يروح
فالعلاقات الانسانية في تشعبها، وتعقدها يستحيل العيش في تناقضاتها، وفوضاها وتقلباتها المفاجئة، فيضحى من المستحيل أن يسبح الانسان عكس تيارها، وهو ما يجعل من مواساة الذات، مجرد وسيلة للتجاوز والنسيان.
الليل أصبح حبيب
صمتو يداوي لجراح
فطبيعة العلاقة التي تربط المبدع بمحيطه الاجتماعي، تعكسها مرايا هذه القصائد الصقيلة، وتبرز تجربته الحياتية المليئة بالانكسارات، مما قد يرسخ في ذهن المتلقي، أنها قد تتحول لأسلوب خاص في الكتابة، يرصد ببهاء عمق المعاناة الانسانية، يقول الشاعر في قصيدة “وحلا مع هذا الهم”.
وحلا مع هذا الهـم فقلبي ساكن ديمــا
كلما جيت نفــوج يطلع كيف الغيمــة
ونبات فيه نخمــم والعين تجري الـدم
ونقول غدا يصبـح ويفتح صباحو بالخير
فالرصد ينطلق من الذات، وإليها، كخلاصات واستنتاجات، من مسار تجربة حياتية شحصية، عاشتها الذات الشاعرة خلال أحقاب، وأضحت سلسلة من النهايات موجعة، يقول الشاعر:
” فالخوا تصرف العمـر والخوا سباب التيــه
والخوا ليه مواليــه شراو وباعو فيـــه
وبان ليا بالميــــز خسران فالبقيــــة
شحال قدك تعيـــش عمر واحد فالدنيـــا”
و سنلاحظ تحولا ملفتا للانتباه في القصائد المتأخرة للشاعر أحمد وعتيق، حيث ستتحول خلالها الذات الشاعرة، من رصد الوقائع الحياتية، ونقل تفاصيلها الخاصة، إلى الكشف عما يمور في أعماق الذات، من خلال سفر يستغور الأعماق المشكلة لمتاهات الروح، بنوع من التأمل الملفوف بالدهشة والحيرة، في أسرار الكون، وقد عسر عليه فهم مختلف التحولات السريعة التي حدثت حوله على حين غرة بحثا عن حقيقة ما.
هكذا تعود بنا قصيدة “مسافر في دروب الحياة” نحو زمن ولى يقارن فيه الشاعر بين مراحل عمرية من حياته. بدا له فيها ما انقضى من عمره مجرد خطوات ظلت مقيدة، ومكسورة الجناح، بينما لا يزال هو يمضي مقتفيا وقع صداها الهادر.
“لعمر فالحياة سفينــة بها تلعب لريـــاح
بالكد نرمي خطـــوه مقيد مكسور جنــاح
(..)
فينو الصغر فينـــو ما بقى غير صــداه
كان برقو غــــرار وسحابو داز نـــواه
فينو داك الولــــد محال غادي نلقـــاه
لقد بلغ نبد الذات حدوده القصوى، وكأنها محاولة من الشاعر لانسلاخ روحه عن جسده، وهو ما كشف لنا عن ميسم تصوف عاشق، رام من خلاله البحث عن خلود روحه، بعدما اقتنع بكون المآل النهائي في هذه الدنيا، هو العودة نحو نقطة البداية، وإيمان صادق بالقضاء والقدر، يقول:
تبغي فعمرك فجـــرو وفجرو مرهون معــاه
والزين داك السامـــي فالتراب مكتوب فنـــاه
هذا فالكون حســـاب ربي منزه فبقـــــاه
وتبرز عبثية الحياة، وتفاهتها، بنوع من الحسرة والندم كلما تقدم العمر بالشاعر، فتتحول بالنسبة إليه ضربا من العبث، والذات الفانية مثقلة بالمتناقضات، والانسان مجرد شبح ضائع، وحائر، وتائه يحاول تلمس طريقه في ظل فوضى الحياة العارمة، وهو ما يتجسد بشكل كبير في قصيدة” ” فالتيه ضاع عمري “
فالتيه ضاع عمري ما سقت خبار
فالبير غاب سعدي ليلو ونهار
وأصبح شبابي مثقل علي عار
إن هذه اللازمة الملغمة بقدر ما تبرز كتردد لمجموعة من المقاطع، تفتح الذاكرة الجريحة على أسئلة التيه من جديد، وتلقى بشررها وفيوض القلب، والروح في عمق الحيرة، يقول الشاعر:
وبدا الغروب مع المهلل
وجا الحصاد فزمان الربيع
باغي لحساب فيدو منجل
إنها الفوضى المطلقة، والاختلال العارم، لدواليب الأزمنة والفصول الدالة على النهاية، والفناء:
مثل كواغط تلعب فالريح
إيامي ضاعت ضاعت فالريح
وجهدي داب .. والعقبة فين!
وستستمر نفس النبرة الحائرة، والحزينة كتيمة مسيطرة على قصائد هذا الديوان، مبرزة رحيل العمر بسرعة، استعدادا للأفول، وطلبا لنسيان مؤقت، أو راحة أبدية. بحثا عن عودة للحظات الصفاء، والفرح. وقد لمسنا هذا الطرح في قصيدة ” غابت الشمس” التي تضمر العديد من النداءات، والأسئلة الحزينة، يقول الشاعر:
“واش يمكن نلقى طريقي ثاتي
ونعود للوجود
(..)
فرحيل العمر تخالفات الطرقان
آش من طريق للهم رماني
(..)
غربت الشمس آحياني
والقلب فبحر لحزان
كيف يمكن ثاني
نعود للوجود”
وهو ما جعل هذا النص يتقاطع مع العديد من القصائد الدالة على الحيرة، والحزن والتيه، والخوف، والندم، من خلال حوار ذاتي عميق، بحثا عن خلاص ممكن. للعودة إلى الحياة الطبيعية من جديد.
ونفس الطرح السابق سيتكرر في قصيدة “ما نتاش اللخر” التي يمكننا اعتبارها نقدا ذاتيا، يمارسه الشاعر بشجاعة كبيرة. ويعلن فيها رغبته الصريحة في العودة إلى الحياة ومباهجها، واستعادة اللحظات الجميلة التي انسلت من بين أصابع يديه كالماء. عزم لا يوازيه سوى الرغبة الملحة في تصحيح مسار حياته، ورغم ما يعانيه من آلام يصعب مداواتها، ويعاني من جروح يصعب مداواتها، يقول:
“مانتاش اللول
اللي جرب ليام
مانتاش اللخر
اللي تألم ألم
مانتاش البادي
للي تيق لحلام
مانتاش التالي
اللي ندم ندم
لو كان العمر يطول”
5) التأمل الوجودي
تبرز قصيدة “نوصيك يا خويا” تبدو كوصايا لقامان الحكيم لابنه، فجاءت مفعمة بالحكم، والعبر، والمواعظ، المستخلصة من تجارب حياتية عديدة، لذات خبرت كل انكسارات الحياة وقسوتها، فعملت في النهاية على تقديم نصائحها للآخر، تحقيقا للخير والسعادة، يقول الشاعر:
“راه الناس تشـوف والقليل منهم رفيــق
فالكلام كن لبيــق واعرف الصمت يليـق
عاون وجد حـاول وراوغ وعيش وفيـق
الله وحدو الكبيــر حبو فالرخفة والضيـق”
في حين يستمر انتقاد الذات التي يشبهها بالأرض البوار في قصيدة “صمت الموت” و لا يتوانى في وضعها على كرسي الاعراف، ليفضي بكل أسرارها الغائرة، يقول الشاعر:
حاطك صمت الموت ومنك جوارح همـدات
ومللي طحناتك ليـام وعدتي غبرة وشتـات
الزمان فرشك بظـلام وغطاك بظل ثقيـــل”
ولعل الإحساس بالموت هو صرخة في وجه الانكسار، وتأبين متأخر للذات الشاعرة، مما جعل أناتها الصامتة، تبدو على شكل منولوغ داخلي، مفعم بالأنين، والحسرة.
// على سبيل الختم
بقدر ما احتفى هذا ديوان” صباح الخير أخنيفرة” بالمجال إلى حد شخصنته، عمل على تقديم رؤية خاصة حول ما يمور بذات الشاعر، من مواقف، وقضايا متضاربة. وقدمت منظورا خاصا لمفهوم المكان.- سواء كحيز رمزي، أو جغرافي، أو دلالة على الانتماء، والهوية.- وكانت تحدوه رغبة ملحة في أن يراه في أبهى الحلل. وهو أمر لم يكن ممكنا في ظل الحصار والتهميش الذي كان قد ضرب على المدينة لعقود من الزمن. كما تضمنت بعض القصائد، معطيات عن معالم المدينة الحضارية، وأبرزت ملمحها الثقافي ضمن مواقف إنسانية ساخرة، أو عبر الشخصنة. فالعلاقة بالمكان لا تتجاوز الاطار المحلي، إلا في بعض القصائد منها ” قصيدة أوريكا ” ما جعلها وفية لصورة نموذجية في ذاكرة صار يعتريها النسيان، كلما تقدم بها العمر.
في حين ظلت النظرة إلى الحب متقدة في العديد من القصائد، ونابعة من حرقته تجاربه الشخصية المختلفة حسب أثرها، ووقعها على الذات، و مدى نجاحها، أو فشلها. غير أنها ظلت في الغالب ذات نهايات موجعة، احترقت بها حنايا الشاعر. ولم يفت الشاعر من الإشارة إلى اغتراب الذات، وعزلتها، وهي تطرح أسئلتها الحارقة بجرأة ناذرة. كما اتشحت بعض القصائد بميسم صوفي، وتماهت في العديد من مواقفها مع الطرح الديني، أو الفلسفي الوجودي من خلال رصدها لمآل الإنسان وتقديمها لمواقف، تباينت تبعا لما يقصد بها من أغراض: كالابتهال، والنصح ، والتذكر، والحسرة، والندم. من خلال فتحه لغياهب ذاكرته الحزينة، والجريحة بحثا عن حلول صوفي، وخلاص أبدي، وفي محاولة أخيرة للدفع بالذات للعودة بقوة نحو الحياة المحلوم بها من جديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذ. أحمد وعتيق صباح الخير أخنيفرة” مختارات زجلية “سلسلة منشورات جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة ، عن مطبعة ديهيا ببركان الطبعة الأولى 2021
ملاحظة: “مختارات زجلية” للشاعر والتشكيلي الخنيفري الراحل المرحوم أحمد وعتيق، هو ديوان شعري، يجمع بين الشعر الزجلي، والفصيح، اشتغلت عليه لما كان مخطوطا. وأنجزت هذه الدراسة بتاريخ 8 غشت 2012. كما كنت قد كتبت تقديما للديوان، لم يتم نشره مع الطبعة الورقية، بتاريخ 13 مارس 2014، وكانت تحت عنوان” لكي لا ننسى” أشرت فيها لأهم مضامين بعض القصائد، مع ما قدمه أحمد وعتيق من إسهامات في ميادين أخري كالمسرح، والتشكيل والبحث الأكاديمي.
(°) روائي، ناقد وقاص مغربي، من أعماله “جمالية القصة العربية القصيرة جدا”، “دموع فراشة”، “ذكريات عصفورة”، “مذكرات أعمى”، “أسرار شهريار” (عمل مشترك)، “حياة واحدة لا تكفي”..
تعليقات
0