أحمد بيضي
الخميس 4 أغسطس 2022 - 01:25 l عدد الزيارات : 34574
د. محمّد أمحدوك (°)
الملخص:
يرتبط نجاحُ انتقال اللّغات من الوضع اللّهجيّ إلى الوضع المعيار بشكلٍ كبيرٍ بمدى نجاعة التّدبير «الأكاديميّ»، أي تحرّي النّهج العلميّ في الأطوار المحدّدة لسيرورة المعيرة، وتدخّل العامل «السّياسيّ» في إصدار التّشريعات اللّازمة لتثبيت المعايير اللّسانيّة، وترسيخ مخرجات البحث الأكاديميّ في الحياة العامّة.
وبالنّسبة للّغة الأمازيغيّة، فقد باتَت تعيشُ في المغربِ منذ زهاء عقدين من الزّمن مرحلة تحوّلٍ كبيرةٍ تفاعلت فيها المضامين السّياسيّة والعلميّة لتخلق حراكاً ثقافيّاً واجتماعيّاً قوامه الانتقال التّدريجيّ من الوضع الشّفويّ إلى الوضع المكتوب، حيث شكّل تأسيس المعهد الملكيّ للثّقافة الأمازيغيّة سنة 2001م، وإدماجها في المنظومة التّعليميّة سنة 2003م، وترسيمها سنة 2011م، فضلاً عن حركيّة الإنتاج الأدبيّ باللّغة المعيار، وتنامي الوعي النّخبويّ والشّعبيّ بالمشروع الأمازيغيّ، أبرز تجليّات هذا التّحوّل.
غير أنّ وضعها السّوسيولسانيّ يطرح تساؤلاتٍ كثيرةًمرتبطةً بوتيرة وأشكال تدبير هذه الدّيناميّة الواسعة، سياسيّاً وأكاديميّاً، لا سيّما أنّ أهمّ قنوات صرف هذا المشروع ماتزال تعاني من إشكالاتٍ بنيويّةٍ عميقةٍ، ويتعلّق الأمر بتدريس اللّغة الأمازيغيّة. ولهذا يحقّ لنا، بعد مرور أكثر من عشرين سنةً من بداية هذا الورش الكبير، مساءلة ما تمّ تقديمه وتقييمه للخروج بخلاصاتٍ كفيلةٍ برسم صورةٍ واضحةٍ حول واقع اللّغة الأمازيغيّة ومستقبلها بالمغرب.
فهل يوجد فرقٌ بين اللّغات في تعرّضها لسيرورات التّهيئة والمعيرة؟ وكيف انتقلت اللّغة الأمازيغيّة «فجأةً» من الوجود بالقوّة إلى الوجود بالفعل، حسب التّعبير الأرسطيّ؟ وما الملابسات الّتي تمّ فيها تبنّي قضيّة المعيرة ونشدان التّوحيد؟ وما موقع التّنوّعات الأمازيغيّة، خاصّةً أمازيغيّة الأطلس في هذه الدّيناميّة؟ وهل التّدبير العلميّ والنّظريّ الفعّال وحده كفيلٌ بتحقيق انتقالها إلى لغةٍ ممعيرةٍ وموحّدةٍ؟
الكلمات المفتاحية: اللّغة الأمازيغيّة – المغرب -التّهيئة اللّسانيّة – المعيرة اللّغويّة – التّدخّل السّياسيّ – التّدخّل الأكاديميّ.
تقديم:
تعيشُ اللّغة الأمازيغيّة في المغرب منذ حوالي عقدين من الزمن مرحلة تحوّلٍ كبيرةٍ قوامها الانتقال التّدريجيّ من الوضع الشّفويّ إلى الوضع المكتوب، حيث شكّل تأسيس المعهد الملكيّ للثّقافة الأمازيغيّة، وتنامي الوعي النّخبويّ والشّعبيّ بالمشروع الأمازيغيّ، وإدماج اللّغة الأمازيغيّة وتنوّعاتها اللّسانيّة في المنظومة التّعليميّة، فضلاً عن حركيّة الإنتاج الأدبيّ باللّغة المعيار، أبرز تجليّات هذا التّحوّل.
ورغم ذلك يطرح هذا الوضع السّوسيولسانيّ تساؤلاتٍ كثيرةًمرتبطةً بوتيرة وأشكال تدبير هذه الدّيناميّة الكبيرة، خاصّةً أنّ أهمّ قنوات صرف هذا المشروع ما تزال تعاني من إشكالاتٍ بنيويّةٍ عميقةٍ، ويتعلّق الأمر بتدريس اللّغة الأمازيغيّة؛ ممّا سيجعل لاحقاً أغلب المغاربة لا يعرفون القراءة والكتابة بأبجديّة «تيفيناغ»؛ إذ كيف سيتعاملون مع الوثائق الرّسميّة الأمازيغيّة، من حيث فهمها واستيعاب مضامينها، لا سيّما أنّها ستكتبُ بهذا النّمط من الحروف، كما هو الشّأن بالنّسبة لمنشورات المعهد الملكيّ للثّقافة الأمازيغيّة وبعض المنابر الإعلاميّة كالقناة الثّامنة “تَامَازِيغْتْ” وجريدتي “العالم الأمازيغيّ”…؟ الأمر الّذي سيُحتّم عليهم البحث عن مترجمٍ لفهم لغتهم الأصليّة الّتي ناضلوا من أجلها زمناً طويلاً.
ولهذا يحقّ لنا، بعد مرور زهاء عشرين سنةً من بداية هذا الورش الكبير مساءلة ما تمّ تقديمه وتقييمه، للخروج بخلاصاتٍ كفيلةٍ برسم صورةٍ واضحةٍ حول واقع اللّغة الأمازيغيّة ومستقبلها بالمغرب. ومن ثمّ تستهدف هذه الدّراسة تسليط الضّوء على الطّريقة أو الاستراتيجيّة المثلى لتهيئة اللّغة الأمازيغيّة وتوحيدها، وذلك بمراعاة كلّ تنوّعاتها الجهويّة والمحلّيّة، وبالتّقليل من الاختلافات اللّهجيّة قدر الإمكان (1).
فما المقصود باللّغة المعيار؟ وهل يوجد فرقٌ بين اللّغات في تعرّضها لسيرورات التّهيئة والمعيرة؟ وما الّذي يترتّب عن وضع المرتكزات الأساسيّة لمشروع معيرة أيّة لغةٍ؟ وكيف انتقلت اللّغة الأمازيغيّة «فجأةً» من الوجود بالقوّة إلى الوجود بالفعل، حسب التّعبير الأرسطيّ؟ وما الملابساتُ الّتي تمّ فيها تبنّي قضيّة المعيرة ونُشدَان التّوحيد؛ حتّى صار، على حين غرةٍ، الذّئب والحمل صديقين ودودين؛ لا الأوّل يفكّر في أكل الثّاني، ولا الثّاني يخاف أن يأكله الأوّل؟ وما موقع أمازيغيّة وسط المغرب في هذه الدّيناميّة الواسعة؟ وهل التّدبير العلميّ والنّظريّ الفعّال وحده كفيلٌ بتحقيق انتقالها إلى لغةٍ ممعيرةٍ وموحّدةٍ؟ وإلى أيّ حدٍّ يمكن تحقيق تكاملٍ سياسيّ-أكاديميّ في معيرة اللّغة الأمازيغيّة؟
تَحْدِيدَاتٌ مَفْهُومِيّةٌ
لأنّ «المُصطلحَات مَفاتيح العُلوم» (السّكاكي، 2000، صفحة 150)، سنُحاول في الفقرة الموالية تَحديدَ بعض المفاهيم السّوسيولسانيّة المركزيّة في هذا الموضوع، لما تعرفه من فوضى مصطلحيّةٍ، إذ تلفّها سدول الغموض واللّبس، حتّى أضحتْ دوالّاً متكافئةً لمدلولٍ واحدٍ، مستوفين في ذلك بعض معالمِها وتفاصيلها، كما بسطتها بعض المعجمات والدّراسات المتخصّصة.
مَفْهُومُ التَّهْيِئَةِ الْلِّسَانِيَّةِ
يندرج موضوع هذه الدّراسة ضمن إطارٍ عامٍّ هو التّهيئة الْلِّسَانِيَّة، وهو مصطلحٌ سوسيولسانيٌّ حديثٌ جاء به اللّسانيّ الكنديّ جون كلود كوربيل (Jean-Claude Corbeil) في ثمانينات القرن الماضي للتّعبير عن العمليّة الّتي يتمّ بموجبها حلّ النّزاعات اللّغويٍّة عبر تثبيت قوانين خاصّةٍ، وقد استعيرَ من اللّسانيّات الأنجلوساكسونيّة إبّانَ تأهيل فرنسيّة الكيبيك عند بداية النّصف الثّاني من القرن العشرين، وكان يقابل وقتئذٍ في الدّراسات اللّسانيّة الأوربيّة، لا سيّما لدى حلقة «براغ»، مصطلح «التّدخّل اللّغويّ»، الّذي يمسّ اللّغة من خلال مستويين متكاملين (2):
مستوى المتن: وهو عملٌ يقوم به الباحثون في اللّغة (اختيار الحرف، النّحو، الصّرف، المعجم…)، اعتماداً على الدّراسات المقارنة والوصفيّة والتّاريخيّة لاستيضاح تطوّر المعيار اللّسانيّ كرونولوجيّاً، تحت رعاية مؤسّسات الدّولة وبميزانيّة من المال العامّ، إشارة إلى أنّ هناك دعماً سياسيّاً يرعى رسميّاً هذه اللّغة، ويتبنّى ما ستصير إليه.
مستوى وضع اللّغة وإعدادها: يتأسّس هذا المستوى على سيرورةٍ عمليّةٍ تقوم على إصدار قوانين (الدّستور، والمراسيم الوزاريّة، والقوانين التّنظيميّة…) تحدّد وضعها ووظائفها (لغة رسميّة، أو لغة وطنيّة، أو لغة محليّة…) في مؤسّسات الدّولة والحياة العامّة، بحيث تهدف هذه العمليّات جميعها إلى صناعة لغةٍ خاصّةٍ تسمّى «معياريّةً» أو «معياراً» (3) استناداً إلى ثلاث خطواتٍ كبيرةٍ:
التّعرّف على الحالة السّوسيولسانيّة الّتي يتمّ الانطلاق منها؛
تحديد الغاية المنشودة من السّيرورات اللّسانيّة المعتمدة؛
وضع استراتيجيّاتٍ خاصّةٍ لتحقيق الأهداف المنشودة (4)؛
وفيما يتعلّق باللّغات الممعيرة أو المهيّأة، فهي تتشكّل استناداً إلى عوامل مرتبطةٍ بالتّقارب اللّسانيّ، من جهةٍ، طالما أنّ لكلّ لغةٍ بنيتها الخاصّة تحدّد طبيعة تهيئتها، وباختلاف القوى الاجتماعيّة الّتي تزيد من قابليّة التّقارب بين الجماعات الإنسانيّة المعنيّة لغاتها بالتّهيئة اللّسانيّة، من جهةٍ أخرى (5).
مَفْهُومُ التَّخْطِيطِ الْلُّغَوِيِّ
ولد مصطلح التّخطيط في اللّغة الفرنسيّة بدايات القرن العشرين بمجال الاقتصاد بمعنى التّنظيم بمقتضى خطّةٍ. وفي هذا التّحديد إحالةٌ على الدّولة، لأنّ وضع الخطط من اختصاصه (6). وقد انتقل إلى المجال اللّسانيّ سنة 1959م عندما حدّد إينار هوغن (Einar Haugen) تعريفه، في السّياق اللّسانيّ، اعتماداً على التّجربة اللّغويّة النّرويجيّة، بوصفه نشاطاً متعلّقاً أساساً بالمظاهر الدّاخليّة للّغة، يكمن في إعداد اللّغة المعياريّة، والنّحو، والمعجم لتوجيه الكتّاب والمتكلّمين في الجماعة اللّسانيّة غير المتجانسة. (7).
وتشمل هذه السّيرورة «إصلاح بنية اللّغة وأصواتها ووظائفها، وتقنين الكتابة، وتقعيد اللّغة، وبناء المعاجم، وحماية مفردات اللّغة، وإصلاحها وتحديثها، ودعم التّواصل بين الأمم النّاطقة بلغةٍ موحّدةٍ، وأنّ القرارات السّياسيّة الّتي يتبنّاها مجتمعٌ ما نحو لغته تعدّ من السّياسة والتّخطيط اللّغويّ» (8). ويعتمد على سياسةٍ لغويّةٍ واعيةٍ وهادفةٍ، واستعدادٍ لسانيٍّ داخليٍّ وخارجيّ (9). وقد عمل، بعد ذلك، هانز كلوص (Heinz Kloss) على التّمييز بين مفهومين مرتبطين بهذه السّيرورة اللّسانيّة على غرار المستويين السّابقين للتّهيئة اللّسانيّة:
– التّخْطِيط النّظَامِيّ لِلُّغَةِ: يهتمّ بوضعها الاجتماعيّ والسّياسيّ بالمقارنة مع اللّغات الأخرى، وتقسيم الوظائف بين اللّغات المتواجدة في بلدٍ ما.
– التّخْطِيط الْمَتْنِيُّ: يهتمّ بالتّدخّل في مناهج اللّغة عبر البحث في كيفيّة كتابة كلماتها أو تهيئة نحوها ومعجمها (10).
لعلّ من أبرز المفاهيم اللّسانيّة – الاجتماعيّة الرّائجة في هذا المجال البحثيّ والّتي تتأسّس عليها البنية المنطقيّة والتّصوّريّة لهذه الدّراسة: الْمَعْيَرَةِ الْلِّسَانِيَّةِ والْلُّغَةِ الْمِعْيَارِ وأَشْكَال الْمَعْيَرَةِ ومُسْتَوَيَاتهَا. ولتوضيحها أكثر نقف على مضامينها الأساسيّة:
1-3-1- مَفْهُومُ الْمَعْيَرَةِ الْلِّسَانِيَّةُ
المعيرة اللّسانيّة (La standardisation linguistique) شرطٌ لإعطاء قيمةٍ للّغة ووسيلةٌ لدراستها (11) بناءً على نسقٍ قواعديٍّ لسانيٍّ يتعيّن على المتكلّمين اتّباعه للتّواصل بينهم. وتستعمل لهذا الغرض تقريباً الأصوات والكلمات والتّراكيب نفسها (12). ومن ثمّ فهي تهيئةٌ لغويّةٌ تخضع من خلالها اللّغة للتّنميط والتّقعيد استعداداً لنقلها من موضع اللّهجة أو اللّغة الشّفويّة إلى مستوى لغة الكتابة والمؤسّسات الرّسميّة التّعليميّة والإداريّة والإعلاميّة (13).
ولذلك فهي لا تعني «طبخ» لغةٍ جديدةٍ على عجلٍ بشكلٍ غير محايثٍ كليّاً لواقع النّاس ولأشكال التّداول اليوميّ، بل هي حلقاتٌ مستدامةٌ ومترابطةٌ من عمليّات التّحويل التّدريجيّة الّتي تتمّ عادةً عبر الانطلاق من فرعٍ لغويٍّ معيّنٍ، وفرضه بقوّة القانون على باقي اللّهجات؛ ليصير بمثابة اللّغة الرّسميّة للبلاد (اللّهجة الباريسيّة في اللّغة الفرنسيّة)، أو صياغة القواعد المعياريّة بناءً على دراسةٍ دياكرونيّةٍ (تاريخيّةٍ) للنّصوص، أو اعتمادا على الدّراسات الميدانيّة الوصفيّة والمقارنة للبحث عن المعيار المشترك في النّسق التّداوليّ للنّاطقين بمختلف اللّهجات بغية توحيدها في لغةٍ جامعةٍ حسب بنياتٍ معياريّةٍ واضحةٍ (الباسكيّة، والكورسيكيّة، والأمازيغيّة…”(14)؛ أي الاشتغال على الجانب الفونولوجيّ لتحييد الاختلافات السّطحيّة، ثمّ الجانب المورفولوجيّ، وانتهاءً بالتّوليد المعجميّ الّذي لا غنى لأيّ لغةٍ عنه، وهي تريد الاستجابة للحاجات المستجدّة للعصر والمجتمع.
1– 3– 2- اَلْلُّغَةُ الْمِعْيَارُ
اَلْلُّغَةُ الْمِعْيَارُ مصطلحٌ يرتبط بعمليّة «جمع الكتابات المسجّلة في كتب النّحو والمعاجم النّظاميّة الّتي توازي ما يمكن قوله، وما لا يمكن قوله، بصفةٍ توافق الاستعمال اللّسانيّ الصّحيح في المجتمع” (15). وقد مرّ هذا المصطلح من مفهومٍ أَوّليٍّ معياريٍّ (Prescriptif) ذي طابعٍ سوسيوثقافيٍّ إلى طابعٍ ثانويٍّ وصفيٍّ (Descriptif) أكثر موضوعيّة (16). فأضحى يدلّ على ذلك الشّكل اللّغويّ البعيد عن التّنوّعات المحليّة والاجتماعيّة والمعتمَد في بلدٍ معيّنٍ كأفضل وسيلةٍ للتّواصل على نطاقٍ واسعٍ من لدن أفرادٍ قادرين على استخدام أشكالٍ لغويّةٍ أخرى. وغالباً ما يكون مكتوباً وموحّداً، ويتمّ بثّهُ من قبل المدرسة والإعلام والمؤسّسات الرّسميّة. ويميل إلى قمع بعض الصّور اللّغويّة المحليّة والجهويّة وفرض تنوّعٍ لهجيٍّ معيّنٍ.
وفي إطار التّهيئة اللّسانيّة، يرتبط ما أتت به “مدرسة براغ” بالنّسبة لمفهوم اللّغة المعيار بالمشاركة المباشرة للّسانيّين المتخصّصين في وصف العادات اللّغويّة، والتّقنين وترقية اللّغة الأدبيّة، حيث تقرّر لديها أنّ اللّغة المعيار ينبغي أن تتأسّس على لغة الأدباء المعاصرين (17). وقد جاء، في هذا السّياق، جون ديبوا (John Dubois) بثلاثة تعريفاتٍ للمعيار اللّغويّ:
المعيارُ نظامٌ يحدّد ما ينبغي اختياره من لغةٍ ما بحيث يوافق الاستعمال الأمثل جماليّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً؛
المعيارُ كلّ ما هو شائعٌ ومشتركٌ داخل مجموعةٍ لغويّةٍ؛
المعيارُ آليّةٌ يمكن من خلالها تصنيف العناصر اللّسانيّة (هذا التّصوّر قريبٌ ممّا جاء به يلمسليف (Hejmeslev) (18).
وفي التّداول اليوميّ، يتقارب معنى “اللّغة المعيار” و”اللّغة الموحّدة”، بيدّ أنّ هذه الأخيرة تفترض وجود مؤسّساتٍ تنظيميّةٍ خاصّةٍ تقوم بتوحيدها (19). وهذا يعني أنّه لا توجد لغةٌ معيارٌ نشأت أصلاً «ممعيرةً» (Standard, Standardisée)؛ إذ كلّ اللّغات، بما فيها اللّغات الأكثر رواجاً على الصّعيد الدّوليّ كالإنجليزيّة والفرنسيّة والعربيّة…، كانت في الأصل تنوّعاتٍ لغويّةً خضعت لمسلسلٍ طويلٍ من التّهيئة، وما تزال تخضع لمراجعاتٍ وتدقيقاتٍ متواصلةٍ من طرف الأخصائيّين حتّى يومنا هذا.
كما يقترب مفهوم اللّغة المعيار أيضاً من مصطلح “اللّغة الرّسميّة” الّتي تحيل على اللّغة الموحَّدة للدّولة، أي تلك اللّغة الّتي تشتغل بها، وبشكلٍ موحّدٍ مؤسّساتها، ويستعملها الموظّفون والمسؤولون العموميّون في قراءة وتحرير وإنتاج الوثائق الرّسميّة، وفي خطاباتهم وتصريحاتهم الشّفويّة ذات الصّبغة العموميّة (20).
حدّد كارل كاستيانوس (Carles Castellanos) الباحث في تخطيط اللّغات أربعةَ أشكالٍ من المعيرة اللّسانيّة، ارتباطاً بالأنساق اللّغويّة الجهويّة (21):
اَلْمَعْيَرَةُ التَّوْحِيدِيَّةُ: تتمّ من خلال الانطلاق من تنوّعٍ لغويٍّ موجودٍ سلفاً (اللّغة الفرنسيّة الّتي تأسّست بالاستناد إلى لهجة جزيرة فرنسا (l’île de France)). وبالنّسبة للّغة الأمازيغيّة، يمكن معيرتها من خلال هذا النّمط باختيار أحد التّنوّعات اللّهجيّة الجهويّة واعتباره اللّغة المعيار (فرضه باعتباره لغةً رسميّةً ووطنيّةً)، والعمل على تطويره لتقريبه تدريجيّا من التّنوّعات اللّهجيّة الأخرى.
ويبدو أنّ هذا الخيار هو الأسهل والأسرع والأقرب إلى الأجرأة، غير أنّه سيخلق جدلاً كبيراً في الوسط اللّسانيّ المحلّيّ، لأنّه يقوم على إقصاء أجزاء كبيرةٍ من التّراث اللّغوي الأمازيغيّ. ومن ثمّ يعدّ اختيار لهجةٍ من بين اللّهجات الأمازيغيّة الثّلاث الأكثر انتشاراً في المغرب (السّوسيّة والرّيفيّة والأطلسيّة) لتكون قاعدةً تبنى عليها الأمازيغيّة المعيار مجرّد قرارٍ نظريٍّ لا يمكن تطبيقه في الواقع من قبل السّلطات السّياسية، لأنّه سيورّث نزاعاتٍ يصعب احتواؤها (22).
اَلْمَعْيَرَةُ الْجَمْعِيَّة: تستندُ عمليّة المعيرة في هذه الحالة إلى أنواعٍ متعدّدةٍ من الألسِنَة المعياريّة سلفاً بواسطة المعيرة التّوحيديّة للّغة (معيرة اللّغة الإنجليزيّة البريطانيّة أو البريطانيّة، واللّغة البرتغاليّة البرازيليّة والبرتغاليّة، واللّغة الألمانيّة في النّمسا وألمانيا).
وبالنّسبة للّغة الأمازيغيّة، يمكن معيرتها من خلال هذه المقاربة عبر تطوير اللّهجات الثّلاث والتّوفيق بينها لتوحيدها فيما بعد، وذلك في إطار ما يسمّى «مقاربة الواحد والمتعدّد». لاسيّما أنّ كلّ تنوّعٍ لسانيّ جهويٍّ يحتفظ بمعجمٍ خاصٍّ غنيٍّ بما يناسب مجاله الطّبيعيّ والمعيشيّ (الرّيفيّة غنيّةٌ بمفرداتيّة البحر والجبل، والأطلسيّة غنيّةٌ بمفرداتيّة المجالات الرّعويّة والسّهليّة والجبليّة، والسّوسيّة غنيّة بالمفرداتيّة البحريّة والصّحراويّة)، فيكون وحده قاصراً على الشّمول والتّعميم، ومن ثمّ يكون الحلّ في الجمع والتّكامل بين مختلف التّنوعات والأداءات اللّغويّة، إذا تمّ التّوافق على نمط كتابةٍ موحّدٍ. وقد يكون هذا الحلّ هو الأمثل للأمازيغيّة في المغرب، لأنّه يمكّن من بناء لغةٍ موحّدةٍ متوافقٍ عليها، وإن كان تنزيله على أرض الواقع يستلزم وقتاً طويلاً، قد يصل إلى أجيالٍ كثيرة (23).
اَلْمَعْيَرةُ التّركِيبيَّةُ: سيرورةٌ لسانيّةٌ يتمّ بموجبها بناء لغةٍ جديدةٍ مشتركةٍ وجامعةٍ للتّنوّعات السّائدة في منطقةٍ جغرافيّةٍ معيّنةٍ كما وقع لليونانيّة المشتركة (Grecque Koiné). وبالنّسبة للّغة الأمازيغيّة، يمكن معيرتها في السّياق المغربيّ من خلال تحديد التّنوّعات اللّغوية أو اللّهجات السّائدة فيه والعمل على صناعة شكلٍ لسانيٍّ وسيطٍ، يُنشَر فيما بعد بمختلف الوسائل الإعلاميّة والتّربويّة والاجتماعيّة. ومن شأن هذا التّوجّه أن يخلق لغةً موحّدةً، ويزيد من قوّة الرّوابط الاجتماعيّة والثّقافيّة بين أمازيغيّي المغرب. وهو ما سيضاعف من سرعة انتشارها والإقبال على تعلّمها.
ويفترض الاتّجاه نحو المتعدّد المشترك تحديد طبيعة العناصر الّتي يمكن استمدادها من كلّ لهجةٍ جهويّةٍ لتدخل في اللّغة الموحّدة الجديدة، مع تقييم درجة انتشار وسيادة كلّ تنوّعٍ لهجيٍّ لاختيار اللّهجة الأكثر استعمالا (24)؛ غير أنّ هذا الخيار أيضا بعيد المنال. وقد سبق ورفضه ليونيل غالان (Lionel Galand) حين قال: «صُنع لغةٍ أمازيغيّةٍ مشتركةٍ انطلاقاً من اللّهجات الموجودة هو مجرّد نظريّةٍ خياليّةٍ يمكن أن يتغنّى بها أيّ لسَانيٍّ” (25).
خاصّةً أنّ من شأن هذا النّمط المعيريّ أن ينتج لغةً بعيدةً عن الاستعمال اليوميّ، وتسقط بالتّالي فيما يسمّى عدم الجدوى السّوسيولسانيّة، لأنّ الفئة الاجتماعيّة الّتي ستُقبل على التّواصل بها ستكون نسبيّاً محدودةً ومتعلّقةً أساساً بالمثقّفين أو من كان له اتّصالٌ بها من المبدعين والباحثين، الأمر الّذي سيجعلها تمرّ بما سبق وعاشته اللّغة اللّاتينيّة من ظروفٍ صعبةٍ انتهت بضمورها حين تعايشت لمدّةٍ طويلةٍ مع اللّغات الفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة… كما أنّها تحتاج لزمنٍ طويلٍ لبنائها وتثبيتها (26).
ولذلك استبعدت مفتاحة عامر، الباحثة في المعهد الملكي للثّقافة الأمازيغيّة، هذا التّوجه لأنّه ليس واقعيّا (27). في حين يراه سالم شاكر مناسبا (28)، بالنّظر إلى كون «التّوافق العامّ لصناعة لغةٍ مشتركةٍ موحّدةٍ ومرنةٍ بين مختلف اللّهجات بدأ يتجلّى، فالتّدرّج في وضع لغةٍ موحّدةٍ جامعةٍ لا بدّ وأن تكون له مزيّة التّركيز على الانسجام والتّوافق بين اللّهجات من جهةٍ، وأن يستجيب من جهةٍ أخرى لضرورة تحقيق التّواصل بين الأفراد المتكلّمين بلهجاتٍ مختلفةٍ، وهذا هو الهدف الرّئيسيّ المرجوّ من اللّغة” (29).
اَلمعْيَرةُ الْمُسْتَقِلَّةُ: من خلال معيرة تنوّعاتٍ لسانيّةٍ مختلفةٍ باعتبارها لغاتٍ مستقلّةً عن بعضها كحال اللّغة الاسكندنافيّة الّتي تشكّلت من لهجاتٍ متقاربةٍ، وعوض أن تكون لغةً واحدةً، فقد تولّدت عنها لغاتٌ مختلفةٌ (السّويديّة والدّانماركيّة والنّرويجيّة). وبالنّسبة للّغة الأمازيغيّة في المغرب، يمكن معيرتها من خلال هذه المقاربة عبر تطوير التّنوّعات اللّغويّة الثّلاث الأكثر سيادةً في جهات المملكة بصفةٍ منفردةٍ، فيصيرُ كلّ تنوّعٍ لغةً مستقلّةً ومستكفيةً بذاتها:
السّوسيّة الموحّدة والممعيرة؛
الرّيفيّة الموحّدة والممعيرة؛
الأطلسيّة الموحّدة والممعيرة؛
وسيحافظ هذا الخيار المعيريّ على التّنوّعات اللّسانيّة الدّاخليّة لكلّ تلوّنٍ لهجيٍّ، وسيعبّر بموضوعيّةٍ عن الوضعيّة السّوسيولسانيّة للجهات الثّلاث (الشّمال الرّيفيّ والوسط الأطلسيّ والجنوب السّوسيّ)، لكنّه سيخلق انقساماً داخليّاً إذا ما اتّجه نحو تدريسها جهويّاً في إطار المخطّطات السّياسيّة الرّاهنة والتّوزيع الجهويّ الجديد للمملكة المغربيّة.
ولا شكّ، من جهةٍ أخرى، أنّ المتقصّي الموضوعيّ لتاريخ اللّغات في العالم سيقف على الدّوافع وراء التّدخّل البشريّ في تطوير وتأهيل اللّغات، ومهما اختلفت من حيث التّصنيفات والاجتهادات، يمكن القول إنّها لا تعدُو أن تكون:
سِيَاسِيَّةً – إيدْيُولُوجيّةً: تهدف إلى الحفاظ على هيمنة نخبةٍ معيّنةٍ على دواليب السّلطة، أو إلى إقصاء مكوّناتٍ لغويّةٍ معيّنةٍ، أو تكون دينيّةً عقديّةً تروم إحياء أو ضمان استمرار المقدّس عن طريق تفسيره وتعليمه كما وقع للّغة العبريّة؛
عِلميّةً مَوضُوعِيّةً: تفرضها الحاجة إلى الإقلاع المعرفيّ والفكريّ لبلدٍ معيّن (30). وبذلك يكون التّدخّل في اللّغة، في هذه الحالة، عمليّةً واعيةً ومنظمّةً وضروريّةً، تختلف أشكالها ومناهجها باختلاف بيئة اللّغات وتاريخها، ولو أنّ تاريخ بعض اللّغات لا يزال في كثيرٍ من جوانبه مستعصياً عن الإحاطة الكلّيّة.
ويؤدّي الاختلاف في هذه الدّوافع إلى تنوّع أشكال التّدخّل في اللّغة، لا سيّما أنّ سيرورة المعيرة غير منتهيةٍ؛ إذ بقدر اختلاف طبيعة الدّوافع وأشكال التّدخّل في اللّغات، يختلف الحيّز الزّمنيّ الّذي يمكن أن يستغرقه انتقال اللّغة من الوضع الشّفويّ اللّهجيّ إلى الوضع المعيار المكتوب. فقد تطول المدّة، وقد تقصر، وقد تزيد وتيرة الانتقال، وقد تتباطأ؛ وذلك مرتبطٌ بعوامل مختلفةٍ كالوضع السّوسيولسانيّ، والامتداد الجغرافيّ، وارتباط الأبعاد السّياسيّة بالمنطلقات اللّغويّة، وتعدّد اللّهجات، والعامل الاقتصاديّ، ورمزيّة اللّغة، وعلاقتها بالمقدّس…
غير أنّ الاختلاف في دوافع تشريع السّياسات اللّغويّة لا يعني، بالضّرورة، غياب التّشابه بين اللّغات، خاصّةً في سيرورات تحوّل وضعها السّوسيولسانيّ، لأنّها تشرع بمستوى التّدبير «الأكاديميّ» (الاشتغال على المتن، وتحديد القواعد المعياريّة…)، فمستوى التّدبير «السّياسيّ» (سنّ قوانين في صالح اللّغة، وإرساء مؤسّساتٍ رسميّةٍ مرجعيّةٍ…)، ثمّ مستوىً بعديٍّ يؤثّر فيه البعد السّياسيّ كثيراً، ويرتبط بالتّدبير العمليّ والتّطبيقيّ (تطبيق السّياسة اللّغويّة، وتدريس اللّغة، وتثبيت المعايير اللّسانيّة…).
ولذلك تحظى لغاتٌ عديدةٌ بتوفير كلّ المقوّمات الكفيلة بتطويرها وضمان تنافسيّتها في السّوق اللّغويّة العالميّة، بينما تفتقر إليها لغاتٌ كثيرةٌ، فتعاني من عراقيل قانونيّةٍ وإيديولوجيّةٍ وسياسيّةٍ، وهو حال اللّغة الأمازيغيّة، الّتي توجد فيها تنوّعاتٌ لسنيّةٌ عديدةٌ داخل اللّهجة الواحدة، «وذلك في جميع المستويات اللّسانيّة، ولا توجد لهجةٌ موحّدةٌ، ممّا يجعل اللّغة الأمازيغيّة بحاجةٍ إلى معيرةٍ وتوحيدٍ. وإلّا فإنّ مصيرها سيكون إلى الزّوال والاختفاء بشكلٍ كاملٍ مثل الفينيقيّة واليونانيّة والمصريّة القديمة، أو أنّها ستتحوّل إلى لهجاتٍ موزّعةٍ على المناطق الّتي لم تختف منها… وإن كانتْ قواعدها العامّة قد بقيت محفوظةً على الرّغم من تفرّعها إلى لهجاتٍ متباينةٍ، فقواعد النّحو والكتابة بصفةٍ عامّةٍ بقيت موحّدةً بين جميع النّاطقين بالأمازيغيّة” (31) والسّؤال الّذي يطرح في هذا الصّدد: إلى أيّ حدٍّ يمكن أن تتكامل الأبعاد الأكاديميّة والسّياسية في تهيئة ومعيرة اللّغة الأمازيغيّة؟
إذا كان نجاح انتقال اللّغة من الوضع اللّهجيّ إلى الوضع المعيار يرتبط بشكلٍ كبيرٍ بمدى نجاعة التّدبير «الأكاديميّ»؛ أي تحرّي النّهج العلميّ في الأطوار المحدّدة لعمليّتيْ التّهيئة والمعيرة؛ وذلك بتشخيص الوضعيّتينْ اللّسانيّة والسّوسيولسانيّة للّغة، والتّحديد الدّقيق للوضعية المرغوب فيها، ثمّ تسطير استراتيجيةٍ واضحةٍ، واختيار المقاربة الملائمة للمعطيات الرّاهنة، ثم بتدخّل العامل «السّياسيّ» في إصدار التّشريعات اللّازمة لتثبيت المعايير اللّسانيّة، وترسيخ مخرجات البحث الأكاديميّ في الحياة العامّة، فإنّ هذه السّيرورة تعرف اضطراباً كبيراً في حالة اللّغة الأمازيغيّة بالمغرب. إذْ يبدو التّنافر والتّباعد جليّين بين البعدين الأكاديميّ والسّياسيّ بدل تكاملهما في أداء أدوارهما.
ولعلّ السّبب في ذلك يعود إلى أنّ اللّغةَ، كما يقول عبد السّلام المسدّي، «أجلّ من أن تترك بيد السّياسيّين، والسّبب في ذلك أنّ رجال السّياسة يصنعون الزّمان الجماعيّ على مرآة الزّمن الفرديّ، أمّا رجال الفكر، فينحتون زمنهم الفرديّ على مقاس الزّمن الجماعيّ” (32).
وقبل رصد تجلّيات هذه القضيّة وفحص ملابساتها وتفكيك جوانبها المتشعّبة، سنحاول بدايةً استعراض بعض الملامح التّاريخيّة البارزة الّتي شهدتها اللّغة الأمازيغيّة في العقود الثّلاثة الأخيرة، لاسيّما أنّ من بين مقاصد تحبير هذه الورقة إماطة اللّثام عن الظروف الّتي كانت وراء الانقلاب المفاجئ الّذي طبع الخطاب السّياسيّ المغربيّ بخصوص القضيّة الأمازيغيّة، من خطابٍ كان يرفض مجرّد الحديث عن اللّغة الأمازيغيّة إلى خطابٍ يحتفي بكلّ ما هو أمازيغيٌّ، معتبراً إيّاه مكوناً أساسيّاً لشخصيّة الإنسان المغربيّ.
يتحدّد أهمّ حدثٍ تاريخيٍّ شهدته اللّغة الأمازيغيّة قبل مطلع الألفيّة الثّالثة في الخطوة «المفاجئة» الّتي قام بها الملك الرّاحل الحسن الثّاني يوم 20 غشت / آب سنة 1994م، عندما دعا في خطاب ثورة الملك والشّعب إلى ردّ الاعتبار إلى الأمازيغيّة وإدماجها في المنظومتين التّعليميّة والإعلاميّة، قائلا: «لذلك يجب ونحن نفكّر في التّعليم وبرامج التّعليم أن ندخل تعليم اللّهجات، علماً منّا أنّ تلك اللّهجات قد شاركت اللّغة الأمّ، ألا وهي لغة الضّاد ولغة كتاب اللّه تعالى ولغة القرآن الكريم في فعل تاريخنا وأمجادنا” (33). فاستبشر الأمازيغ حينها خيراً، والتمسوا في تلك الكلمات الدّافئة منابت الأمل وعبير الفأل.
لكن لِمَ تأخّر هذا الودّ للقضيّة الأمازيغيّة إلى أن شارفت الألفيّة الثّانية على النّهاية؟ ولمَ حوصر الأمازيغيّون ونُكّل بهم علانيةً، وعُزِلوا في المناطق غير «النّافعة»، ومُسخت هويتهم طوال عقودٍ متتاليةٍ من تاريخ المغرب الحديث؟ ألم تكن المنظومة السّياسيّة على درايةٍ بأمازيغيّة المغرب؟ أم كانت تخشى من أن تشكّل عامل تشتيتٍ لوحدة المغاربة؟ ومهما كان الأمر، قد يكون أهمّ مطلبٍ حقّقته القضيّة الأمازيغيّة بالمغرب في نهاية الألفيّة الثّانية هو إضفاء هذه الشّرعيّة عليها، وجعلها قضيّةً وطنيّةً كبرى. فصار كلّ واحدٍ يتمتّع بحقّ الإسهام في الدّفاع عنها أو النّضال من أجلها، دون أيّ ملاحقةٍ أمنيّةٍ أو متابعةٍ قانونيّةٍ أو رقابةٍ ثقافيّةٍ.
وهكذا مع بداية الألفيّة الثّالثة، جاء التّأكيد الرّسميّ، مرّةً أخرى، في خطاب العرش ليوم 30 يوليوز / تمّوز 2001م، حين أعلن الملك محمّد السّادس عن إدراج اللّغة الأمازيغيّة لأوّل مرّةٍ في المنظومة التّربويّة، ثمّ أكّد بعد شهرين من ذلك في خطاب «أَجْدِيرْ» يوم 17 أكتوبر / تشرين الأوّل 2001م «أنّ الأمازيغيّة الّتي تمتدّ جذورها في أعماق تاريخ الشّعب المغربيّ، هي ملك لكلّ المغاربة بكلّ استثناءٍ، وعلى أنّه لا يمكن اتّخاذ الأمازيغيّة مطيّةً لخدمة أغراضٍ سياسيّةٍ، كيفما كانت طبيعتها” (34)، فتأسّس المعهد الملكيّ للثّقافة الأمازيغيّة، وأدرجت الأمازيغيّة في مناهج التّعليم بحرف «التّيفيناغ» سنة 2003م. وفي سنة 2006م، تقرّر دخولها في الإعلام الرّسميّ، وأنشئت القناة التّلفزيونيّة الأمازيغيّة (القناة الثّامنة) سنة 2010م، ثمّ جاء قرار جواز الاستِـعانة بمترجمين للأمازيغيّة بالمحاكم.ليتقرّر ترسيمها بعد ذلك في دستور 2011م. فأضحت أولويّةً سياسيّةً للدّولة المغربيّة، حيث جاء في التّصريح الحكوميّ لسنة 2012م: «الأمازيغيّة ضمن أولويّات الحكومة، وأنّ قانونها سيتمّ إعداده في إطار الحفاظ على المكتسبات، وهي: كما هو معلومٌ: الإلزاميّة، والتّعميم، والتّوحيد، وتيفيناغ (35).
غير أنّ جلّ هذه القرارات عرفَـت تعثُّـراتٍ كبيرةً، ولم تنجح عموماً في رفع «الحجْـر» عن الأمازيغيّة. فإذا كان مقرّراً تعميمها في التّعليم، فإنّها لم تنجح منذ 2003م إلّا بنسبٍ ضعيفةٍ جدّاً، كما استمرّ منع إطلاق أسماء أمازيغيّةٍ على المواليد وتسجيلها في الحالة المدنيّة. كما لا تزال الأمازيغيّة مجرّد أشكالٍ تراثيّةٍ جوفاء، لا تكتسب أهمّيتها إلّا إذا تمّ توظيفها فيما هو فولكلوريٌّ معروضٌ في سوق السّياحة (غناء، ولباس، ومكوّنات طبيعيّة، وأدوات تراثيّة، وزينة…).
وبناءً على ذلك، لا يمكن تحقيق أيّ رؤيةٍ منفتحةٍ على المكوّن الأمازيغيّ إلّا من خلال تنزيلها على أرض الواقع في مختلف الأبعاد الاجتماعيّة والتّربويّة والقانونيّة والإعلاميّة…، وتفعيل دور مؤسّسةٍ قويّةٍ تنصبّ على دراسة اللّغة الأمازيغيّة بشكلٍ علميٍّ دقيقٍ وعميقٍ في شتّى مكوّناتها وتجلّياتها وحقولها المعرفيّة والتّاريخيّة والواقعيّة. لأنّه «لا يمكن أن تعتبر لغةٌ حيّةً إلّا إذا دخلت في الاستعمال اليوميّ وفي نشر المعرفة العلميّة” (36).
ولذلك سارع المعهد الملكيّ للثّقافة الأمازيغيّة منذ 08 ماي 2002م إلى القيام بالمعيرة اللّسانيّة للّغة الأمازيغيّة، فأصدر العديد من المعجمات والمسارد والأعمال الأدبيّة واللّغويّة، بعد أن ضمّ في مختبراته أكاديميّين ومتخصّصين في العديد من الحقول المعرفيّة، كلّهم رغبةٌ في الانتقال بالأمازيغيّة من الوضع الشّفويّ إلى الكتابيّ.
خيّم، بالنّسبة لمعيرة اللّغة الأمازيغيّة في المغرب، هاجس الموازنة بين إعداد لغةٍ معيارٍ قابلةٍ للتّدريس والتّدوين من جهةٍ، والتّوجّس من إمكانيّة خلق انفصامٍ عن التّحقّقات اللّغويّة المتداولة محلّياً، من جهةٍ أخرى. وقد انطلقت هذه السّيرورة بوضع وزارة التّربية الوطنيّة «منهاج تعليم اللّغة الأمازيغيّة» قبل أن يتهيكل المعهد الملكيّ للثّقافة الأمازيغيّة سنة 2011م، ليتمّ تطويره بعد ذلك داخل اللّجنة المشتركة بين المؤسّستين. وقد تواصل بعد ذلك العمل في هذا الورش المفتوح في شقّيه اللّسانيّ – الأكاديميّ والسّياسيّ – الحكوميّ، على الرّغم من كلّ التّوتّرات الّتي شهدها وما يزال يشهدها إلى اليوم.
قد يكون تبنّي «مقاربة الواحد والمتعدّد» في معيرة اللّغة الأمازيغيّة في المغرب مناسباً لوضعيّتها اللّسانيّة لأنّ بنيتها العميقة تتخلّلها تحقيقاتٌ جهويّةٌ وتنوّعاتٌ محلّيّةٌ على شكلٍ لهجاتٍ متفرّقةٍ. لا سيّما أنّ تبنّي هذه المقاربة اللّسانيّة الخاصّة جاء تأسّياً بالعديد من اللّغات العالميّة كالإنجليزيّة والفرنسيّة والعربيّة في تعاملها مع البعد اللّهجيّ؛ فبالرّجوع مثلاً إلى تاريخ كلّ من اللّغة الأمازيغيّة والعربيّة، يتّضح، من حيث مراحل تطوّرهما، أنّهما مرّتا من أطوارٍ تكاد تتشابه من حيث الأساس البنائيّ الّذي يرتبط بالتّحوّلاتِ الصّوتيّةٍ أو المعجميّةٍ أو التّركيبيّةٍ أو التّداوليّةٍ الخاصّة بكلّ لغةٍ،…
فأصل اللّغة العربيّة واحدٌ، لكنّها ظلّتْ على شكل لغاتٍ أو لهجاٍت كثيرةٍ، تختلف من قبيلةٍ لأخرى، وجاء الإسلام فوحّدها وقلّص من نفوذ لغات القبائل، ثمّ أصبح كلّ بلدٍ عربيٍّ في العصر الحديث منفرداً بلهجةٍ معيّنةٍ، تنسب إلى القطرِ الّذي تنتمي إليه، كالسّودانيّة والعراقيّة والتّونسيّة والمغربيّة وغيرها.
وكانت اللّغة الأمازيغيّة، من جهتها، واحدةً (pan-berbère)، ونظراً لشساعتها في بلاد «تَامَازْغَا»، الّتي استوطنتها العشائر الأمازيغيّة، وتنقّلت في تضاريسها المتنوّعة، وبسبب الانقسام الجيوسياسيّ الّذي ساد لزمنٍ طويلٍ مناطق شمال إفريقيا، انقسمت اللّغة الأمازيغيّة، وانفردت كلّ جهةٍ بلهجةٍ خاصّةٍ. وهذا أمرٌ معتادٌ في سائر اللّغات، لأنّها كما قال دي سوسير (De Saussure)، إذا تركت وشأنها لا تكون إلّا في صورة لهجاتٍ لا تنتهك إحداها الأخرى، فيكون محكوماً عليها بأن تتجزّأ تجزّؤاً غير محدود (37).
بيد أنّ العناصر الّتي توحّد بين هذه اللّهجات أكثر من الّتي تفرّق بينها، وهي ظاهرةٌ ليست قصراً على المغرب فحسب، بل توجد حتماً في الغرب المتقدّم والعالم المتأخّر، حيث تتعايش في الولايات المتّحدة الأمريكيّة ودول أوروبا وآسيا أكثر من لهجةٍ ولغةٍ؛ بينما يعرف المشهد اللّسانيّ المغربيّ مجموعةً محدودةً من اللّغات واللّهجات، وهي على الأقلّ خمسة أنساقٍ لسانيّةٍ؛ فمن السّكّان من يتكلّم اللّغة العامّية أو الأمازيغيّة ولا يعرف غيرهما، أو العامّية والفصحى، أو الأمازيغيّة والفصحى، أو العامّية والفرنسيّة.
ومن أجل استعمالٍ رسميٍّ ووظيفيٍّ للّغة الأمازيغيّة في مختلف مجالات الحياة العامّة ينبغي التّطرّق لأمرين غايةً في الأهمّية والاستعجال، أوّلهما إيجاد لغةٍ أمازيغيّةٍ موحّدةٍ، وثانيهما تهيئة معجمٍ علميٍّ وتقنيٍّ جديدٍ يلائم هذا التّوحيد (38). وبالنّظر إلى ما تمّ تحقيقه في هذين المستويين، يمكن القول إنّ اللّغة الأمازيغيّة أضحت جاهزةً للتّداول الرّسميّ. ما دام العمل اللّسانيّ قد انتهى إلى وضع دعاماتٍ لغويّةٍ واضحةٍ، وأبرز قواعد معياريّة قابلة للتّدريس، وزكّى لكتابتها حرف “تيفيناغ”، وحافظ على طريقة عمل اللّغة وانتظامها الدّاخليّ، ونمّا المشترك بين الفروع، وحيّد التّحقيقات المحليّة (38). وتندرج كّلّ هذ الاستراتيجيّات فيما أسماهُ جان كالفي أنماط التّدخّل في اللّغة، وهي تقوم على ثلاثة أبعادٍ متكاملةة (39):
اَلْبُعْد الْلَّهَجِيِّ: عبر تبنّي أحد الأشكال اللّهجيّة السّائدة أو بناء نمطٍ جديدٍ يتأسّس على الأشكال المنتشرة في المنطقة عند الشّروع في عمليّة المعيرة، وهذه الطريقة الأخيرة هي الّتي تمّ اختيارها لمعيرة اللّغة الأمازيغيّة في المغرب.
اَلبُعْد الْمُعْجَمِيّ: من خلال العمل على خلق وحداتٍ معجميّةٍ جديدةٍ استناداً إلى الآليّات النّيولوجيّة المعروفة في علم المفردات والمصطلحيّة، مثل: النّحت والتّرجمة والاقتراض…، لتتمكّن اللّغة الأمازيغيّة من التّعبير عن مضامين خاصّةٍ كان التّعبير بها يتمّ بلغةٍ أخرى (السّياسة، أو الاقتصاد، أو العلوم التّجريبيّة…). وقد أصدرت، في هذا الإطار، مراكز “التّهيئة اللّغويّة” و”الدّراسات التّاريخيّة والبيئيّة” و”البحث الدّيداكتيكيّ والبرامج التّربويّة” بالمعهد الملكيّ للثّقافة الأمازيغيّة عدداً كبيراً من المعجمات والأعمال اللّغويّة الّتي غطّت جوانب كثيرةً من الحقول المعرفيّة، مثل:
المعجمُ الأمازيغيُّ الجيولوجيُّ )فرنسيّ – أمازيغيّ / أمازيغيّ – فرنسيّ(: صدر تحت إشراف سعيد كامل سنة (2006م)؛
معجمُ اللّغةِ الأمازيغيّةِ (Vocabulaire de la Langue Amazighe (Français – Amazighe)): أصدره مركزُ التّهيئة اللّغويّة (CAL) سنة 2006؛
المصطلحاتُ الأمازيغيّةُ في تاريخ المغربِ وحضارتهِ: مسردٌ مصطلحيٌّ مهمٌّ أصدَرهُ مركز الدّراسات التّاريخيّة والبيئيّة تحت إشراف محمّد أحمّام سنة 2006م؛
مُعجمُ الإعلامِ )عربيّ – أمازيغيّ – إنجليزيّ – فرنسيّ(: مسردٌ خصّه مركز التّهيئة اللّغويّة بالمعهد للمصطلحات الإعلاميّة والاتّصاليّة، ضمّ حوالي 774 مصطلحاً، وصدر سنة (2009م)؛
مُعجمُ النّحو )فرنسيّ – أمازيغيّ – إنجليزيّ – عربيّ(، ضمّ حوالي 352 مصطلحاً، وصدر سنة (2009م)؛
مُعجمُ اللّغَةِ الأمازيغيّة )أمازيغيّ – عربيّ / عربيّ – أمازيغيّ(: معجمٌ تربويٌّ صدر سنة (2009م)؛
مُصطلحيّةُ الاتّصَالِ السّمعيِّ البصريِّ: مسردٌ وظيفيٌّ صدر سنة (2012م)، وضمّ حوالي 335 مدخلاً، عبّر عنها بالعربيّة والفرنسيّة والانجليزيّة؛
مُعجمُ “المصطلحات الجغرافيّة الأمازيغيّة”: معجمٌ أصدره مركز الدّراسات التّاريخيّة والبيئيّة بالمعهد سنة (2011م) تحت إشراف حسن رامو؛
الْمُعجمُ المدرسيُّ(Lexique Scolaire) : عملٌ معجميٌّ موضوعاتيٌّ أصدره مركز البحث الدّيداكتيكيّ والبرامج التّربويّة سنة 2011م؛
الْمُعجمُ النّحويُّ للأمازيغيّةِ (Vocabulaire Grammatical de l’Amazighe): لمفتاحة عامر وفريق مركز التّهيئة اللّغويّة، صدر سنة 2011م؛
مُصطلحيّةُ الإدارةِ (الأمازيغيّة – العربيّة – الفرنسيّة): لمفتاحة عامر وأعضاء مركز التّهيئة اللّغويّة، صدر سنة 2015م؛
الْمُعجمُ العامُّ للّغةِ الأمازيغيّةِ (Dictionnaire Général de la Langue Amazighe): يعتبر أهمّ الأعمال المعجميّة الّتي أشرف المعهد على إصدارها منذ تأسيسه، بالنّظر إلى حجمه ومدى استقصائه لمفردات اللّغة الأمازيغيّة، صدر سنة 2017م؛
مُعجمُ المصطلحاتِ القانونيّةِ (أَمَاوَالْ ازْرْفَانْ) سنة 2018م؛
اَلبُعْد الكِتَابِيِّ: يتأسّس هذا المستوى على بناء وتشكيل نمطٍ خطّيٍّ للّغة الشّفويّة، أو تغيير الخطّ المعتمد فيها سلفاً، أو أن يمسّ التّغيير فقط نظامها الألفبائيّ حذفاً أو إضافةً. وقد كانت هذه المسألة من أهمّ النّقط الخلافيّة الّتي واكبت عمليّة التّدخّل في اللّغة الأمازيغيّة قبل ترسيم “تيفيناغ”، حيث أفرزت انقساماتٍ حادّةً بين الفرقاء والباحثين الأمازيغيّين، بسبب الخلفيّات التّاريخيّة والثّقافيّة والإيديولوجيّة والدّينيّة… وقد قام هذا الخلاف على ثلاثة مستوياتٍ من الرّسم:
اَلرَّسْم الْلَّاتِينيّ: دافعت عن هذا الخيار بعض التّوجّهات الفكريّة الّتي استندت إلى فعاليّة اللّغة اللّاتينيّة لدى الشّعوب الّتي تبنّت حروفها، مثل: الرّوسيّة والتّركيّة وبعض فروع اللّغة الجرمانيّة..(40) ، لا سيّما مع توفّر قاعدةٍ تعليميّةٍ تعلّميّةٍ مبنيّةٍ بهذا الخطّ، إضافةً إلى عددٍ مهمٍّ من الأعمال الإبداعيّة (شعر وقصّة ومسرح ورواية…) بقيت منذ الاستعمار الفرنسيّ. غير أنّ تبنّي هذا الحرف يحمل في حيثيّاته أبعاداً إيديولوجيّةً تكرّس التّبعيّة واستدامة الاستيطان الغربيّ، وهو نابعٌ عند بعض مناصريه من عقدة الغير و”التّلذّذ بالتّبعيّة”، ومن عقدة “كره الجلّاد وعشقه في آنٍ واحد (41).
ويعترف روني باصي René Basset)) نفسه بصعوبة القبول به خياراً تقنيّاً ومنهجيّاً: «حاولنا مراراً استعمال الحروف اللّاتينيّة، لكن لم تفلح أيّ صيغةٍ من تلك الصّيغ في بلوغ الدّقّة المطلقة” (42). بينما يستند معارضوه إلى التّجربة الصّينيّة خلال أربعينات القرن الماضي، حين اضطرّت الدّولة إلى تبنّي الرّسم اللّاتينيّ بدعوى أن الرّسم الصّينيّ معقّدٌ ومتخلّفٌ، ولايساير المستجدّات الثّقافيّة والحضاريّة المعاصرة، فصدرت صحفٌ كثيرةٌ بالرّسم الجديد، لكنّ الصّينيّين أعرضوا عنه، وأجبروا الدّولة على التّراجع عن قرارها، والعودة إلى الرّسم القديم الّذي يحمل هويّتهم وفكرهم (43).
الرّسْم الآرامِيّ العَربَيّ: استند مناصرو تبنّي هذا الخطّ لكتابة اللّغة الأمازيغيّة على القواسم المشتركة بين اللّسانين العربيّ والأمازيغيّ وبالنّظر للتّداخلات الّتي وجدت بينهما، خاصّةً أنّ أوّل رسمٍ عرفته الأمازيغيّة هو الرّسم العربيّ، وقد كتبت به في المغرب إلى غاية السّبعينات، عدا بعض كتابات المعمّرين وضبّاط المخابرات الّتي دوّنت باللّاتينيّة. كما يظهر الاستعمال أيضاً قواسم صوتيّةً ودلاليّةً كثيرةً في زخم الاحتكاكات اللّغويّة على مستوى الاستبدالات الّتي جرت في السّاحة الجيولسانيّة إلى أن وصلت حدّ اضمحلال الأمازيغيّة أو ذوبانها في العربيّة (44). فضلاً عن عوامل كثيرةٍ، مثل:
كتابة الأمازيغيّة بالحرف العربيّ سيساهم في التّقارب الأخويّ بين العرب والأمازيغ وطنيّاً واجتماعيّاً ونفسيّاً…
مواكبة اللّغة العربيّة للتّطوّر المستمرّ الّذي تشهده الإعلاميّات الآليّة والتّكنولوجيّات الحديثة عكس “تيفيناغ”.
الرّسْم بالتّيفيناغ: كانت للّغة الأمازيغيّة كتابةٌ قديمةٌ خاصّةٌ بها «ذات طبيعةٍ أبجديّةٍ صامتيّةٍ، وما يزال يستعمل وجهٌ من أوجهها في وقتنا الرّاهن لدى أمازيغيّي المناطق الصّحراويّة “الطّوارق” الّذين يطلقون عليها تسمية «تِيفِيناَغْ». وبهذه الألفبائيّة تمّ تحرير المنقوشات القديمة الّتي تسمّى “اللّيبيّة الأمازيغيّة” (45). وإن كان الثّابت لدى الباحثين في الأركيولسانيّات أنّ الأمازيغ لم يخلّفوا إنتاجاً علميّاً أو أدبيّاً بهذه الحروف، في حين كتبوا باللّغات اللّاتينيّة والعربيّة والبونيقيّة، وحتّى عندما أسّسوا دولاً خاصّةً بهم على غرار النّوميديّة والمرابطيّة لم يختاروا الكتابة بلغتهم، وحافظت بالتّالي على شفهيّتها إلى يومنا هذا (46). ولأنّ المحيط المعقّد حيث نعيش يفرض على المجتمعات الانتقال باللّغات إلى الأنساق الكتابيّة، ليس فقط لتطوّر “اللّغة الأمازيغيّة” وثقافتها، وإنّما أيضا لبقائهما، والعالم الّذي كان يحمل الشّفاهيّة بدأ ينهار تحت أعيننا والمجتمعات الّتي كانت تحملها انشطرت (47).
وهكذا تكونُ كتابة الأمازيغيّة بالتّيفِيناغ سعيٌ حثيثٌ للاحتفاظ بشخصيّتها، لأنّ “المكتوب به ليس وسيلةً أو رزمةً نلفّ بها أيّ سلعةٍ، بل إنّ الخطّ رمزٌ للشّخصيّة، كما أنّه حاملٌ لحمولةٍ ثقافيّةٍ وانتماءٍ حضاريٍّ” (48)، ومن ثمّ قد يكون أفضل حلٍّ للأمازيغيّة في المغرب، على الرّغم من كلّ الانتقادات الّتي يمكن أن يجرّها هذا الخيار مثلصعوبته ومحدوديّة انتشاره وقابلية تطويره إعلاميّاً. وكلّها أمورٌ مستبعدةٌ لأنّ التّقدّم المعلوميّاتي قد استوعب ثمانية آلاف حرفٍ صينيّ فكيف لا يدمج ثلاثةً وثلاثين حرفاً من تيفيناغ كتلك الّتي وضعها خبراء المعهد الملكيّ للثّقافة الأمازيغيّة. لا سيّما أنّه لا كمال لأيّ خطٍّ مهما كان، والخطوط على أشكالها وألوانها قابلةٌ للتّطوير والتّجويد (49). وما تحتاجه هو فقط المواكبة السّياسيّة الفعّالة.
2-3- اَلْمَعْيَرَةُ السِّيَاسيَّةُ لِلُّغَةِ الْأَمَازِيغِيَّةِ في الْمَغْرِبِ
واكبت الجبهة السّياسيّة، من جهتها، معيرة اللّغة الأمازيغيّة، وإن كانت تدخّلاتها متأخّرةً نسبيّاً عن السّيرورة اللّسانيّةالْأَكَادِيمِيَّة، ممّا جعلها تتعرّض لانتقاداتٍ شديدةٍ من لدن الفعاليّات الفكريّة والثّقافيّة الأمازيغيّة. ويمكن إجمالُ هذه التّدخّلات في جانبين كبيرين: ترسيمها في الدّستور سنة 2011م، وإصدار القانون التّنظيميّ (50) 26-16 سنة 2019م.
خصّ الدّستورُالْمَغْرِبِيُّ الفصلَ الخامسَ ببنوده السّتّة لتشريع الموارد الضّابطة للحقّ الثّقافيّ واللّغويّ وتقنينه، وقد جاء فيه: “تظلّ العربيّة اللّغة الرّسميّة للدّولة. وتعمل الدّولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها. تعدّ الأمازيغيّة أيضاً لغةً رسميّةً للدّولة، باعتبارها رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة، بدون استثناءٍ. يحدّد قانونٌ تنظيميٌّ مراحل تفعيل الطّابع الرّسميّ للأمازيغيّة، وكيفيّات إدماجها في مجال التّعليم وفي مجالات الحياة العامّة ذات الأولويّة، وذلك لكي تتمكّن من القيام مستقبلاً بوظيفتها، بصفتها لغةً رسميّةً” (51).
وإذا كان هناك من يرى أنّ ترسيم الأمازيغيّة قد يشكّل كارثةً خطيرةً بالهويّة المغربيّة وبالوحدة اللّغويّة والحضاريّة للمغاربة، بالنّظر إلى مساهمة ذلك في إضعاف هذه اللّغة فضلاً عن العربيّة، ممّا سيزيد من قوّة اللّغة الأجنبيَّة “الفرَنسيّة”، الّتي تعرف ديناميّةً كبيرةً في المجتمع المغربيّ على مستوى الخطاب اليوميّ والمعاملات التّجاريّة والإداريّة... فإنّ الإقرار بالأمازيغيّة لغةً رسميّةً للدّولة، واعتبارها رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة دون استثناءٍ، تترتّب عنه حقوقٌ لغويّةٌ وثقافيّةٌ يتّمتع بها المغاربة دون تمييزٍ، تتمثّل خاصّةً في استعمال اللّغة الأمازيغيّة للتّواصل بمختلف أشكاله ووظائفه ودعاماته، كما يترتّب عنه التزام الدّولة بضمان تعليمها وتعلّمها.
وعلى الرّغم من أنّ قراءة النّصوص القانونيّة وتفكيك مضامينها هو من اختصاص فقهاء القانون والباحثين في قضاياه، إلّا أنّ ما يهمّ في هذا الصّدد هو فحص الجانب المتعلّق باللّغة الأمازيغيّة، الّذي يمكن اعتباره عنصراً جديداً في الوثيقة الدّستوريّة الجديدة، ولعلّه يعدّ أهمّ قيمةٍ مضافةٍ انطوت عليها، حيث أقرّت باعتمادها لغةً رسميّةً ثانيةً. وإن كان هذا الإقرار يشوبه بعض اللّبس والغموض، ويتعلّق بطبيعة السّياقين النّصّيّ والواقعيّ الّذي جاء فيه (52). فعندما نقرأ العبارة الّتي ورد فيها معطى ترسيم اللّغة الأمازيغيّة، ندرك أنّها أنصفت هذه اللّغة بقدر ما كشفت أيضاً عن عجزٍ واضحٍ في التّعاطي مع وضعيّتها الهشّة، الّتي لا تُؤهّلها لأن تتبوّأ موقع لغةٍ رسميّةٍ “ثانيةٍ” في المغرب، ثمّ إنّها لم تفسّر جيّداً المقصود منها.
فاللّغة العربيّة تعتبر من خلال هذه الفقرة هي اللّغة الرّسميّة الأولى، ثم تليها اللّغة الأمازيغيّة، ممّا يعني أنّ هذه الأخيرة تأتي في الدّرجة الثّانية بعد اللّغة العربيّة، وهذا ما قد يؤوله أيّ أمازيغيّ بشكلٍ «سلبيٍّ»، ليس لأنّ اللّغة الأمازيغيّة وردت في المرتبة الثّانية على مستوى النّصّ، وإنّما لأنّ وضعيّتها الرّاهنة لا تسمح بأن تكون رسميّةً إلّا على مستوى النّصّ الدّستوريّ، أمّا على مستوى الواقع، فهي في مسيس الحاجة إلى البناء والتّفعيل والإدماج، ليس بسبب غياب الجاهزيّة اللّسانيّة «الأكاديميّة»، ولكن لغياب إرادةٍ سياسيّةِ حقيقيّةٍ، ممّا يرسّخ منطق التّسويف والتّأجيل، عوض الانكباب الفوريّ على ترقيتها وتأهيلها..
وهذا ما يستحضر تاريخيّاً سيناريو الاعتراف بالأمازيغيّة وإحداث المعهد الملكيّ للثّقافة الأمازيغيّة، وإدخال هذه في المنظومة التّعليميّة المغربيّة الرّسميّة؛ إذ بعد مضي زهاء عقدين من الزّمن عن ذلك، اكتشف الأمازيغ أنّ تنزيل الدّستور على أرض الواقع يتمّ بشكلٍ بطيءٍ جدّاً. ومن هنا ينشأ التّخوّف من أن يتكرّر السّيناريو نفسه، فيظلّ هذا التّرسيم مجرّد إجراءٍ دستوريٍّ لا غير، جاء ليمتصّ غضب الشّارع الأمازيغيّ.
ويقرّ هذا النصّ الدّستوريّ، من جهةٍ أخرى، بأنّ اللّغة الأمازيغيّة تحتاج قانوناً ينظّم مراحل تفعيل ترسيمها وإدماجها في شتّى مناحي الحياة العامّة، لكنّه في الوقت ذاته يتحدّث عن لفظة “مستقبلاً”، ما سيجعل المدّة الزّمنية لترسيمها تعرف نوعاً من التّمديد. كما أنّه لم يشر إلى إعادة الاعتبار إلى اللّغة الأمازيغيّة الّتي قاست من ويلات الحيف والاقصاء منذ الاستقلال إلى تاريخ صدور الدّستور. ما دامت الدّساتير الخمسة السّابقة لم تشر إلى هذا المضمون السّوسيولسانيّ بشكلٍ مطلقٍ، ممّا يستدعي، ولو رمزيّاً، التّفكير فيما قد يسهم في إحياء الذاكرة الجماعيّة للمجتمع المغربيّ، بوصفه نوعاً من جبر الضّرر.
عادةً ما تكتبُ الدّساتير بصيغٍ عموميّةٍ تؤكّد على مبادئ عامّةٍ، ثمّ تأتي التّفاصيل الدّقيقة والمضامين الصّريحة في القوانين التّنظيميّة. وبالنّسبة للّغة الأمازيغيّة، فقد أصبحت من خلال المنطوق الدّستوريّ لغةً رسميّةً للدّولة المغربيّة منذ 2011م، إذ يقول: «يحدّد قانونٌ تنظيميٌّ مراحل تفعيل الطّابع الرّسميّ للأمازيغيّة، وكيفيّات إدماجها في مجال التّعليم، وفي مجالات الحياة العامّة ذات الأولويّة، وذلك لكي تتمكّن من القيام مستقبلاً بوظيفتها، بصفتها لغةً رسميّةً” (53). وهو ما تحقّق بعد مصادقة البرلمان على القانونالتّنْظِيمِيِّ 26.16 في يوليوز 2019م. فما الجديد الّذي حمله معه هذا القانون؟ وإلى أيّ حدٍّ استجاب لمطالب الحركة الثّقافيّة الأمازيغيّة؟
يتكوّن هذا القانون التّنظيميّ من 35 مادّةً موزّعةً على عشرة أبوابٍ. يتضمّن الباب الأوّل منها أحكاماً عامّةً (المادّتان الأولى والثّانية)، ويتعلّق الباب الثّاني بإدماج الأمازيغيّة في مجال التّعليم (المواد 3-8)، والثّالث بإدماج الأمازيغيّة في مجال التّشريع والتّنظيم والعمل البرلمانيّ (المواد 9-11)، والرّابع بإدماج الأمازيغيّة في مجال الإعلام والاتّصال (الموادّ 12-17)، والخامس بإدماج الأمازيغيّة في مختلف مجالات الإبداع الثّقافيّ والفنّيّ (الموادّ 18-20)، والسّادس باستعمال الأمازيغيّة بالإدارات وسائر المرافق العموميّة (الموادّ 21-26)، والسّابع بإدماج الأمازيغيّة في الفضاءات العمومية (الموادّ 27-29)، والثّامن بإدماج الأمازيغيّة في مجال التّقاضي (المادّة 30)، والتّاسع بمراحل تفعيل الطاّبع الرّسميّ للأمازيغيّة وآليّات تتبّعه (الموادّ 31-34)، والعاشر بأحكام ختاميّة (المادّة 35).
وبناءً على هذه الموادّ، يجب على الدّولة المغربيّة أن تصدر القطع والأوراق النّقديّة والطّوابع البريديّة وأختام الإدارات العموميّة باللّغة الأمازيغيّة إلى جانب اللّغة العربيّة، إضافةً إلى الوثائق الّتي يُسلّمها ضبّاط الحالة المدنيّة، والوثائق الصّادرة عن السّفارات والقنصليّات بالمملكة. كما ينبغي على الدّولة في مجال القضاء أن تضمن للمتقاضين والشّهود النّاطقين بالأمازيغيّة الحقّ في استعمال اللّغة الأمازيغيّة والتّواصل بها خلال إجراءات البحث والتّحرّي، بما فيها مرحلة الاستنطاق لدى النّيابة العامّة وإجراءات التّحقيق والجلسات بالمحاكم والتّرافع وإجراءات التّبليغ والنّطق بالحكم.
كما يجب بمقتضى هذا القانون استعمال اللّغة الأمازيغيّة في أشغال الجلسات العموميّة للبرلمان، بحيث يلزم توفير التّرجمة الفورّية من اللّغة الأمازيغيّة وإليها، ونقل الجلسات التّشريعيّة مباشرةً على القنوات التّلفزية والإذاعات العموميّة الأمازيغيّة مصحوبةً بترجمةٍ فوريّةٍ. ويجب على القنوات والإذاعات العموميّة بثّ الخطب والرّسائل الملكيّة والتّصريحات الرّسميّة للمسؤولين العموميّين مصحوبةً بترجمتها الشّفهيّة أو الكتابيّة إلى الأمازيغيّة، إضافةً إلى استعمالها في اللّوحات وعلامات التّشوير المثبتة على الواجهات وداخل مقرّات الإدارات والمؤسّسات العموميّة. ويقضي هذا القانون أيضاً بتحرير الوثائق الرّسميّة باللّغة الأمازيغيّة كالبطاقة الوطنيّة للتّعريف وعقد الزّواج وجوازات السّفر ورخص السّياقة وبطاقات الإقامة المخصّصة للأجانب ومختلف الشّواهد المسلّمة من قبل الإدارة المغربيّة.
لقد استهدف هذا القانون التّنظيميّ إعادة الاعتبار إلى الأمازيغيّة من خلال تعزيز الأبحاث العلميّة المرتبطة بتطويرها، وكذا تشجيع دعم الإنتاج الإبداعيّ الأمازيغيّ، وتوسيع دائرة تداولها في مختلف جوانب الحياة العامّة. ورغم ذلك تشوبه عيوبٌ كثيرةٌ، لعلّ من أهمّها:
الاهْتِمَام بِالتَّعْبيَراتِ وَالتَّنَوُّعَاتِ اللِّسَانِيَّةِ الْمُتَدَاوَلَةِ عَلَى حِسَابِ الْلُّغَةِ الْمِعْيَارِ: فإذا كان هذا القانون يقدّم ضماناتٍ تشريعيّةً تلزم الدّولة بالمحافظة على الأمازيغيّة في غناها وتعدّدها اللّسانيّين، فإنّ السّؤال يبقى مطروحاً بخصوص وظيفة «اللّغة الأمازيغيّة المعيار» في مجال التّربية والتّكوين ومختلف اتّجاهات الحياة العامّة. وبما أنّ الأمازيغيّة تعدّ حقّاً لجميع المغاربة بدون استثناءٍ، فإنّ تدريس لغةٍ واحدةٍ مشتركةٍ موحّدةٍ وممعيرةٍ في كلّ جهات المملكة يعدّ المدخل الأساس المحقّق لهذا المطلب، فضلاً عمّا يستوجبه ذلك من مواردٍّ بشريّةٍ مؤهّلةٍ ووسائل لوجيستيكيّةٍ كافيةٍ.
تَكْرِيس التَّلْهِيجِ عِوَضَ الْمَعْيَرَةِ: تقول الفقرة الثّانية من المادّة الأولى: «ويقصد باللّغة الأمازيغيّة في مدلول هذا القانون التّنظيميّ مختلف التّعبيرات اللّسانيّة الأمازيغيّة المتداولة بمختلف مناطق المغرب، وكذا المنتوج اللّسنيّ والمعجميّ الأمازيغيّ الصّادر عن المؤسّسات والهيئات المختصّة». ومن ثم تخرق النّصّ الدّستوريّ الّذي يقول: «تعدّ الأمازيغيّة أيضاً لغةً رسميّةً للدّولة»، مستعملاً لفظ «الأمازيغيّة» بصيغة المفرد، وليس بصيغة الجمع كما جاء في الفقرة السّابقة. كما أنّ الدّستور يعني الأمازيغيّة الواحدة والموحّدة، وليس تعبيراتها اللّهجيّة المختلفة، والدّليل على ذلك أنّه خصّص الفقرة الخامسة من الفصل الخامس للعناية بالتّنوّعات اللّهجيّة، دون أن يذكر ضمنها الأمازيغيّة: «تعمل الدّولة على صيانة الحسّانيّة وعلى حماية اللّهجات والتّعبيرات الثّقافيّة المستعملة في المغرب” (54).
هُلَامِيَّة الزَّمَنِ وَاسْتِعْمَال الْلُّغَةِ التَّسْوِيفِيَّةِ: لقد جاءت المصادقة على القانون متأخّرةً جدّاً بالنّظر إلى صدور الدّستور سنة 2011م، كما أنّه لا يلزم الدّولة بأمور محوريّةٍ تتعلّق بالتّعليم والإعلام، حيث جاء بعباراتٍ فضفاضةٍ وحمّالةٍ لأوجهٍ يمكن تأويلها في كلّ الاتّجاهات. فإذا كان القانون عامّةً عبارةٌ عن قواعد ملزمةٍ، فإنّ صياغتها في هذا القانون يطغى عليها الطّابع الإنشائيّ اللّغويّ – الفنّيّ، حيث تعطى قراءة موادّه انطباعاً بأنّها ذات حمولةٍ أخلاقيّةٍ معياريّةٍ تتّخذُ صورة تصريحٍ بالشّرف أو إعلان مبادئ، وليس قواعد قانونيّةً ملزمةً. كما يؤشّر طغيانُ استعماله لكلمة «يمكن» الّتي تتكرّر في نصّه ثلاث مرّاتٍ (المادّة: 5، والمادة: 6، والمادة: 9) على غياب أيّ إلزاميّةٍ له، ممّا يفسح المجال للتّماطل تحت ذريعة الاٍمكانات والظّروف العامّة. فضلاً عن عدم الحفاظ على المكتسبات السّابقة في مجال المؤسّسات العاملة في مجال تطوير الأمازيغيّة (المعهد الملكيّ للثّقافة الأمازيغيّة).
وإذا كان منطق تنزيل الحقوق يقتضي التّدرّج بالتّوازي مع مختلف الإمكانات والاعتبارات مقبولٌ نسبيّاً، إلّا أنّ المدد الزّمنيّة المحدّدة في هذا القانون يُعتبر مؤشّراً سلبيّاً على غياب رغبةٍ حقيقيّةٍ لدى أصحاب القرار في الأجرأة. فمن أصل 35 مادّةً، نجد 20 مادّةً محدّدة زمنيّاً؛ ففيما يتعّلق بخمس سنواتٍ على الأكثر نجد (الموادّ 4 –”الفقرة الثّانية” و7 و9 و10 “الفقرة الأولى” و12 و13 و14 و15 و20 و24 و27 و28 و29)، وبخصوص عشر سنواتٍ على الأكثر، نجد (الموادّ 4 “الفقرة الثّالثة” و6 و10 “الفقرة الثّانية” و21 و22 و26 و30) وفيما يتعلّق بخمس عشرةَ سنة على الأكثر، نجد المادّتين 11 و23.
وعندما نتأمّل هذه الأبعاد الزّمنيّة في مستوياتها الكرونولوجيّة، نصل إلى أنّ المنطق الّذي سعى إلى «إقصاء الأمازيغيّة» منذ الاستقلال ما يزال متواصلاً إلى غاية اليوم، وإلّا فلماذا انتظار عشر سنواتٍ لتفعيل المادّة 21 المتعلّقة بكتابة البيانات المتضمّنة في الوثائق الرّسميّة باللّغة الأمازيغيّة إلى جانب العربيّة كبطاقة التّعريف، وجواز السّفر، ورخصة السّياقة…؟
تَرْسِيم التَّوَاصُلِ لَا الْاسْتِعْمَالِ الْكِتَابِيّ: يختزل القانون التّنظيميّ تفعيلَ الطّابع الرّسميّ للأمازيغيّة في هدفٍ وحيدٍ هو «التّواصل»: «ويهدف هذا القانون التّنظيميّ إلى تعزيز التّواصل باللّغة الأمازيغيّة في مختلف المجالات العامّة ذات الأولويّة، باعتبارها لغةً رسميّةً للدّولة” (55). وبالرّجوع إلى السّياقات العامّة الّتي جاءت فيها كلمة «تواصل» في هذا القانون، نجد أنّ المقصود بها هو فقط الاستعمال الشّفويّ للأمازيغيّة، وليس تفعيل طابعها الرّسميّ كما هو منصوصٌ عليه في الدّستور.
اسْتِحَالَة التّطْبِيقِ الْحَرْفِيّ لِلقَانُونِ التّنْظِيمِيِّ: يظهر ذلك مثلاً في مجال «التّقاضي»، الّذي خصّه القانون بمادّةٍ واحدةٍ هي المادّة 30؛ إذ لا تتضمّن ما من شأنه، ولو بعد مدّةٍ طويلةٍ من التّأهيل والمعيرة، أن تُكتب يوماً ما باللّغة الأمازيغيّة الأحكامُ ومختلفُ القرارات القضائيّة، والمذكّرات التّرافعيّة، وسجلّات كتابة الضّبط، ومحاضر الشّرطية القضائيّة، كما تُكتب اليوم بالعربيّة. ولا تتضمّن أيضاً ما يفيد أنّ المواطنين سيكونون قادرين على تقديم طلباتهم وشكاياتهم إلى الإدارة محرّرةً بالأمازيغيّة، وستجيب عنها هذه الإدارة باللّغة نفسها. كما لا ينفي اللّجوءُ إلى التّرجمة بالنّسبة إلى الأمازيغيّة الطّابع الرّسميّ، بل يجعل منها لغةً أجنبيّةً، يُعطي القانون لمستعملها الحقّ في أن يستعين بمترجمٍ حتّى يتواصل مع الموظّف الّذي يستعمل لغته الرّسميّة (56).
تَكْرِيس مَسْلَكِيَّاتٍ تَمْيِيزِيّةٍ سَابِقَةٍ لِلدُّسْتُورِ: لم يهتمّ هذا القانون التّنظيميّ بحقّ الأمازيغ في تسمية أبنائهم بأسماء أمازيغيّةٍ، وهي الّتي كانت محطّ دعاوى قضائيّةٍ عديدةٍ انتهى جلّها بتأييد القرارات الإداريّة. وبهذا حُرم عدد ٌ كبيرٌ من المواطنين المغاربة من تسمية أبنائهم بأسماء أمازيغيّةٍ.
النُّكُوصِيّة وَالسّيزيفِيَّة عَلَى مسْتَوَى الْمُكْتَسَبَاتِ السَّابِقَةِ: عادت الدّولة بعد تقديمها للقانون رقم 04.20، المتعلّق بالبطاقة الوطنيّة للتّعريف الجديدة، إلى ما قبل سنة 2011م، أي إلى ما قبل التّرسيم الدّستوريّ للأمازيغيّة، وصدور قانونها التّنظيميّ، مستخفّةً بها وبكلّ ما تقرّر لصالحها، بعدما غيّبت حرف “تِيفِيناغْ” من واجهة هذه الوثيقة الرّسميّة، بما يذكّر بسيرة “سيزيف” (نسبةً إلى شخصيّة «سيزيف» في الأسطورة اليونانيّة الّذي حكمت عليه الآلهة بأن يحمل صخرةً إلى قمّة الجبل، فكان كلّما أوصلها تدحرجت منه إلى الأسفل ليعود إلى حملها من جديدٍ). وفُسّر هذا الغياب بوجود إشكالٍ تقنيٍّ مرتبطٍ بالشّيفرة البرمجيّة الأمنيّة، وبكون سجلّات المواطنين كشواهد الإقامة وعقود الازدياد غير مدرجةٍ بالأمازيغيّة. وقد تقدّمت الفعاليات الثقافية الأمازيغية، في هذا الإطار، بطلبٍ رسميٍّ لأجل كتابة بعض العبارات الثّابتة كاسم البطاقة بالحرفين العربّي والأمازيغيّ لتجاوز هذا المشكل، وتضاف لاحقا المعلومات الشّخصية عند تعديلها، لكنّه قوبل بالرّفض.
اِسْتِنْتَاجَاتٌ
لا مرية أنّه إذا سئل أيّ باحثٍ أو مهتمٍّ باللّغة الأمازيغيّة عن مدى قابليّة الوضع السّوسيولسانيّ الرّاهن في المغرب لترسيخ اللّغة الأمازيغيّة وتعميمها على سائر المؤسّسات الرّسميّة والحياة العامّة، سيكون جوابه بالإيجاب. لكنّه لا يعدُو أن يكون الجواب مرتبطاً بالشّقّ العلميّ لأداء كلّ الأدوار في انتظار جاهزيّة المقرّرات السّياسيّة لسنّ القوانين والمراسيم المناسبة واتّخاذ إجراءاتٍ ملموسةٍ وفعّالةٍ.
تحتاج اللّغة الأمازيغيّة، على غرار كلِّ اللّغات العالميّة، في كلّ وقتٍ للتّحديث والعصرنة، وهو ما لن يكون متاحاً رسميّاً إلّا بعد استيفائها لمختلف مقوّمات التّهيئة اللّسانيّة. وطالما أنّه لا توجد لهجةٌ «كاملةٌ» أو مكتفيةٌ بذاتها، أو تتوفّر على جميع حاجات الحياة العامّة. فإنّه لا بدّ من التّكامل والتّبادل بين فروع اللّغة الأمازيغيّة، وعلى النّاطقين بها أن يدركوا أنّهم لا يستطيعون التّشبّث بالمفردات الّتي تتوفّر عليها لهجتهم فقط، بل يفترض بهم استعمال مفردات التّنوّعات اللّهجيّة الأخرى، لأنّ اللّسانيّين لا يبقون في عمليّة المعيرة على الدّخيل إلّا في الحالات النّادرة الّتي من بينها انعدام البديل في معجم اللّغة المعنيّة بهذه العمليّة.
يكمن الحلّ الأمثل لمعيرة اللّغة الأمازيغيّة في المغرب في الانطلاق من التّنوّعات اللّهجيّة الثّلاث والتّقريب بينها في إطار مجموعةٍ لهجيّةٍ جديدةٍ، وتلافي المقوّمات المحليّة المعزولة، والرّفع من قيمة الشّائع والمشترك بينها (مقاربة الواحد والمتعدّد). وهو عملٌ يقتضي، مبدئيّاً، النّهوض بشكلٍ إيجابيٍّ بمختلف التّنوّعات اللّسانيّة الجهويّة حتّى تكون مهيّأةً للتّغيير اللّاحق.
وذلك من خلال القيام بأعمالٍ تطبيقيّةٍ وبحوثٍ ميدانيّةٍ من أجل إغناء كلّ اللّهجات، فتؤخذ الكلمات الأساسيّة والّتي تحمل عناصر مشتركةً وجامعةً بينها، فضلا عن الدّلالات القديمة والكلمات المهملة والمهجورة، مع التّركيز على النّسق الفونيتيكيّ المشترك بينها. ولعلّ التّحدّي الأكبر هو الاشتغال على القواسم المشتركة بين اللّهجات، ولا يمكن القيام بهذه المعيرة إلّا بواسطة اللّغة الواصفة، بعيداً عن جميع التّنوّعات اللّهجيّة الأمازيغيّة، أو بفرض التّنوّع اللّهجيّ الّذي درّس أكثر من اللّهجات الأخرى (السّوسيّة أو الرّيفيّة)، وهذا الخيار هو الأكثر مجلبةً للسّلم اللّغوي في البلاد؛
مهما كانت مزايا الرّسمين العربيّ الآراميّ واللّاتينيّ، وما دام انتقاء الرّسم المناسب للّغة للأمازيغيّة ليس عمليّةً تقنيّةً بسيطةً ومحايدةً، تعتبر حروف تيفيناغ جزءاً أصيلاً من الموروث الثّقافيّ الأمازيغيّ، لا سيّما أنّ تطوّر الأمم ليس قائماً بالضّرورة على نمط الخطّ الّذي تستعمله في كتابة لغاتها (التّجربة الصّينيّة في الرّسم)؛
تعتبر مرحلة «تثبيت المعايير واستقرارها» المرحلة الأهمّ في هذه السّيرورة السّوسيولسانيّة “التّهيئة اللّسانيّة”، لأنّها تتحقّق تدريجيّاً في الزّمان، ويتحكّم فيها بشكلٍ حاسمٍ البعد السّياسيِّ من خلال توسيع الاستعمال وتوحيد القواعد المعياريّة داخل المؤسّسات الرّسميّة، وعبر توظيفها في الإبداع بكلّ صنوفه وأشكاله، واعتماد مرجعيّةٍ موحّدةٍ لتقييم وتحديد الصّائب والخاطئ فيما هو متداولٌ.
وتعيش حتّى اللّغات العريقة في الأنظمة الكتابيّة الصّيرورة نفسها بخصوص بعض المفاهيم المقترضة أو تمّ توليدها أو توسيع مجالها الدّلاليّ، بحيث يكون استعمالها غريباً في البداية، لكن مع الوقت يصبح سماعها عادياً، فتكتسب هذه المفردات شرعيّة التّداول والتّوظيف، مثل: كلمة (Live) الإنجليزيّة الّتي تقابلها (en directe) الفرنسيّة و”مباشرةً” أو “بثٌّ حيٌّ” أو “عَلَى الْهَوَاءِ” باللّغة العربيّة، ولا تزال تتنازع شرعيّة التّداول بسبب عدم الحسم فيها عربيّاً، وهو الأمر الّذي يستلزم، بالنّسبة للّغة الأمازيغيّة، وجود مؤسّسةٍ لسانيّةٍ موحّدةٍ تبتّ في مثل هذه الظّواهر اللّسانيّة.
ورغم كلّ المؤاخذات الّتي تمّ تسجيلها على القانون التّنظيميّ 26 -16، فإنّه خطوةٌ مهمّةٌ إلى الأمام بالنّسبة للّغة الأمازيغيّة في المغرب، وسيكون من الأجدى على الأقلّ احترام الآجال المحدّدة فيه لتفعيل طابعها الرّسميّ.
تَوْصِيَاتٌ
لعّل من أبرز التّوصيات الّتي خرجت بها هذ الورقة:
ترسيم اللّغة الأمازيغيّة لا يكتسي أيّة قيمةٍ ملموسةٍ إلّا إذا أخذ بعين الاعتبار واقع الإنسان الأمازيغيّ، الّذي لا يوجد إلّا في المغرب غير النّافع، مغرب الجبال الوعرة والصّحاري القاحلة، ممّا يحتّم ربط الإصلاحات السّياسيّة الجديدة بالأبعاد الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتّنمويّة، لا التّركيز على الأبعاد الرّمزيّة والشّكليّة لبعض القضايا السّياسيّة والثّقافيّة.
تشكيل مجالس جهويّةٍ ومحلّيةٍ من أجل تتبّع تنفيذ السّياسة اللّغويّة والثّقافيّة جهويًّا وإقليميّاً، ويكون تدخّلها متعلّقاً بتنمية وحماية الأشكال الثّقافيّة المحليّة. وإعداد ميثاقٍ جهويٍّ يحدّد السّياسة اللّغويّة بالجهة فيما يرتبط بالحفاظ على التّنوّعات اللّغوية المحلّيّة وصيانة كلّ مظاهر التّراث المحلّي، وتكوين الموظّفين الجهويّين والجماعيّين في اللّغة الأمازيغيّة، وفتح المجال أمام توظيف أطرٍ جديدةٍ مؤهّلةٍ من حاملي الشّهادات العليا في الدّراسات الأمازيغيّة.
تقتضي الدّيموقراطيّة اللّغويّة في تدبير عمليّة معيرة اللّغة الأمازيغيّة في المغرب أن تكون اللّغة المعيار على المسافة نفسها من التّنوّعات المغربيّة الثّلاثة (السّوسيّة جنوباً، والأطلسيّة في الوسط، والرّيفيّة شمالاً)، وطالما أنّ هذه العمليّة هي سيرورةٌ غير متوقّفةٍ، وتعتمد في كلّ حينٍ على ما يستجدّ من المفردات الّتي أُميتت في لهجةٍ من اللّهجات؛ وعلى تطوير آليّات البحث اللّغويّ والإبداعيّ. وحتّى تكون أمازيغيّة الوسط رقماً مهمّاً في هذه المعادلة، فإنّ على الباحثين الأمازيغيّين الاتّجاه صوب هذا التّنوّع الجهويّ بحثاً وإبداعاً، لأنّ المكتبة الأمازيغيّة تفتقر إلى مصنّفاتٍ وإنتاجاتٍ توازي في أهمّيتها، كمّاً وكيفاً، تلك المؤلّفة بأمازيغيّتي الشّمال والجنوب. وهذه دعوةٌ صريحةٌ للباحثين والمبدعين في شتّى المجالات للانكباب على دراسة في هذا المتن اللّغويّ الخاصّ، وتأسيس مراكز بحثٍ إقليميّةٍ وحلقاتٍ دراسيّةٍ جهويّةٍ تجمع كلّ المهتمّين بتدبير هذا الملفّ الشّائك.
ضرورة رفع كلّ أشكال التّراتبية والالتباس الواردة في الصّياغة المعتمدة للفصل الخامس من الدّستور وذلك بإقرار تدابير وقوانين واقعيّةٍ وموضوعيّةٍ تجعل من الأمازيغيّة لغةً رسميّةً وعلى قدم المساواة مع اللّغة العربيّة، وتذكير الحكومة المغربيّة بالتزاماتها الدّستوريّة والحقوقيّة وحثّها على ردّ الإعتبار للأمازيغيّة واعتماد معيار التّمييز الإيجابيّ لفائدة الأمازيغيّة، وجعل كلّ المؤسّسات الرّسميّة تستعمل الأمازيغيّة لغةً للتواصل والعمل، وكذا تخصيص جزءٍ مهمٍّ من إنتاجاتها العلميّة والفكريّة والأدبيّة للّغة الأمازيغيّة.
إدراج الأمازيغيّة كلغة للتّكوين في كافّة مؤسّسات تكوين موظّفي وأعوان الدّولة في كلّ التّخصّصات، ولا سيّما في ميدان العدالة والصّحة والتّعليم…، ورفع عدد ساعات تدريسها إلى المستوى الّذي يجعلها في نفس مقام اللّغتين العربيّة والفرنسيّة، بالإضافة إلى تعميمها فعليّاً في كلّ المؤسّسات التّعليميّة بالمستويات الابتدائيّة والإعداديّة والتّأهيليّة، مع اعتماد الثّقافة والأعراف الأمازيغيّة كمصدر من مصادر التّشريع الوطنيّ فيما لا يتنافى مع القانون الدّولي لحقوق الإنسان.
أرشفة الموروث الثّقافيّ والقانونيّ والفنّيّ الأمازيغيّ الوطنيّ كمرحلةٍ أوليّةٍ تستهدف الإدماج الكامل للأمازيغيّة في كافّة مجالات الحياة اليوميّة؛
إلزام الموظّفين المكلّفين بتنفيذ قوانين الحالة المدنيّة باحترام الحقّ في الشّخصيّة القانونيّة للأمازيغ ورفع كافّة أشكال الحظر على الأسماء الأمازيغيّة الشّخصيّة، واسترجاع بعض الأماكن في الطّوبونيميا المغربيّة لأسمائها الأصليّة الأمازيغيّة.
خاتِمةٌ
إنّ تهيئة اللّغة الأمازيغيّة ورشٌ وطنيٌّ ضخمٌ يستلزم التّوعية أوّلاً وضمان انخراط كلّ الشّرائح الاجتماعيّة في إنجاحه ثانياً، لأنّها ليست منشداً كماليّاً أو تكميليّاً، وإنّما ضرورةٌ وجوديّةٌ ومصيريّةٌ، تضرب بجذورها في غور التّاريخ، وتلقي بظلالها على امتداد الواقع. وتأسيساً على ذلك، لا بدّ من توفير ظروفٍ سوسيولسانيّةٍ وقانونيّةٍ “سياسيّةٍ” تخدم من جهةٍ اللّغة الأمازيغيّة في كلّ أبعادها الثّقافيّة والفكريّة والاجتماعيّة، ومن تكاملٍ حقيقيٍّ بين الأدوار الأكاديميّة والسّياسيّة لمختلف الفاعلين في سيرورة معيرتها من أجل حاضرٍ واعدٍ ومستقبلٍ زاهرٍ لهذه اللّغة، من جهةٍ أخرى. وأن يتمّ سنّ قوانين ومراسيم مناسبةٍ، وأن تتحلّى كلّ الفعاليّات بالالتزام السّياسيّ تجاه هذا الموضوع المهمّ، وأن يحترم الدّستور فضلاً عن كلّ القرارات الرّسميّة بعيداً عن المزاجيّة والخلفيّات الإيديولوجيّة المكرّسة للكراهيّة، لأنّ نجاح هذه المرحلة كفيلٌ بتسريع وتيرة انتقال الأمازيغيّة إلى لغةٍ ممعيرةٍ وموحّدةٍ. والمقصود باللّغة الأمازيغيّة في هذا السّياق هو تناول القضيّة الأمازيغيّة في شموليّتها كقضيّة هويّةٍ حضاريّةٍ ثقافيّةٍ متعدّدة الأبعاد.
(°) أستاذ باحث في اللّسانيّات التّطبيقيّة والدراسات الأمازيغية، من أعماله: “معجم المعاني أمازيغي عربي”، “التواصل في المنظومة التربوية في المغرب”، “النظرية الحقلية والصناعة المعجمية الموضوعاتية”..
الهوامش:
(1) – سارة مالك، ومحمد زوقاي، 2019م، اللّغة الأمازيغيّة بين التّوحيد والمعيرة: الحلول الممكنة في إطار “التّهيئة اللّسانيّة”، مجلّة جسور المعرفة، المجلّد 05، العدد 04، دجنبر 2019م، ص: 553.
(2) – إدريس رابح، 2014م، كيف تمّت تهيئة اللّغة الأمازيغيّة؟، نشر بخنيفرة أون لاين يوم 06 مارس 2014م، مغرس، موقع أنترنيت: (www. Maghress.com) .
(3) – أحمد عصيد، 2013م، “كيف يتمّ توحيد ومعيرة اللّغة الأمازيغيّة؟”، جريدة هسبريس الالكترونيّة، يوم 11 مارس 2013م، موقع الأنترنيت: (www.hespress.com).
(4)Corbeil Jean-Claude, 1980, l’aménagement linguistique au Québec, –Montréal, Guérin.
(5) Galisson, R.& Coste, D. (1976), Dictionnaire de didactique des langues, Paris, Hachette, p. 376.
(6)لويس جان كالفي، 2008م، حرب اللّغات والسّياسات اللّغويّة، ترجمة حسن حمزة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، المنظّمة العربيّة للتّرجمة، ط: 1، بيروت، لبنان، ص: 225.
(7) دينيس داوست، 2009م، التّخطيط اللّغويّ والإصلاح اللّغويّ، دليل السّوسيولسانيّات، ترجمة خالد الأشهب وماجدولين النّهيبي، المنظّمة العربيّة للتّرجمة، ط: 1، بيروت، لبنان، ص: 932.
(8) أيمن الطّيّب بن نجي، 2017م، التّخطيط والسّياسة اللّغويّة وأبرز عوائقهما في الوطن العربيّ، المؤتمر العالميّ للدّراسات العربيّة والحضارة الإسلاميّة، معهد الدّوحة للدّراسات العليا، قطر، مارس 2017م، ص: 301.
(9) عبد الرّحمان يجيوي، 2011م، تنمية اللّغة ولغة التّنمية في الوطن العربيّ، المركز العربيّ للأبحاث ودراسات السّياسات، ط: 1، الدّوحة، قطر، ص: 03.
(10)– Meftaha Ameur, (2009), Aménagement linguistique de l’amazighe፡ pour une approche polynomique, IRCAM, Asinag, n° 3, p፡ 76.
(11) Sauzet. P. (2000), Réflexions sur la normalisation linguistique de l’Occitan, actes de colloque, Paris, p፡ 39.
(12) Jacques Leclerc, (1986), Langue et société, Mondia Editeurs, p፡358.
(13)مولود بن زادي، 2018م، معيرة اللّغة الأمازيغيّة: العقبات والأخطار، جريدة القدس العربيّ، 22 فبراير 2018م، موقع الأنترنيت: www. Alquds.co.uk)).
(14) أحمد عصيد، 2013م، “كيف يتمّ توحيد ومعيرة اللّغة الأمازيغيّة؟”، م. س.
(15)Meftaha Ameur, Aménagement linguistique de l’amazighe፡ pour une approche polynomique, p፡ 79.
(16) voir idem.
(17)Garvin, P. (1983), le rôle des linguistes de l’école de Prague dans le développement de la norme linguistique tchèque, Bédard Edith et Maurice Jacques (éd.), La norme linguistique, Québec፡ Conseil de la langue française, Paris, Le Robert, p፡ 147.
(18) Dubois (J.) et al. (1973 Dictionnaire de linguistique, Paris, Larousse
, p.342
(19)Jean Dubois et autres, «Grand Dictionnaire Linguistique et sciences du Langage», p. 440.
(20) محمد بودهان، 2019م، قانونٌ تنظيميٌّ لإعدام ترسيم الأمازيغيّة، جريدة هسبريس الالكترونيّة (www.hespress.com)،الأربعاء 31 يوليوز 2019م.
(21)Carles Castellanos. M. (2003), «Enseignement et standardisation, les deux urgences de l’amazigh፡ la langue commune et l’aménagement néologique», Université Barcelone, LES ACTES DU COLLOQUE AMAZIGH, «Education et langues maternelles፡ l’exemple de l’amazigh», Casablanca, Le mardi 17 juin 2003, p፡ 16 – 17.
(22)Lionel Galand, (1989), les langues berbères, I. Fodor et CI. Hagège (éds.), Language Reform፡ History and Future / La réforme des langues፡ Histoire et Avenir, Hamburg, Helmut Buske Verlag, vol. 4, p፡ 350.
(23) سارة مالك، ومحمد زوقاي، 2019م، اللّغة الأمازيغيّة بين التّوحيد والمعيرة: الحلول الممكنة في إطار “التّهيئة اللّسانيّة”، مجلّة جسور المعرفة، المجلّد 05، العدد 04، دجنبر 2019، ص: 560.
(24)Moussa Imrazene, (2010), variation et normalisation de tamazight, Université Mouloud Mammeri, Tizi-Ouzou, Colloque international, La standardisation de l’écriture amazighe, 20 – 22 septembre 2010, p፡ 44.
(25) Lionel Galand, 1989, p፡ 350.
(26)Kamal Nait – Zerrad, (2000), les systèmes de notation du berbère, actes du colloque, Paris, p፡ 331 – 340.
(27)Meftaha Ameur, (2009), Aménagement linguistique de l’amazighe፡ pour une approche polynomique, p፡ 78.
(28)Chaker Salem, (1985), La planification linguistique dans le domaine berbère፡ une normalisation, Tafsut, Série spéciale፡ «études et débats», n° 2, Tizi-OuzouAhmed Boukous, (2003), De l’aménagement dans le domaine amazighe», Prologues, n°27 / 28.
(29)سارة مالك، ومحمد زوقاي، 2019م، اللّغة الأمازيغيّة بين التّوحيد والمعيرة: الحلول الممكنة في إطار “التّهيئة اللّسانيّة”، م. س، ص: 562.
(30) أحمد عصيد، 2013م، “كيف يتمّ توحيد ومعيرة اللّغة الأمازيغيّة؟”، م. س
(31) إبراهيم عبد السّلام، وكير عبد السّلام، 1996م، الوجيز في قواعد الكتابة والنّحو للّغة الأمازيغيّة “المزابيّة، المطبعة العربيّة، ط: 1، غرداية، الجزائر، ج: 1، ص: 04.
(32) عبد السّلام المسدّي، 2011م، العرب والانتحار اللّغويّ، دار الكتاب الجديد المتّحدة، بيروت، لبنان، ط: 1، ص: 7.
(33) خطاب الملك الحسن الثاني ليوم 20 غشت 1994م، مجلة دعوة الحقّ، ع: 304، غشت – شتنبر 1994م.
(34) خطاب الملك محمد السّادس في منطقة أجدير نواحي مدينة خنيفرة بالأطلس المتوسّط يوم 17 أكتوبر 2001م.
(36)Jacques Ruffié, (1990), la responsabilité scientifique, Edition la découverte, pp፡ 210 – 219.
(37) فرديناند دي سوسير، 2006م، محاضراتٌ في علم اللّسان العامّ، ترجمة عبد القادر قينيني، أفريقيا الشّرق، الدّار البيضاء، الفصل الثّاني، ص. ص: 110 – 119.
(38) Carles Castellanos. M., (2003), p፡ 16.
(39) إدريس رابح، اللّغة الأمازيغيّة وتدبير مرحلة ما بعد المعيرة، موقع الأنترنيت: (www.amazighworld.org). بتاريخ 29 – 10 – 2013م، 15:19.
(40) لويس جان كالفي، 2008م، حرب اللّغات والسّياسات اللّغويّة، ترجمة حسن حمزة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، المنظّمة العربيّة للتّرجمة، ط: 1، بيروت، لبنان، غشت 2008م، ص: 222 – 223.
(41)Lahcène Sériak, (2002), Identité Amazighe, l’Algérie aux sources de l’humanité፡ 30 siècles d’histoire, corpus et bibliographie, pp፡ 128 – 129.
(42) عزّ الدّين المناصرة، 2002م،المسألة الأمازيغيّة في الجزائر والمغرب: إشكاليّة التّعدّديّة اللّغويّة، دار الشّروق للنّشر والتّوزيع، ط: 1، عمّان، الأردن، ص: 70.
(43)René Basset, (1887), Manuel de langue Kabyle (dialecte Zouaoua), Maison neuve & CH. Leclerc, Editeurs, Paris, p፡Ⅷ.
(44) صالح بلعيد، 2003م، اللّغة الأمّ والواقع اللّغويّ في الجزائر، مجلّة اللّغة العربيّة، المجلس الأعلى للّغة العربيّة، الجزائر، العدد 2، المجلّد: 5، خريف 2013، ص: 29.
(45) م. ن، ص: 19.
(46) مفتاحة عامر، وعائشة بوحجر، وفاطمة بوخريص، وآخرون، 2006م، مدخلٌ إلى اللّغة الأمازيغيّة، ترجمة: رشيد لعبدلاوي، المعهد الملكيّ للثّقافة الأمازيغيّة، دار المعارف الجديدة، الرّباط، ص: 36.
(47) سمير براهم، 2020م، إشكاليّات التّخطيط اللّغويّ في ظلّ التّنوّعات اللّهجيّة للأمازيغيّة في الجزائر، اختيار الخطّ أنموذجاً، ص: 214.
(48) سالم شاكر، 2003م، الأمازيغ وقضيّتهم في بلاد المغرب المعاصر، ترجمة: حبيب اللّه منصوري، دار القصبة للنّشر، الجزائر، ص: 160.
(49) صالح بلعيد، 2006م، هويّتنا اللّغويّة: “الأمازيغيّة والعربيّة صراعٌ أم تكاملٌ؟،Revue Campus, N° 3, Université Mouloud Mammeri, Tizi-ouzou, septembre 2006, p፡ 48.
(50) سمير براهم، 2020م، إشكاليّات التّخطيط اللّغويّ في ظلّ التّنوّعات اللّهجيّة للأمازيغيّة في الجزائر، اختيار الخطّ أنموذجاً، مجلّة حوليّات الآداب واللّغات، جامعة محمّد بوضياف، المسيلة، الجزائر، ص: 210 – 223، ص: 217.
(51) الظّهير الشّريف رقم 1.19.121 صادر في 12 من محرّم 1414ه (12 سبتمبر 2019م) بتنفيذ القانون التّنظيميّ رقم 26.16 يتعلّق بتحديد مراحل تفعيل الطّابع الرّسميّ للأمازيغية وكيفيّات إدماجها في مجال التّعليم وفي مجالات الحياة العامّة ذات الأولويّة، الجريدة الرّسميّة عدد 6816 بتاريخ 26 شتنبر 2019م.
(52) المملكة المغربيّة، الدّستور، الأمانة العامّة للحكومة، 2011م، ص. 4-5.
(53) التّجاني بولعوالي، 2014م، راهن الأمازيغيّة في ضوء المتغيّرات الجديدة، إفريقيا الشّرق، الدّار البيضاء، المغرب، ص: 28.
(54) الفقرة الرّابعة من الفصل الخامس من الدّستور المغربيّ لسنة 2011م.
(55) محمد بودهان، 2016م، القانون التّنظيميّ لمنع ترسيم الأمازيغيّة، جريدة هسبريس الالكترونيّة (www.hespress.com)، الجمعة 30 شتنبر 2016م.
(56) المادةّ الثّانية من القانون التّنظيميّ 26-16.
(57) محمد بودهان، 2019م، “قانونٌ تنظيميٌّ لإعدام ترسيم الأمازيغيّة، جريدة هسبريس الالكترونيّة (www.hespress.com)،الأربعاء 31 يوليوز 2019م.
البيبليوغرافيا
البيبليوغرافيا العربيّة
براهم سمير، 2020م، إشكاليّات التّخطيط اللّغويّ في ظلّ التّنوّعات اللّهجيّة للأمازيغيّة في الجزائر، اختيار الخطّ أنموذجاً، مجلّة حوليّات الآداب واللّغات، جامعة محمّد بوضياف، المسيلة، الجزائر، صص: 210 – 223.
بلعيد صالح، 2013م، اللّغة الأمّ والواقع اللّغويّ في الجزائر، مجلّة اللّغة العربيّة، المجلس الأعلى للغة العربيّة، الجزائر، العدد 2، المجلّد: 5، خريف 2013م، صص: 127 – 176.
بن زادي مولود، 2018م، معيرة اللّغة الأمازيغيّة: العقبات والأخطار، القدس العربيّ، 22 فبراير، موقع الأنترنيت: Alquds.co.uk)). تمّت زيارة الموقع يوم 27 فبراير 2021 على السّاعة 12: 55.
بن نجي أيمن الطّيّب، 2017م، التّخطيط والسّياسة اللّغويّة وأبرز عوائقهما في الوطن العربيّ، المؤتمر العالميّ للدّراسات العربيّة والحضارة الإسلاميّة، معهد الدّوحة للدّراسات العليا، الدّوحة، قطر، مارس 2017م.
بودهان محمد، 2016م، القانون التّنظيميّ لمنع ترسيم الأمازيغيّة، جريدة هسبريس الالكترونيّة (hespress.com)،الجمعة 30 شتنبر 2016 – 06 تمّت زيارة الموقع يوم 12 فبراير 2021م على السّاعة: 20:20.
بودهان محمد، 2019م، قانونٌ تنظيميٌّ لإعدام ترسيم الأمازيغيّة، جريدة هسبريس الالكترونيّة (hespress.com)،الأربعاء 31 يوليوز 2019 – 14:15، تمّت زيارة الموقع الالكترونيّ يوم 22 فبراير 2021 على السّاعة 14:35.
بولعوالي التّيجاني، 2014م، راهن الأمازيغيّة: في ضوء المتغيّرات الجديدة، إفريقيا الشّرق، الدّار البيضاء، المغرب.
داوست دينيس،2009م، التّخطيط اللّغويّ والإصلاح اللّغويّ، دليل السّوسيولسانيّات، ترجمة خالد الأشهب وماجدولين النّهيبي، المنظّمة العربيّة للتّرجمة، ط: 1، بيروت، لبنان.
دي سوسير فرديناند، 2006م، محاضراتٌ في علم اللّسان العامّ، ترجمة عبد القادر قينيني، أفريقيا الشّرق، الدّار البيضاء، المغرب.
رابح إدريس، 2013م، اللّغة الأمازيغيّة وتدبير مرحلة ما بعد المعيرة، موقع الأنترنيت: amazighworld.org. بتاريخ 29 – 10 – 2013، 15:19. تمّت زيارة الموقع يوم 21 فبراير 2021م على الساعة: 22:18.
رابح إدريس، 2014م، كيف تمّت تهيئة اللّغة الأمازيغيّة؟، نشر بخنيفرة أون لاين يوم 06 مارس 2014م، مغرس، موقع أنترنيت: ( Maghress.com)، تمّت زيارتهما يوم 28 فبراير 2021م على السّاعة 12: 55.
شاكر سالم، 2003م، الأمازيغ وقضيّتهم في بلاد المغرب المعاصر، ترجمة: حبيب اللّه منصوري، دار القصبة للنّشر، الجزائر.
عامر مفتاحة، وعائشة بوحجر، وفاطمة بوخريص، وآخرون، 2006م، مدخلٌ إلى اللّغة الأمازيغيّة، ترجمة: رشيد لعبدلاوي، المعهد الملكيّ للثّقافة الأمازيغيّة، دار المعارف الجديدة، الرّباط، المغرب.
عبد السّلام إبراهيم، وكير عبد السّلام، 1996م، الوجيز في قواعد الكتابة والنّحو للّغة الأمازيغيّة «المزابيّة»، المطبعة العربيّة، ط: 1، ج: 1، غرداية، الجزائر.
عصيد أحمد، 2013م، «كيف يتم توحيد ومعيرة اللّغة الأمازيغيّة؟»، جريدة هسبريس الإلكترونيّة ليوم 11 مارس 2013م، موقع الأنترنيت: (hespress.com). تمّت زيارة الموقع الالكترونيّ يوم 21 فبراير 2021 على السّاعة 21:15.
كالفي لويس جان، 2008م، حرب اللّغات والسّياسات اللّغويّة، ترجمة حسن حمزة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، المنظّمة العربيّة للتّرجمة، ط: 1، بيروت، لبنان.
مالك سارة، ومحمد زوقاي، 2019م، اللّغة الأمازيغيّة بين التّوحيد والمعيرة: الحلول الممكنة في إطار «التّهيئة اللّسانيّة»، مجلّة جسور المعرفة، المجلّد 05، العدد 04، دجنبر 2019م، الصّفحات: 552 – 565.
المسدّي عبد السّلام، 2011م، العرب والانتحار اللّغويّ، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط: 1، بيروت، لبنان.
المناصرة عزّ الدّين، 2002م، المسألة الأمازيغيّة في الجزائر والمغرب: إشكاليّة التّعدّديّة اللّغويّة، دار الشّروق للنّشر والتّوزيع، ط: 1، عمّان، الأردن.
جورج مونان، 2012م، معجم اللّسانيّات، ترجمة جمال الحضريّ، المؤسّسة الجامعة للدّراسات والنّشر والتّوزيع، بيروت، لبنان.
يجيوي عبد الرّحمان، 2011م، تنمية اللّغة ولغة التّنمية في الوطن العربيّ، المركز العربيّ للأبحاث ودراسات السّياسات، ط: 1، الدّوحة، ص: 03.
الوثائق الرّسميّة المغربيّة
خطاب الملك الرّاحل الحسن الثّاني يوم 20 غشت 1994م، مجلّة دعوة الحقّ، ع: 304، غشت – شتنبر 1994م.
خطاب الملك محمد السّادس في منطقة أجدير نواحي مدينة خنيفرة بالأطلس المتوسّط يوم 17 أكتوبر 2001م.
الظّهير الشّريف رقم 1.19.121 صادر في 12 من محرّم 1414ه (12 سبتمبر 2019م) بتنفيذ القانون التّنظيميّ رقم 26.16 يتعلّق بتحديد مراحل تفعيل الطّابع الرّسميّ للأمازيغية وكيفيّات إدماجها في مجال التّعليم وفي مجالات الحياة العامّة ذات الأولويّة، الجريدة الرّسميّة عدد 6816 بتاريخ 26 سبتمبر 2019م.
المملكة المغربيّة، الأمانة العامّة للحكومة، الدّستور، 2011م، الفصل الخامس.
المملكة المغربية، رئيس الحكومة، البرنامج الحكوميّ، 19 يناير 2012م (mincom.gov.ma/ar/textes-juridiaues/-.html). تمّت زيارة الموقع يوم 12 فبراير 2021م، على السّاعة 12:15.
البيبليوغرافيا الأجنبيّة
Carles Castellanos. M., (2003), «Enseignement et standardisation, les deux urgences de l’amazigh፡ la langue commune et l’aménagement néologique», Université Barcelone, LES ACTES DU COLLOQUE AMAZIGH, «Education et langues maternelles፡ l’exemple de l’amazigh», Casablanca, Le mardi 17 juin 2003.
Chaker Salem, (1985), La planification linguistique dans le domaine berbère፡ une normalisation, Tafsut, Série spéciale፡ «études et débats», n° 2, Tizi-Ouzouوأحمد بوكوس (2003) Ahmed Boukous, (2003), De l’aménagement dans le domaine amazighe», Prologues, n°27 / 28.
Corbeil Jean-Claude, (1980), l’aménagement linguistique au Québec, Montréal, Guérin.
Dubois (J.) et al. (1973), Dictionnaire de linguistique, Paris, Larousse.
Galisson, R.& Coste, D. (1976), Dictionnaire de didactique des langues, Paris, Hachette.
Garvin, P. (1983), le rôle des linguistes de l’école de Prague dans le développement de la norme linguistique tchèque, Bédard Edith et Maurice Jacques (éd.), La norme linguistique, Québec፡ Conseil de la langue française, Paris, Le Robert.
Jacques Leclerc, (1986), Langue et société, Mondia Editeurs.
Jacques Ruffié, (1990), la responsabilité scientifique, Edition la découverte, pp፡ 210 – 219.
Kamal Nait – Zerrad, (2000), les systèmes de notation du berbère, actes du colloque, Paris, p፡ 331 – 340.
Lahcène Sériak, (2002), Identité Amazighe, l’Algérie aux sources de l’humanité፡ 30 siècles d’histoire, corpus et bibliographie.
Lionel Galand, (1989), les langues berbères, I. Fodor et CI. Hagège (éds.), Language Reform፡ History and Future / La réforme des langues፡ Histoire et Avenir, Hamburg, Helmut Buske Verlag, vol. 4.
Meftaha Ameur, (2009), Aménagement linguistique de l’amazighe፡ pour une approche polynomique, IRCAM, Asinag, n° 3.
Moussa Imrazene, (2010), variation et normalisation de tamazight, Université Mouloud Mammeri, Tizi-Ouzou, Colloque international, La standardisation de l’écriture amazighe, 20 – 22 septembre 2010.
René Basset, (1887), Manuel de langue Kabyle (dialecte Zouaoua), Maison neuve & CH. Leclerc, Editeurs, Paris, p፡Ⅷ.
P. (2000), Réflexions sur la normalisation linguistique de l’Occitan, actes de colloque, Paris.
تعليقات
0