نواقص مشروع قانون مالية 2025 في الجوانب المتعلقة بالسياسة الضريبية والجمركية
محمد اليزناسني
الأحد 15 سبتمبر 2024 - 17:25 l عدد الزيارات : 28186
كشف مشروع قانون المالية لسنة 2025 عن مجموعة من التدابير الضريبية والجمركية التي تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني لمواجهة التحديات الراهنة.
ورغم أن هذه التدابير تحمل في طياتها وعودًا كبيرة بتحسين الاقتصاد والاستجابة لمتطلبات العدالة الاجتماعية والمناخية، كما سبق أن واعدتنا الحكومة منذ بداية ولايتها الحالية ، إلا أنها تعكس في الوقت نفسه مجموعة من النواقص التي قد تعيق تحقيق الأهداف المرجوة.
أحد أبرز هذه التدابير الجديدة نجد إحداث آلية لوضع علامات على المنتجات النفطية بالتعاون مع وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة.
الهدف من هذه الآلية، بحسب مشروع قانون المالية 2025، هو تحسين الرقابة الضريبية في قطاع المحروقات ومكافحة الاحتيال، ورغم أن هذا الإجراء قد يمثل خطوة هامة نحو تعزيز الشفافية في القطاع، إلا أن مدى فعاليته يبقى محل شك إذ أن مشكلة الاحتيال والتهريب في قطاع المحروقات معقدة ومتجذرة لدى بعض الفاعلين، مما يعني أن الحلول التقنية مثل وضع علامات قد لا تكون كافية وحدها للتصدي لهذه الظاهرة.
على صعيد آخر، يُعد فرض ضريبة الكربون من التدابير الطموحة في مشروع القانون، حيث تهدف هذه الضريبة إلى ملاءمة السياسة الضريبية مع التحديات المناخية المتزايدة، ومع ذلك، قد تكون نتائج هذه الضريبة جد محدودة إذا لم يتم دعمها بسياسات إضافية لتحفيز الاقتصاد الأخضر وتقليل الانبعاثات بشكل فعّال، كما أن عدم وضوح آليات تطبيق هذه الضريبة يُثير تساؤلات حول مدى قدرتها على إحداث تأثير ملموس في تحقيق الأهداف المناخية.
و من بين التدابير الأخرى التي يشملها مشروع القانون، تنظيم مهنة مصفي المعادن النفيسة من خلال وضع إطار تنظيمي يهدف إلى ضمان تتبع العمليات في سلسلة القيمة للمنتجات المعدنية النفيسة، وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تبدو ضرورية في ظل الفوضى التي يعيشها هذا القطاع، إلا أن تأخرها قد يؤثر سلبًا على تأثيرها الفعلي في تحسين الشفافية وضبط العمليات.
وفيما يتعلق بتحصيل الديون العمومية، يقترح مشروع القانون المالي إصلاح مدونة التحصيل بالتنسيق مع الخزينة العامة للمملكة، بهدف تحسين عملية تحصيل الديون، ومع أن هذا الإصلاح قد يساهم في تخفيف العبء المالي على الدولة، إلا أن تأثيره على العجز المالي العام يبدو محدودًا في ظل تزايد الاحتياجات التمويلية للدولة واتساع الفجوة بين الإيرادات والمصاريف.
أما في مجال الضرائب، فيقترح مشروع القانون إصلاحات جديدة تتعلق بالضريبة على الدخل وتشمل هذه الإصلاحات رفع الشريحة الأولى المعفاة من الضريبة، وتوسيع الشرائح الضريبية لتشمل تخفيضات تصل إلى 50% للطبقة المتوسطة.
ورغم أن هذه التعديلات تهدف إلى تحسين دخل الموظفين، خصوصًا من ينتمون للطبقة المتوسطة، إلا أن تخفيض الحد الأقصى للسعر الهامشي للضريبة من 38% إلى 37% قد لا يكون كافيًا لمعالجة التفاوتات الاجتماعية الكبيرة التي يعاني منها النظام الضريبي الحالي.
أخيرًا، يُعزز مشروع القانون التدابير الرامية إلى مكافحة التهرب الضريبي ودمج القطاع غير المهيكل في الاقتصاد الرسمي، ورغم الجهود المستمرة منذ 2022 في هذا المجال، يبقى التحدي الحقيقي في كيفية تحقيق ذلك بشكل فعّال، فدمج القطاع غير المهيكل يتطلب إصلاحات أعمق، تشمل تحسين بيئة الأعمال وخلق حوافز كافية لجذب العاملين في هذا القطاع إلى الاقتصاد الرسمي.
بالمجمل، يظل مشروع قانون المالية لسنة 2025 حاملاً لتدابير وإصلاحات هامة، إلا أن فعالية هذه التدابير تعتمد على كيفية تنفيذها ومدى تجاوبها مع التحديات الحقيقية التي تواجه الاقتصاد المغربي. وعلى الرغم من الجهود المبذولة، هناك حاجة ملحة إلى تعزيز الشفافية، تحسين آليات التحصيل، وتبني سياسات أكثر شمولية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمناخية.