في رسالة غير مسبوقة تحمل كثيراً من العمق والسخرية المبطنة، وجه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، أحمد التوفيق، خطاباً مفتوحاً إلى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران. الرسالة التي عنونها الوزير بـ”شكوى إلى الله”، جاءت ردًّا على تصريحات أدلى بها بنكيران في تجمع حزبي، نسب فيها إلى التوفيق ما فُهم منه أن الدولة المغربية علمانية، وهو ما نفاه الوزير بشدة، مستعرضاً في الوقت نفسه رؤيته للعلاقة بين الدين والسياسة في المغرب.
افتتح التوفيق رسالته بإبداء أسفه على ما وصفه بـ”البهتان” الذي نسبه بنكيران إليه، موضحاً أنه لم يذكر الدولة في حديثه عن العلمانية، وأن الدولة المغربية تقوم على إمارة المؤمنين التي تحمي الدين والمجتمع في انسجام. وأكد التوفيق أن تصريحاته حول النظام السياسي المغربي جاءت في سياق تفسير لواقع مركب، لا يتناسب وصفه بالعلمانية المطلقة أو الإنكار التام.
وأضاف الوزير أن المغرب يعيش تجربة فريدة تجمع بين حماية القيم الدينية وتبني القيم العقلانية التي تقتبس بعض ملامحها من الأنظمة الغربية، مشيراً إلى أن إمارة المؤمنين تلعب دوراً مركزياً في تحقيق هذا التوازن.
لم تخلُ الرسالة من نبرة سخرية موجهة لبنكيران، حيث أشار الوزير إلى أن “مجرد كلام شخص أو حتى آلاف الأشخاص لا يغير حقيقة أمرٍ خطير مثل النسبة للدين”. كما لفت إلى أن بنكيران، كرئيس حزب سياسي “عصري”، يعتمد في عمله السياسي على نظم اقتبست من السياقات الغربية، كالانتخابات والتشريعات التي تحكمها المصلحة العقلانية.
وألمح التوفيق إلى التناقض بين خطاب بنكيران السياسي وممارسته العملية، موضحاً أن العمل السياسي يتطلب توافقات داخل تحالفات حزبية، وهو أمر أقرب إلى المنهج العلماني الذي يعتمد على الأغلبية، بعيداً عن المرجعية الدينية الصارمة.
كما تحدث الوزير عن تعقيد مفهوم العلمانية، مشيراً إلى أن فهمه يختلف بين سياقات دولية متعددة، مثل النموذج الفرنسي اللائكي والنموذج الألماني الذي يأخذ احتياجات الناس الدينية بعين الاعتبار. واستعرض التوفيق تجربة ألمانيا في تمويل الأنشطة الدينية كجزء من النظام العام، مستشهداً بأرقام تُظهر حجم الإنفاق الحكومي على الدين.
وأوضح التوفيق أن النموذج المغربي يُمكن أن يقدم حلولاً فكرية للأمة الإسلامية المتعثرة في تحديد العلاقة بين الدين والسياسة، بشرط أن يُبنى على الإخلاص لله وتوحيده، بعيداً عن “الأنانية” التي وصفها بـ”الشرك الخفي”.
أحمد التوفيق اختتم رسالته بالتأكيد على أن الهدف ليس إقناع بنكيران أو الرد على “المتقولين”، بل تقديم شكواه إلى الله، وترك الرسالة كشهادة مفتوحة لمن أراد الفهم والتبصر. وقال: “نفثت بهذه الشكوى لا لأقنعك… بل القصد أن يسمعها ‘السميع’، وتكون أنت من الشاهدين”.
تعليقات
0