الكرسي حين يخون الذاكرة و ينقلب على من صنع مجده

جواد رسام الأربعاء 30 أبريل 2025 - 20:51 l عدد الزيارات : 46783

في مشهد يتكرر في أكثر من جماعة ترابية، نعيش اليوم مفارقة غريبة ومؤلمة: فاعل جمعوي ساهم في توعية الناس، في التعبئة، في تقديم المبادرات، وربما حتى في دعم منتخب للوصول إلى موقع المسؤولية، يجد نفسه لاحقا عرضة للإقصاء، للتهميش، وربما حتى للانتقام.

السبب؟ لأن المنتخب خائف. خائف من أن يتجاوزه ذلك الجمعوي الذي صار له صدى في الميدان، خائف أن يسرق منه الأضواء، أو أن يكون هو الرئيس القادم.

هنا ينكشف وجه آخر للمشهد السياسي المحلي: منتخب نسي من أين أتى، نسي أنه صعد بأصوات الناس، وربما حتى بدعم ذلك الجمعوي ذاته، فبدأ يتصرف وكأن الكرسي أبدي، وكأن السلطة وراثة، وكأن المواطنين عبء لا بد من تحمله.

المنتخب الذي يفترض أن يكون خادما للصالح العام، أصبح يرى في المجتمع المدني خصما، وفي كل صوت مستقل خطرا، وفي كل مبادرة خارج إرادته تهديدا. زاغ عن المهام الموكلة له بموجب القانون، وانغمس في لعبة الأنا، يستعذب أضواء المكاتب الفارغة، وأوامر لا يعترضها أحد، ويستحل المبيت في الفنادق والمآدب على حساب المال العام.

نسي صاحبنا أنه يوما كان في القاعدة، وكان يحلم فقط بفرصة. نسي أنه قد لا يعود إلى الكرسي ثانية، وأن من يظلمه اليوم قد يكون هو نفسه من سيجلس مكانه غدا، ليذيقه من نفس الكأس التي تجرعها مرارة.

ولأننا في لحظة مفصلية، وجب أن نقولها بصراحة: لقد ابتلينا بنماذج لا يجب أن تتكرر. لا نريد رؤساء أو منتخبين يطاردون الفاعلين المدنيين انتقاما أو حسدا. لا نريد مجالس تدار بالعقلية القديمة نفسها: الولاء قبل الكفاءة، والإقصاء قبل الحوار.

من هنا تبرز الحاجة إلى مراجعة حقيقية للمنظومة الانتخابية:

إعادة النظر في التقطيع الانتخابي بما يضمن تمثيلية حقيقية للمجتمع.

صياغة آليات لدمج الشباب، ليس فقط كأداة للتصويت، بل كفاعلين في القرار، كمنتخبين ومسؤولين.

سن نصوص قانونية صارمة لمحاربة المال الانتخابي، ولمنع كل من يفسد الديمقراطية من الترشح، كيفما كانت صفته.

إعادة الاعتبار للعمل الجمعوي، كمدرسة حقيقية للقيادة، لا كخصم يجب القضاء عليه.

إن الديمقراطية لا تبنى بالتضييق، ولا تدار بالخوف، بل تحتاج إلى منتخبين يؤمنون أن الكراسي وسيلة لخدمة الناس، لا غاية لحرقهم.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

1
  1. محمد العلمي
    2025-05-01 - 21:58

    يقع هذا ليس على المستوى المحلي فقط…بل على اعلى المستويات وفي كل الانتخابات…
    كم من منتخب حزبي ساعدته القواعد لانتزاع المقعد التمثيلي ، وحين يفوز ينسى مناضليه ومقر حزبه ، واحيانا حزبه …حتى .

    2 اضف تعليق إلى الاعلى

مقالات ذات صلة

الخميس 22 مايو 2025 - 21:14

أمن البيضاء يجهض عملية تهريب كمية كبيرة من المخدرات…

الخميس 22 مايو 2025 - 20:31

دكاترة وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات يقررون الدخول في إضراب وطني

الخميس 22 مايو 2025 - 16:29

الفلاح الصغير… سيد الأرض المنسي

الخميس 22 مايو 2025 - 13:43

الجامعة الأورومتوسطية بفاس تسعى لترسيخ مكانتها كقطب وطني في مجال الرياضة

error: