في مشهد يتكرر في أكثر من جماعة ترابية، نعيش اليوم مفارقة غريبة ومؤلمة: فاعل جمعوي ساهم في توعية الناس، في التعبئة، في تقديم المبادرات، وربما حتى في دعم منتخب للوصول إلى موقع المسؤولية، يجد نفسه لاحقا عرضة للإقصاء، للتهميش، وربما حتى للانتقام.
السبب؟ لأن المنتخب خائف. خائف من أن يتجاوزه ذلك الجمعوي الذي صار له صدى في الميدان، خائف أن يسرق منه الأضواء، أو أن يكون هو الرئيس القادم.
هنا ينكشف وجه آخر للمشهد السياسي المحلي: منتخب نسي من أين أتى، نسي أنه صعد بأصوات الناس، وربما حتى بدعم ذلك الجمعوي ذاته، فبدأ يتصرف وكأن الكرسي أبدي، وكأن السلطة وراثة، وكأن المواطنين عبء لا بد من تحمله.
المنتخب الذي يفترض أن يكون خادما للصالح العام، أصبح يرى في المجتمع المدني خصما، وفي كل صوت مستقل خطرا، وفي كل مبادرة خارج إرادته تهديدا. زاغ عن المهام الموكلة له بموجب القانون، وانغمس في لعبة الأنا، يستعذب أضواء المكاتب الفارغة، وأوامر لا يعترضها أحد، ويستحل المبيت في الفنادق والمآدب على حساب المال العام.
نسي صاحبنا أنه يوما كان في القاعدة، وكان يحلم فقط بفرصة. نسي أنه قد لا يعود إلى الكرسي ثانية، وأن من يظلمه اليوم قد يكون هو نفسه من سيجلس مكانه غدا، ليذيقه من نفس الكأس التي تجرعها مرارة.
ولأننا في لحظة مفصلية، وجب أن نقولها بصراحة: لقد ابتلينا بنماذج لا يجب أن تتكرر. لا نريد رؤساء أو منتخبين يطاردون الفاعلين المدنيين انتقاما أو حسدا. لا نريد مجالس تدار بالعقلية القديمة نفسها: الولاء قبل الكفاءة، والإقصاء قبل الحوار.
من هنا تبرز الحاجة إلى مراجعة حقيقية للمنظومة الانتخابية:
إعادة النظر في التقطيع الانتخابي بما يضمن تمثيلية حقيقية للمجتمع.
صياغة آليات لدمج الشباب، ليس فقط كأداة للتصويت، بل كفاعلين في القرار، كمنتخبين ومسؤولين.
سن نصوص قانونية صارمة لمحاربة المال الانتخابي، ولمنع كل من يفسد الديمقراطية من الترشح، كيفما كانت صفته.
إعادة الاعتبار للعمل الجمعوي، كمدرسة حقيقية للقيادة، لا كخصم يجب القضاء عليه.
إن الديمقراطية لا تبنى بالتضييق، ولا تدار بالخوف، بل تحتاج إلى منتخبين يؤمنون أن الكراسي وسيلة لخدمة الناس، لا غاية لحرقهم.
يقع هذا ليس على المستوى المحلي فقط…بل على اعلى المستويات وفي كل الانتخابات…
كم من منتخب حزبي ساعدته القواعد لانتزاع المقعد التمثيلي ، وحين يفوز ينسى مناضليه ومقر حزبه ، واحيانا حزبه …حتى .