رغم أن نشرة مارس 2025 للمالية العمومية الصادرة عن الخزينة العامة للمملكة حملت في ظاهرها مؤشرات إيجابية على مستوى تعبئة الموارد الجبائية، إلا أن التدقيق في تفاصيلها يكشف عن جوانب سلبية مقلقة تهدد استدامة المالية العامة وتضع الحكومة أمام تحديات صعبة.
أولى هذه الإشارات السلبية تمثلت في تسجيل تراجع في بعض الموارد الأساسية، حيث انخفضت حقوق الجمارك بنسبة 0,2% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كما سجلت الضريبة على القيمة المضافة في الداخل تراجعا ملموسًا بنسبة 7,4%، ما يعكس ضعفا في دينامية الاستهلاك الداخلي وركودا في قطاعات أساسية للاقتصاد الوطني.
أما الإيرادات غير الجبائية، فقد سجلت انخفاضا حادا بنسبة 11,6%، نتيجة تراجع تحويلات الحسابات الخاصة للخزينة إلى الميزانية العامة، وانخفاض الإيرادات في إطار تخفيف أعباء الدين، وتراجع المساهمات.
هذا التراجع يعكس محدودية الدولة في تنويع مواردها بعيدا عن الجبايات، ما يزيد من هشاشتها أمام أي صدمات مالية أو اقتصادية مفاجئة.
على صعيد النفقات، تكشف النشرة عن زيادة مقلقة، إذ ارتفعت النفقات العادية بنسبة 36,3%، ونفقات الأجور بنسبة 13,8%، ونفقات المعدات بـ63,8%، والأخطر من ذلك ارتفاع خدمة الدين بنسبة 40,5%، مدفوعة بزيادة قياسية في فوائد الدين الداخلي بنسبة 62,1%. هذا الارتفاع يلتهم حيزا متزايدا من الميزانية العامة، ما يقلص هامش الاستثمار العمومي والإنفاق الاجتماعي.
ومن بين أبرز المؤشرات التي جرى تجاهلها في الخطاب الرسمي، تراجع الفائض العادي من 19,1 مليار درهم إلى 10,7 مليارات فقط، وهو ما يعكس ضَعف القدرة على تغطية النفقات العادية من الموارد الذاتية، بينما انخفض الفائض الإجمالي للخزينة من 16,8 مليار درهم إلى 5,9 مليارات درهم، ما يدل على تآكل الفوائض المالية واتساع الحاجة إلى التمويل.
في سياق متصل، اضطرت الخزينة إلى العودة إلى السوق الداخلي لتمويل العجز، بما قيمته 12,3 مليار درهم، في مقابل تراجع صافي التمويل الخارجي من 4,5 مليارات إلى 3,3 مليارات درهم. هذا التوجه ساهم في رفع الدين الداخلي بنسبة 3,5% ليبلغ 781,3 مليار درهم، مما يزيد من هشاشة المالية العمومية ويضاعف عبء خدمة الدين في المستقبل.
وبينما أشار التقرير إلى استمرار تراكم المتأخرات المتعلقة باسترجاع الضريبة على القيمة المضافة (32,9 مليار درهم) والضريبة على الشركات (4,7 مليارات درهم)، لم تقدم الحكومة أي خطة واضحة لمعالجة هذا الملف الذي يكبل السيولة لدى المقاولات ويؤثر سلبا على الاستثمار والتشغيل.
إن نشرة مارس 2025، وإن تضمنت أرقاما إيجابية في بعض الجوانب، تكشف بوضوح عن تحديات مالية جدية ينبغي التعامل معها بشجاعة سياسية وإصلاحات عميقة، تبدأ من تحسين حكامة الموارد وترشيد النفقات، وصولًا إلى إعادة هيكلة الدين العمومي. فالاعتماد المفرط على الجباية والديون، في ظل تراجع الفوائض وضعف الاستثمار، ينذر بأزمات أكبر إذا لم يتم تداركه في أقرب الآجال.
تعليقات
0