“الأمن القانوني وجودة التشريعات” مناظرة بمجلس النواب واللجنة الأوروبية من أجل الديمقراطية

أنوار التازي الخميس 8 مايو 2025 - 10:14 l عدد الزيارات : 6945

نظم مجلس النواب واللجنة الأوروبية من أجل الديمقراطية من خلال القانون (لجنة البندقية) يومي 6 و7 ماي 2025 بالرباط، مناظرة حول موضوع “الأمن القانوني وجودة التشريعات: المفاهيم والرهانات والآفاق المقارنة”، والتي تندرج في إطار البرنامج الخامس للجنوب “حماية حقوق الانسان، دولة القانون، والديمقراطية من خلال معايير مشتركة في جنوب المتوسط’’ الذي يموله الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا.

وأكد رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي، خلال الجلسة الافتتاحية لأشغال هذه المناظرة التي تميزت بمشاركة عدد من البرلمانيين المغاربة والاوروبيين، وخبراء دوليين وأكاديميين، على أهمية ورش الأمن القانوني وسلامة التشريعات، بهدف مراكمة الثقافة البرلمانية والديمقراطية لتشمل مجموع اختصاصات ووظائف البرلمان، والحرص على تجويد التشريعات الوطنية ونجاعتها، وقابليتها للفهم والتأويل الأقرب إلى جوهرها ومقاصدها.

واستعرض رئيس مجلس النواب الطفرة التشريعية الهائلة التي حققها المغرب خلال الخمس وعشرين سنة الأخيرة أي منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله العرش، حيث صادق البرلمان المغربي على 1477 نصا قانونيا، مضيفا أن هذه النصوص عكست وأطرت الإصلاحات العميقة والجريئة التي اعتمدتها المملكة في مجال حماية الحقوق والحريات، وفي مجال الاقتصاد، والخدمات والإدارة والتنمية الاجتماعية والمجالية والتضامن.

وشدد رئيس مجلس النواب على أن تموقع المملكة المغربية على المستوى الإقليمي والقاري والدولي وتنوع علاقاتها السياسية والاقتصادية والبشرية مع العديد من البلدان وحرصها على الوفاء الصادق والعملي بالتزاماتها الدولية، يتطلب تأطير هذه الدينامية والاستجابة التشريعية لمتطلباتها.

وتواصلت أشغال الجلسة الافتتاحية بكلمة مساعد مديرة لجنة البندقية بمجلس أوروبا بيير جارون، الذي أكد على أهمية الأمن القانوني كركيزة أساسية لضمان استقرار التشريع ووضوحه، مشيرا الى المبادئ المحورية التي تواجه عمل لجنة البندقية والمتمثلة في: الشرعية، الأمن، الوقاية، المساواة، والوصول إلى العدالة، مع التركيز على سهولة الاطلاع على الاجتهادات القضائية.

وأبرز كذلك مساعد مديرة لجنة البندقية دور هذه الاخيرة في تقييم القوانين عبر آليات دقيقة تقيس جودة وفعالية الأطر التشريعية، مضيفا أن تطبيق هذه المبادئ يسهم في تعزيز ثقة المواطنين بالمؤسسات واستباق المخاطر التشريعية، داعياً إلى اعتماد توصيات اللجنة لتعزيز الشفافية وتيسير الولوج إلى المصادر القانونية والقضائية.

من جهتها، تناولت مديرة اللجان بالجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا لويز بارتون الإصلاحات الديمقراطية التي شهدتها  المملكة المغربية والتي أظهرت أن الإصلاح ليس فقط داخلي بل يصل إلى المجالين المتوسطي والإفريقي، حيث سلطت الضوء في هذا الصدد على القانون 103.13 المتعلق بالعنف ضد المرأة الذي يهدف إلى توفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف، والذي نظمت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا ندوة دراسية لتقييمه، مستعرضة بالمناسبة، حصيلة التعاون مع البرلمانيين المغاربة من خلال تبادل الزيارات وتنظيم الأيام الدراسية بشكل مشترك مع مجلس النواب المغربي.

وفي نفس الجلسة، أكد عضو المجلس الدستوري الفرنسي والعضو الإضافي عن فرنسا في لجنة البندقية فرانسوا سينيرس، على أهمية مبدأ التنبئية في التشريع لضمان معرفة المواطنين بتأثيرات القانون مسبقاً وتجنب انعدام الاستقرار القانوني، موضحا أن تقييم الأثر التشريعي يستدعي دوراً فاعلاً للقضاة والإدارات في مراقبة تطبيق القوانين وضمان انسجام القواعد السارية مع مبادئ سيادة القانون. وأشار إلى أن العملية المعيارية تتطلب جمع الهياكل القانونية المختلفة ضمن إطار منسق يتيح مقارنة التجارب المتباينة للثقافات القانونية، مما يعزز القدرة على وضع نصوص تشريعية أكثر وضوحاً وثباتاً.

وتواصلت أشغال المناظرة من خلال الجلسة الأولى التي خصصت لموضوع ”قابلية التوقع في- ومن خلال القانون”، حيث أكد المتدخلون على الدور المحوري لتقنيات الصياغة التشريعية لاسيما وضوح اللغة، بنية النص والإحالات في تعزيز الأمن القانوني وجعل تأثيرات القوانين قابلة للتوقع.

وأجمع المتدخلون على أن الشرعية والأمن التشريعيين يقتضيان تقديم نصوص يسهل على المواطن فهمها والاعتماد عليها، كما أن وضوح اللغة يضمن ضمان الحقوق ويمكّن الفرد من ضبط سلوكه القانوني بثقة. دون إغفال أن بنية النص الواضحة والإحالات الدقيقة إلى المراجع الدستورية والدولية تشكّل آليات لـنشر المعلومات المعيارية مما يرفع من مستوى الشفافية ويحد من التفسيرات المتعارضة.

كما شددت العروض التي تم تقديمها على الدور الحاسم ل”بيان الأسباب” في تعزيز الأمن القانوني وجعل آثار النصوص التشريعية قابلة للتوقع، إذ يشكل مفهوم “بيان الأسباب” الجسر بين المقتضيات النصية والغايات الدستورية.

وخلال الجلسة الثانية من المناظرة، تناول النقاش موضوع “إمكانية ولوج الجمهور إلى القانون’’ كعنصر أساسي لتعزيز الثقافة القانونية والوعي القانوني في المجتمع، وتوفير نصوص تشريعية قابلة للفهم وسهلة الاطلاع مما يعزز قدرة المواطن على معرفة حقوقه وواجباته، ويرسخ مبدأ سيادة القانون ويحد من مظاهر الانتهاك أو التجاوز.

وأفضى النقاش إلى ضرورة إرساء منصات رقمية تتيح الوصول إلى النصوص القانونية والأحكام القضائية، مصحوبة ببرامج توعوية وورشات تدريبية لتعميق الفهم بالقواعد والإجراءات، إلى جانب، دور المؤسسات الأكاديمية والمدنية في نشر الثقافة القانونية من خلال مبادرات تعليمية تستهدف مختلف فئات المجتمع، ولا سيما الشباب منهم.

وخلال الجلسة الثالثة التي خصصت لموضوع  “تنظيم السلطات التقديرية للوقاية من القرارات التعسفية’’، استعرض المتدخلون بعض التجارب المقارنة في أوروبا حول تقنيات الصياغة التشريعية الهادفة إلى تحديد وهيكلة السلطات التقديرية طبقا لمبدأ الأمن القانوني. كما تم جرد ما تتضمنه الدساتير سواء في المغرب أو أوروبا من مقتضيات تهم الأمن القانوني، والمعايير الدقيقة لتقييم القرارات القانونية، والسلطة المخول لها إعطاء تأويل النصوص القانونية.

وقد دعا المشاركون في هذه الجلسة إلى معالجة مشاكل الأمن القانوني، عبر تفعيل الرقابة القضائية والتوجهات الإدارية كضمانة من أجل حماية الحقوق الأساسية في وجه “التطبيق التعسفي للقانون”.

ودققت المداخلات في كون الحماية من التعسف الإداري تمر عبر تكريس فهم قضائي دقيق للحقوق والحريات الأساسية، حيث تلعب السلطة القضائية دورا محوريا في تفسير هذه الحقوق بما يضمن التوازن بين مقتضيات النظام العام وضمانات الأفراد.

وشدد المتدخلون على أن ترسيخ مبدأ خضوع الإدارة للقانون لا يتحقق فقط عبر تطوير الإطار التشريعي فقط، بل يتطلب إرادة مؤسساتية قوية لترجمة هذا المبدأ إلى واقع ملموس.

كما خلص المتدخلون الى أن جودة التشريع تُعد عنصراً محورياً في الحد من السلطة التقديرية للإدارة، ما يعزز مبادئ الشفافية والمساءلة في العمل الإداري. وشددوا على أن تحسين جودة القاعدة القانونية يمرّ عبر اعتماد منهجية تشريعية دقيقة، تستند إلى صياغة محكمة، ودراسات أثر مسبقة، مع ضرورة التنسيق بين النصوص القانونية المختلفة.

وحملت توصيات المشاركين خلال هذه المناظرة الدعوة إلى التكامل بين أدوار السلط الثلاث، والتعاون المؤسساتي بينها باعتباره قاعدة أساسية في القانون الدستوري.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الخميس 8 مايو 2025 - 19:02

انتخاب أول بابا أميركي .. كل ماتودون معرفته عن البابا الجديد للكنيسة الكاثوليكية

الخميس 8 مايو 2025 - 18:05

وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يتباحث بالرباط مع نظيره السعودي

الخميس 8 مايو 2025 - 18:00

مجلس المنافسة يفتح تحقيقا في وجود محتمل لممارسات منافية للمنافسة في سوق توريد السردين الصناعي

الخميس 8 مايو 2025 - 17:49

دخان أبيض يعلن انتخاب بابا جديد: الكنيسة الكاثوليكية تطوي صفحة الانتظار

error: