من بوجدور… الشعلة توقد ذاكرة خمسين سنة في حفل تربوي فني بهيج

الحاج درباني السبت 17 مايو 2025 - 14:27 l عدد الزيارات : 15882

في مساء بهيج من أمسيات مدينة بوجدور، حيث تلتقي زرقة المحيط بسخاء الإنسان، صدحت القاعة المتعددة الوسائط بالمركز الثقافي بأهازيج الفرح والاعتزاز، وهي تحتضن الحفل الختامي للمخيم الربيعي الأول، الذي نظمته جمعية الشعلة للتربية والثقافة – فرع بوجدور، بشراكة مع المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وبتعاون مع مركز الإبداع والتنشيط التربوي ابن خلدون، ومؤسسة دار الأجيال، وجمعية الابتكار والتأهيل المهني.


امتد المخيم من 5 إلى 10 ماي 2025 تحت شعار معبّر: “من أجل جيل مسؤول.. مستقل وحر في تدبير شؤونه”، مستضيفًا 150 طفلاً وشابًا من مختلف أحياء المدينة، في تجربة تربوية حافلة جمعت بين الترفيه والتكوين، وبين ترسيخ القيم وتنمية المهارات، في تزامن دال مع الذكرى الخمسين لتأسيس جمعية الشعلة.
في لحظة مؤثرة ألقى رئيس جمعية الشعلة للتربية والثقافة، الأستاذ سعيد العزوزي، كلمة بالمناسبة، عبرت عن عمق الانتماء لهذا الوطن وعن اعتزاز الجمعية بمسارها التربوي والثقافي
استهل كلمته بتحية خاصة لأهل بوجدور، مدينة الكرم والمقاومة، التي طالما استقبلت الشعلة بصدور رحبة وقلوب مفعمة بالحب والانتماء، مؤكدا أن وجود الجمعية بالأقاليم الجنوبية ليس صدفة، بل هو خيار استراتيجي يعكس إيمانها العميق بوحدة الوطن وتنوعه الثقافي وثرائه البشري.
واعتبر العزوزي أن تجربة جمعية الشعلة في الجنوب المغربي، وخاصة في بوجدور، تمثل واحدة من التجارب الرائدة في العمل التربوي الميداني، حيث نجحت في خلق جسور التواصل الدائم مع الشباب، وغرست القيم النبيلة في نفوس الأطفال واليافعين، من خلال برامج هادفة تحترم الخصوصيات وتحتفي بالاختلاف الخلاق.


كما استحضر الرئيس، في نبرة يغمرها الاعتزاز، المسار الطويل الذي قطعته الجمعية منذ تأسيسها سنة 1975، قائلا “خمسون سنة من العطاء لم تكن مجرد أرقام بقدر ما هي مسار تراكمي كتبه أطر ومناضلون ومربون ومثقفون…. آمنوا بأن للثقافة الجادة دورا في بناء الإنسان، وبأن للطفولة والشباب حقا في الفرح، في التعلم، وفي الحلم.”
وتوقف عند رمزية الشعار الذي اختاره المخيم، مؤكدا أن تربية الأجيال الجديدة على الحرية والمسؤولية والاستقلالية لا تنفصل عن المشروع التربوي الذي تبنته الجمعية منذ نشأتها، والذي يجعل من المواطنة الحقة، والالتزام بقضايا الوطن، مرتكزا أساسيا في كل تدخلاتها ومبادراتها.
في كلمته نوه العزوزي بشكل خاص بالمجهودات الكبيرة التي يبذلها فرع بوجدور، مؤكدا أنه واحد من الفروع النشيطة التي تترجم قيم الشعلة على أرض الواقع بفضل التزام أطره وشبابه وانخراطهم الدائم في خدمة المجتمع المحلي وأضاف: “فرع بوجدور بقدر ما هو واجهة للجمعية في الأقاليم الجنوبية، بل هو أيضا مرآة تظهر كيف يمكن للعمل التربوي أن يصبح فعلا نضاليا وثقافيا ذا أثر عميق وايجابي في المجتمع.”


وقد شكل المخيم مناسبة حقيقية لتمكين الأطفال والشباب من أدوات التعبير عن الذات، واكتشاف قدراتهم واختبار مهارات القيادة والتعاون والعمل الجماعي وقد تنوعت فقرات البرنامج بين الورشات التكوينية والمسابقات الثقافية والعروض الفنية والأنشطة الرياضية، ناهيك عن الرحلات والزيارات الميدانية، التي شكلت فرصة لاكتشاف ثروات المدينة ومؤسساتها الحيوية.
في زيارة تربوية لمحطة تحلية مياه البحر وقف المشاركون على أهمية المحافظة على الموارد الطبيعية وعلى دور التكنولوجيات الحديثة في خدمة الإنسان كما انتقلوا إلى فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة حيث تعرفوا على تضحيات أبطال الوطن من أجل الاستقلال والكرامة وهي لحظة ربطت الجيل الجديد بجذوره النضالية وأعادت تأكيد مكانة بوجدور في معركة التحرير والبناء.
أما “اليوم الشعبي”، فقد كان موعدا مع التراث، حيث ارتدى الأطفال أزياءهم المحلية، ورددوا أهازيجهم الشعبية، وشاركوا في أكلات تقليدية تبرز غنى و تنوع التراث اللا مادي للأقاليم الجنوبية في جو احتفالي أعاد إحياء الثقافة الحسانية وعزز الإحساس بالهوية والانتماء.
الى جانب ذلك تميز الحفل الختامي بعروض فنية متنوعة، من تقديم الأطفال والشباب المشاركين، جمعت بين المسرح والغناء والاستعراضات التراثية. وقد تفاعل الحضور بحرارة مع الأداء العفوي والبهيج للمشاركين الذين عبروا بطريقتهم عن شكرهم للأطر والساهرين على تنظيم المخيم.
عرض شريط فيديو يلخص أبرز لحظات المخيم، ويدون لحظات الفرح والتعلم والنجاح، كان محطة وجدانية أعادت الجميع إلى بداية المغامرة، وعمّق الإحساس بأن كل جهد لم يذهب سدى.
وفي جو من التأثر والتقدير، تم تكريم الشركاء الرسميين، والمديرية الإقليمية للتربية الوطنية، وكذا الأطر التربوية والتقنية، الذين سهروا على إنجاح هذه التجربة. كما خصصت الجمعية لحظة لتكريم الأطفال المتفوقين والمتميزين في الورشات والمسابقات.
و من خلال الأصداء والارتسامات التي تم استقاؤها … سجلت الجمعية أن جل الآباء يشيدون بالتجربة الرائدة للمخيم، وبالتحول الإيجابي الذي لمسوه في سلوكيات أبنائهم، خاصة من حيث الجرأة في التعبير، واحترام الآخر، والاعتماد على النفس. وقال أحد الآباء: “نفتخر أن بوجدور أصبحت تحتضن مثل هذه المبادرات التي تصقل شخصية أطفالنا وتفتح أمامهم آفاقا جديدة من خلال التربية على المهارات الحياتية .”
لم يكن الحفل مجرد اختتام لتظاهرة تربوية، بل لحظة رمزية جسدت كيف يمكن للجمعيات الجادة أن تترك بصمتها في المسار التنموي المحلي، وتساهم في بناء جيل قادر على رفع التحديات وأن جمعية الشعلة وهي تحتفل بخمسين سنة من العمل لا تنظر إلى الوراء إلا لتستلهم الدروس وتستشرف القادم بثقة مجددة التزامها الدائم بقضايا الطفولة والشباب وبناء مغرب ديمقراطي ثقافي ومواطن ومن بوجدور… تلك المدينة المقاومة، تتجدد الشعلة، وتستمر الرحلة.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

السبت 17 مايو 2025 - 22:43

مسؤول ألماني: المغرب شريك “استراتيجي وموثوق” لألمانيا في مجال الهجرة

السبت 17 مايو 2025 - 22:37

القمة العربية ببغداد تؤكد مركزية اتفاق الصخيرات كمرجعية أساسية لإيجاد حل للأزمة في ليبيا

السبت 17 مايو 2025 - 22:01

“أمان”: مركبة شرطة ذكية مغربية بتكنولوجيا محلية لتعزيز الأمن الحضري

السبت 17 مايو 2025 - 19:52

القمة العربية ببغداد تدعم ترشيح المملكة المغربية لمقعد غير دائم في مجلس الأمن

error: