أحمد بيضي
استطاعت “ثانوية 13 نونبر الإعدادية”، بلهري، مديرية خنيفرة، أن تنقش اسمها في سجل التميز الوطني، بعد أن توجت ب “الجائزة الكبرى للمسرح المدرسي” على صعيد المملكة، في فئتي النص المسرحي والملابس، عن مسرحية “لن أتنازل عن حقوقي”، وذلك خلال فعاليات التظاهرة التي احتضنها مسرح محمد الخامس بالرباط، هذا الإنجاز الوطني الرفيع لم يأتِ من فراغ، بل ابتدأ من الإقصائيات الجهوية التي نظمت بمدينة بني ملال في الخامس والعشرين من أبريل المنصرم، بعد أن أسفرت الاقصائيات الاقليمية في مجال المسرح بخنيفرة عن تأهل المسرحية إلى الإقصائيات الجهوية التي أبانت عن قدرة مكوناتها على شق طريقها صوب منصة التتويج الوطني.
وقد مثلت ثانوية 13 نونبر الإعدادية في هذه التظاهرة المسرحية البليغة المعاني، لكاتبها القاص والناقد المسرحي الأستاذ حميد ركاطة، وبتأطير فني وتربوي من الأستاذتين نادية الوردي ولبنى الشاوي، حيث استطاعت المسرحية، بما تحمله من مضامين إنسانية وتربوية، أن تحرك الوجدان بطرحها لقضية مجتمعية شائكة تتمثل في ظاهرة الهدر المدرسي، وخصوصاً ما يتصل بتمدرس الفتاة القروية، في تفاعل مع القيم الكونية لحقوق الإنسان والمواطنة الفاعلة، انسجاما مع التوجهات الوطنية والسياسات العمومية في هذا المجال المتعلق بفتيات العالم القروي ممن يشكلن أغلبية ضحايا الهدر المدرسي الذي تؤكد الإحصائيات أنه يعاني من هذا النزيف بشكل مقلق.
وتحكي المسرحية قصة فتاة قروية يتيمة الأم، تعاني إعاقة جسدية وتعيش في بيت تتحكم فيه زوجة الأب المسن، حيث تواجه الطفلة معاملة قاسية تفضي إلى حرمانها من مواصلة دراستها، غير أن بذرة الوعي تدفعها إلى رفض الاستسلام لواقع الظلم الاجتماعي، فتبوح لأخيها ولبعض صديقاتها بمعاناتها، وحينها تتدخل رئيسة جمعية محلية ومديرة المدرسة، في مشهد يعكس الدور التشاركي الفعال للمجتمع المدني والمؤسسة التعليمية في انتشال الفتاة من الضياع، وبإقناع مسلح بالقانون، تقنعان الوالد وزوجته بأهمية عودة هذه الفتاة إلى مقاعد الدراسة، خصوصا مع وجود مدرسة جماعاتية ووسائل نقل مدرسية، فتذعن زوجة الأب أخيرا، وتعود الفتاة إلى مدرستها.
إن هذا التتويج ليس مجرد فوز في مسابقة، بل تأكيد على أن المدرسة العمومية قادرة، حين يتكامل فيها التربوي بالفني، على غرس قيم المواطنة ورفع منسوب الوعي، إذ لم تصعد ثانوية 13 نونبر الإعدادية منصة التتويج وحدها، بل حملت معها صوت فتاة حرمت من التعليم لأنها أنثى، وحولت معاناتها إلى رسالة أمل ومرافعة فنية راقية، ومن خلال الحدث نهنئ المؤسسة بهذا الإنجاز، وللمبدع حميد ركاطة، والأستاذتين نادية الوردي ولبنى الشاوي، ولكل التلاميذ الذين آمنوا بأن المسرح المدرسي ليس تمثيلا فقط، بل فعل تربوي مقاوم ومغير تعكس واندماج فعلي ناجح للفن في المنظومة التربوية عبر ترسيخ دور المسرح في الارتقاء بالمواطنة لدى الناشئة.
ووفق بلاغ في الموضوع، جاء الإعلان الرسمي عن نتائج “جائزة المسرح المدرسي”، يوم الجمعة 23 ماي 2025، في ختام فعاليات “الملتقى الوطني لمسرح إعداديات الريادة” الذي احتضنه مسرح محمد الخامس بالرباط، بعد خمسة أيام من التفاعل الفني والتربوي المكثف بين تلميذات وتلاميذ 12 مؤسسة تعليمية من مختلف جهات المملكة، وقد عرف حفل الاختتام، الذي ترأسه وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، تتويج المسرحيات الفائزة، حيث نالت مسرحية “لن أتنازل عن حقوقي” الجائزة الكبرى، لما تميزت به من تكامل فني وإبداعي، وتناول تربوي هادف لعناصر العرض المسرحي المدرسي.
ولم يقتصر الحفل على تتويج الأعمال، بل شهد أيضا لحظة اعتراف جميلة بقامات مسرحية وطنية، حيث تم تكريم الفنانين فضيلة بنموسى ورشيد الوالي، في التفاتة تحمل دلالات رمزية قوية عن تلاقي أجيال المسرح المغربي، من الخشبة الاحترافية إلى خشبة المدرسة، دون أن يفوت المنسق الوطني لبرنامج الأنشطة الموازية بالوزارة، امبارك امزين، التوضيح بأن تنظيم هذا الحدث الثقافي يأتي انسجاما مع أهداف خارطة الطريق 2022-2026، التي تسعى إلى ترسيخ الفعل الثقافي والفني في الوسط المدرسي، وتعزيز المهارات اللغوية والحياتية للتلميذات والتلاميذ، بوصفها روافد أساسية للنجاح التربوي والشخصي.
تعليقات
0