“الفاو” تحذر من انهيار وشيك للأراضي الزراعية في العالم العربي والمغرب يقترب من الخط الأحمر

محمد اليزناسني الخميس 19 يونيو 2025 - 07:24 l عدد الزيارات : 9029

كشفت دراسة حديثة صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) عن أرقام صادمة بشأن تدهور الأراضي الزراعية، خاصة في المنطقة العربية التي تواجه تهديداً وجودياً على مستوى أمنها الغذائي. وتشير الدراسة إلى أن أكثر من 46 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في المنطقة مهددة بالتدهور، ما يمثل قرابة ثلثي مجموع الأراضي المتضررة بفعل الأنشطة البشرية على المستوى العربي، والبالغة مساحتها 70 مليون هكتار. هذه المعطيات المقلقة، المنشورة في مجلة الزراعة الصادرة عن معهد التنمية الزراعية والريفية، تضع ملف استصلاح الأراضي في قلب النقاش حول استدامة الزراعة ومكافحة الفقر والتغير المناخي في واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة بيئياً.

وتقدر المنظمة أن نحو 1.66 مليار هكتار من الأراضي حول العالم قد تدهورت نتيجة الضغط البشري، 60 في المائة منها تخص أراضٍ زراعية تشمل المراعي والأراضي الصالحة للزراعة. ومع الاعتماد شبه الكامل لإنتاج الغذاء العالمي—بنسبة تفوق 95 في المائة—على التربة، يصبح هذا التدهور المتسارع تهديداً مباشراً للأمن الغذائي العالمي، ويتطلب تحركاً عاجلاً على المستويات كافة. الدراسة تدعو بوضوح إلى ضرورة تبني مقاربات متكاملة تدمج ما بين الإدارة المستدامة للتربة والمياه وتغيير أنماط الاستغلال الزراعي، مع التأكيد على أهمية التحول الجذري في النظم الزراعية والغذائية لوقف هذا التدهور وعكس مساره.

وتُظهر نتائج التقرير أن المنطقة العربية تسجل معدلات تدهور مقلقة في الأراضي المزروعة، وهي من بين الفئات الأكثر عرضة للخطر. من أبرز العوامل المساهِمة: الإفراط في استخدام الأسمدة والمبيدات، وتفاقم ملوحة التربة نتيجة ممارسات الري السيئة، وتكرار العواصف الرملية والترابية، إلى جانب تأثيرات تغير المناخ مثل ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه. وعلى الرغم من كل هذه التحديات، لا تتجاوز مساحة الأراضي المخصصة للاستصلاح في المنطقة 4 في المائة، ما يبعدها كثيراً عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتشير التقديرات إلى أن استصلاح 26 مليون هكتار فقط من الأراضي المتدهورة قد يقلّص فجوة إنتاج المحاصيل الزيتية بنسبة تصل إلى 50 في المائة، مع تحسين أداء إنتاج الحبوب والمحاصيل الجذرية.

وتدفع هذه النتائج إلى ضرورة إطلاق مبادرة خاصة بالمنطقة العربية، تُبنى على أساس التعاون الإقليمي مع احترام الخصوصيات المحلية، وتهدف إلى استصلاح الأراضي المتدهورة وتعزيز الأمن الغذائي، والحد من الفقر، وبناء نظم زراعية أكثر مرونة واستدامة. وتستند المبادرة المقترحة إلى الزخم الذي ولّدته “أجندة عمل الرياض” خلال مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي احتضنته المنطقة العربية لأول مرة في ديسمبر 2024. وتطمح المبادرة إلى تعزيز قدرة النظم الزراعية على التكيّف مع الجفاف وشح الموارد المائية، في إطار مقاربة شاملة تتجاوز الحلول الترقيعية المؤقتة.

وقد شكل هذا المؤتمر محطة محورية في التأكيد على الدور الاستراتيجي لاستعادة الأراضي الزراعية باعتبارها مدخلاً أساسياً لضمان الأمن الغذائي ومواجهة آثار التصحر والجفاف. وأسفر ذلك عن إدراج هدف تحييد تدهور الأراضي ضمن أبرز مخرجات المؤتمر، خاصة القرار 19/COP.16 الذي يوصي بتجنب التدهور والحد منه وعكس مساره، مع التركيز على الأراضي الزراعية. وتقود منظمة الفاو الإطار الإقليمي للاستثمار في استصلاح النظم الإيكولوجية بالمنطقة، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وجامعة الدول العربية، حيث تُعطى الأولوية للمشاريع القابلة للتوسيع والتي تعزز التكامل الإقليمي.

وفي هذا السياق، أطلقت المنظمة منصة “ملاءمة المحاصيل”، وهي أداة رقمية مبتكرة توفر بيانات دقيقة عن خصائص التربة وتوافقها مع أنواع المحاصيل، ما يساعد صناع القرار والمزارعين على تبني خطط زراعية مستدامة تتماشى مع قدرات الموارد الطبيعية. وتندرج هذه الأداة ضمن توجه أوسع لدمج جهود استصلاح الأراضي في السياسات الوطنية وتوسيع فرص التكيف مع المناخ، مع دعم التنوع البيولوجي وتأمين سبل العيش في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

الدراسة تمثل إنذارًا علميًا لا يمكن تجاهله، وتعيد تسليط الضوء على معضلة تدهور الأراضي الزراعية كأحد التحديات الكبرى التي تواجه مستقبل الزراعة والغذاء في العالم العربي. المبادرات الإقليمية الجادة والسياسات الطموحة هي وحدها القادرة على تحويل التهديدات إلى فرص، وتعبيد الطريق نحو نظام زراعي قادر على الصمود في وجه أزمات الغذاء والمناخ المقبلة.

وتمثل حالة المغرب نموذجًا مقلقًا ضمن هذا المشهد الإقليمي. فقد أظهرت تحليلات للأقمار الصناعية خلال العقود الثلاثة الماضية أن مناطق واحات “ترناتة–وادي درعة” فقدت قرابة 30 في المائة من أراضيها المزروعة، في حين توسعت المساحات الصحراوية بنسبة تجاوزت 160 في المائة. وفي جهة الشرق، تشير البيانات إلى أن حوالي نصف المراعي تعاني من تدهور شديد إلى بالغ، وهو ما ساهم في اختفاء شبه كامل للغطاء النباتي في بعض المناطق. كما أن ملوحة التربة تمثل تهديدًا حقيقيًا؛ فحوالي 35 في المائة من الأراضي المروية تأثرت، فيما وصلت النسبة إلى 80 في المائة في مناطق مثل ورزازات بسبب الاستنزاف المفرط للفرشات المائية وسوء إدارة الري.

وتُضاف إلى هذه التحديات معضلة الجفاف، إذ تراجعت قدرة خزان “منصور الذهبي” من حوالي 7 مليارات متر مكعب إلى أقل من النصف، ما يفاقم من هشاشة المناطق الزراعية ويزيد من احتمالات التصحر الكامل. وتقر مصادر رسمية بأن استمرار الوضع الحالي قد يجعل بعض المناطق غير صالحة للعيش خلال عقد من الزمن، مما يحوّل التدهور البيئي إلى خطر اجتماعي واقتصادي شامل.

ورغم هذا السياق المظلم، فإن هناك بوادر أمل ظهرت عبر مبادرات محلية ناجحة. فقد أطلقت منظمة الفاو مشاريع زراعية مستدامة في مناطق مثل إملشيل وفيكيك وأيت منصور، تعتمد على تنويع المحاصيل وإدارة المياه وتنمية شبكات البذور المحلية. كما تحوّلت زراعة الصبار في جنوب البلاد إلى حائط صدّ طبيعي في وجه التصحر، ما ساهم في تحسين جودة التربة واستعادة بعض الأنواع النباتية الأصلية.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الخميس 19 يونيو 2025 - 14:46

بلاوي.. النيابة العامة تعتبر التعاون القضائي الدولي مدخلا أساسيا للردع…

الخميس 19 يونيو 2025 - 14:27

مهرجان موازين .. 20 سنة من الأحاسيس والموسيقى والتبادل بلا حدود…

الخميس 19 يونيو 2025 - 12:06

دراسة.. فحص دم مبتكر يكشف السرطان قبل سنوات من ظهور الأعراض…

الخميس 19 يونيو 2025 - 12:03

نشرة إنذارية.. طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد…

error: