قراءة في نشرات المندوبية السامية للتخطيط خلال الستة أشهر الأخيرة
عرفت الأسعار عند الاستهلاك خلال النصف الأول من سنة 2025 مساراً متقلباً يعكس حساسية السوق الوطنية لمجموعة من العوامل الموسمية والاقتصادية، حيث سجل الرقم الاستدلالي العام للأثمان تذبذبات شهرية تتراوح بين ارتفاع ملحوظ في بداية السنة وانخفاض نسبي في الأشهر اللاحقة، مع تسجيل معدل تضخم أساسي متواصل وإن بنسب متفاوتة.
ففي شهر يناير، انطلقت السنة على إيقاع ارتفاع بنسبة 0,8% في الرقم الاستدلالي العام، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بـ1,6%، في حين استقرت أسعار المواد غير الغذائية. أبرز الارتفاعات طالت الأسماك والخضر واللحوم، بينما شهدت أسعار المشروبات والعصائر تراجعاً طفيفاً. التضخم الأساسي ارتفع حينها بـ0,2% شهرياً و2,4% سنوياً.
في فبراير، تواصل الارتفاع لكن بوتيرة أبطأ، إذ بلغ 0,3%، مدفوعاً بزيادة في المواد الغذائية بـ0,6%، مع استمرار الارتفاع في أسعار الخضر والفواكه، مقابل تراجع أثمان اللحوم والزيوت. المحروقات سجلت قفزة بنسبة 1,9%، مما انعكس على تكلفة النقل. التضخم الأساسي حافظ على نفس مستوى يناير، بـ0,2% شهرياً و2,4% على أساس سنوي.
مارس كان بداية التحول، حيث انخفض الرقم الاستدلالي بـ0,3%، نتيجة تراجع المواد الغذائية بـ0,7%، في مقابل استقرار أسعار المواد غير الغذائية. أكبر الانخفاضات طالت اللحوم (بـ4,7%) ومشتقات الحليب (بـ2%). في المقابل، ارتفعت أسعار الخضر بـ4,9% والفواكه بـ1,7%. التضخم الأساسي تراجع بـ0,6% مقارنة بالشهر السابق، مسجلاً نمواً سنوياً بنسبة 1,5%.
استمر الاتجاه الانخفاضي في أبريل، مع تراجع إضافي بـ0,3%، مدفوعاً بانخفاض أسعار المواد الغذائية بـ0,6%، خاصة اللحوم ومشتقات الحليب والأسماك. أما أسعار المواد غير الغذائية فقد سجلت بدورها تراجعاً بـ0,2%، مدفوعة أساساً بانخفاض أسعار المحروقات بـ3,4%. التضخم الأساسي انخفض مجدداً بنسبة 0,2%، ليستقر على زيادة سنوية بـ1,2%.
وفي ماي، بلغت وتيرة التراجع 0,4%، بسبب انخفاض أسعار المواد الغذائية بـ0,8% وغير الغذائية بـ0,1%. المواد الأكثر تأثراً كانت الخضر (بـ2,1%) والأسماك (بـ1,7%) واللحوم (بـ1,5%). أما المحروقات فقد سجلت تراجعاً بـ2,7%. التضخم الأساسي عرف استقراراً شهرياً لكنه استمر في الارتفاع السنوي بنسبة 1,1%.
وتشير هذه المعطيات، المستخلصة من نشرات المندوبية السامية للتخطيط، إلى أن الأشهر الستة الأولى من 2025 تميزت بثلاث مراحل: الأولى اتسمت بارتفاع الأسعار وخاصة الغذائية منها، ما يعكس الضغط التضخمي المرتبط بفترة ما بعد نهاية السنة وموجة الشراء الشتوية؛ الثانية، بين مارس وأبريل، عرفت انعكاساً تدريجياً بفعل انخفاض أسعار اللحوم والطاقة؛ أما الثالثة، في ماي، فقد أكدت الاتجاه نحو التباطؤ في وتيرة التضخم، وإن ظلت بعض المؤشرات الأساسية مرتفعة، خصوصاً في قطاع المطاعم والفنادق الذي شهد زيادة سنوية تقدر بـ3,9%.
ويستشف من هذه البيانات أن التحكم في أسعار المواد الأساسية وخاصة الغذائية منها، يظل عنصراً محورياً في استقرار القدرة الشرائية للمواطنين. كما أن تأثير أسعار الطاقة يواصل لعب دور رئيسي في تحديد كلفة المعيشة، مما يستوجب اتخاذ تدابير استراتيجية لمواجهة تقلبات السوق العالمية وتداعياتها المحلية، خاصة في ظل هشاشة سلاسل التوريد واستمرار الضغوط الخارجية.
تعليقات
0