في مفارقة لافتة بين التصورات الشعبية والواقع السياسي، كشف تقرير “بارومتر إلكانو” في نسخته الـ45، الصادر عن المعهد الملكي الإسباني للدراسات الدولية، أن المغرب بات يُنظر إليه كمصدر رئيسي للتهديد من قبل الرأي العام الإسباني، متقدّماً على دول كبرى كروسيا والولايات المتحدة، رغم متانة العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد وتطورها في السنوات الأخيرة.
التقرير، الذي يغطي شهري ماي ويونيو 2025، استند إلى استطلاع رأي شمل عيّنة تمثيلية من ألف مواطن إسباني من مختلف المناطق، حيث أشار 60% من المستجوبين إلى أن إسبانيا لا تواجه تهديدات خارجية حالياً، فيما رأى 40% وجود تهديدات فعلية، وجاء المغرب في صدارة الدول المقلقة بنسبة بلغت 55%، وهو مؤشر مثير للانتباه في ظل العلاقات الجيدة بين البلدين.
هذا التناقض الصارخ يُعزى، بحسب محللين، إلى تأثيرات متراكمة للتيارات اليمينية واليمينية المتطرفة في إسبانيا، والتي دأبت على تغذية خطاب عدائي تجاه المغرب، مدعومة بسرديات تاريخية واستغلال مواضيع حساسة مثل الهجرة غير النظامية، والتوترات في سبتة و مليلية المحتلتين، إلى جانب إدارة ملف الحدود. هذه الخطابات تجد صداها في بعض وسائل الإعلام الإسبانية، التي تركز على الجوانب السلبية أو المثيرة، دون الإشارة إلى أوجه التعاون المتزايدة بين البلدين.
وبالرغم من أن التقرير لا يقدم تحليلاً معمّقًا لأسباب هذا التصور، إلا أن التباين في المواقف يتضح من خلال الانتماءات السياسية للمستطلعين، حيث يعبّر أنصار اليمين عن مستويات أعلى من القلق إزاء المغرب مقارنة بغيرهم.
لكن على أرض الواقع، تختلف المعطيات. فقد عرفت العلاقات المغربية-الإسبانية تطورًا نوعيًا منذ 2022، عقب زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى الرباط، والتي توجت بتوقيع مجموعة من الاتفاقيات في مجالات الأمن والهجرة والتعاون الاقتصادي. كما أصبح المغرب ثالث شريك تجاري لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، بعد الولايات المتحدة والصين، ما يعكس حجم الترابط الاقتصادي بين الجانبين.
ويرى مراقبون أن هذا التناقض بين تصورات الرأي العام الإسباني والواقع الدبلوماسي والاقتصادي، يكشف عن فجوة في التواصل الثقافي والإعلامي بين الشعبين، ويستدعي استثماراً أكبر في الدبلوماسية الناعمة، لتعزيز صورة المغرب وتصحيح الانطباعات الخاطئة.
وفي سياق أوسع، تناول “بارومتر إلكانو” مواقف الإسبان تجاه عدد من القضايا الدولية، أبرزها دعم قوي للقضية الفلسطينية، حيث أيد 78% من المستجوبين الاعتراف بدولة فلسطين، بينما تراجع التأييد لإسرائيل إلى 23%. أما في ما يخص الحرب في أوكرانيا، فقد ساد التشاؤم، حيث اعتبر 95% أن كييف لن تستعيد أراضيها المحتلة، رغم أن 75% أيدوا استمرار الدعم العسكري الأوروبي.
كما أبدى الإسبان تمسكًا بعضوية بلادهم في حلف الناتو (85%)، ودعمًا متباينًا لزيادة الإنفاق الدفاعي المحلي. وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي، حافظت عضوية إسبانيا على شعبيتها رغم بعض التراجع، فيما تراجعت صورة الولايات المتحدة، خاصة بعد عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة، حيث عبّر 61% عن قلقهم من تداعيات سياساته على المصالح الإسبانية.
وفي المجمل، يعكس التقرير واقعًا مزدوجًا: من جهة، تطورات إيجابية في العلاقات الدولية لإسبانيا، وعلى رأسها العلاقة مع المغرب، ومن جهة أخرى، تصورات شعبية مشوبة بالحذر، ومثقلة بخطابات سياسية وإعلامية تُغذي الانطباعات السلبية، ما يتطلب مزيدًا من الجهود الرسمية والمجتمعية لردم الهوة بين الواقع والانطباع.
تعليقات
0