دواوير آيت بوكماز تخرج من الهامش إلى الواجهة بعد مسيرتها الشعبية ضد التهميش الممنهج والإقصاء المزمن

أحمد بيضي الخميس 10 يوليو 2025 - 22:26 l عدد الزيارات : 14314

أحمد بيضي

في حدث احتجاجي غير مسبوق بحمولته ورمزيته على مستوى المناطق الجبلية بالمغرب، اجتاح المئات من ساكنة دواوير آيت بوكماز، صباح الأربعاء 9 يوليوز 2025، جبال أزيلال في مسيرة سلمية غير مسبوقة بصوت موحد، تعبيرا عن وجع متراكم من الإقصاء والتهميش، لم تكن المسيرة التي أطلق عليها السكان اسم “مسيرة الكرامة والعدالة المجالية” مجرد تمرين احتجاجي عابر، بل كانت صرخة جماعية اختلط فيها الألم بالإصرار، والحب الصادق للوطن برفض الاستسلام لصمت التجاهل، أبناء المنطقة حملوا الأعلام الوطنية، ليس من باب “الوطنية الوصولية”، بل للتأكيد على أن الحق في الغضب المشروع، لن يعني سوى المطالبة بحياة تحفظ كرامة الإنسان.

وعلى طول مسار المسيرة الغاضبة، ورغم ألام التعب وأجواء الحرارة، لم تتوقف حناجر ساكنة آيت بوكماز، المتدفقة من حوالي 27 دوارا، عن تنديدها الصارخ بواقع التهميش واللاعدالة المجالية التي تخنق المناطق الجبلية، وتكشف زيف الشعارات التنموية التي تتكرر منذ عقود دون أثر ملموس، حيث انطلقت المسيرة على الأقدام وعبر السيارات، في مشهد مهيب، باتجاه عمالة أزيلال على أساس التوجه بها إلى ولاية بني ملال خنيفرة، مطالبة بالحد الأدنى من العيش الكريم، وبالإنصاف والتنمية، حيث امتزجت فيها الشعارات المرفوعة بالصرخات العميقة، وتقدمتها لافتة مركزية تعبر بوضوح عن المطالب العادلة والمشروعة.

ولم يكن الطريق إلى إيصال الصوت سهلا، فقد حاولت القوات العمومية اعتراض المسيرة دون جدوى، فيما حاولت استخدام القوة في حقها عند جبل “تيزي نترغيست”، محاولة تطويقها ومنعها من بلوغ وجهتها، في صورة “تجسد تعثر قنوات الحوار وتكريس الإقصاء”، و”تبرز فشل السياسات العمومية في إنصاف الجبل المغربي”، كما علق أحد المتتبعين ممن رأوا في الإقصاء عملا “يستبطن تصفية حسابات سياسية ضيقة على حساب مصالح السكان”، و”تهميشا متماديا لأصوات طالما نادت بالحد الأدنى من الكرامة”، ذلك عندما تحولت المنطقة، رغم مؤهلاتها الطبيعية والسياحية، إلى عنوان للفقر التنموي.

وإلى جانب دخول عدد من الهيئات الحقوقية والإطارات السياسية الديمقراطية للتضامن مع حراك ساكنة المنطقة، لم يفت “الجمعية المغربية لحماية المال العام”، في شخص رئيسها، التأكيد على أن ما حدث في آيت بوكماز “يفضح ديماغوجية الدولة الاجتماعية” ويشير إلى “انسداد قنوات الوساطة وتفاقم الإحساس بالحكرة”، وفي ذلك “ما يعكس مدى التصدع الذي أصاب الثقة بين المواطن والمؤسسات”، بينما لم يتخلف “الائتلاف المدني من أجل الجبل” عن تذكير الحكومة ب “التزاماتها الأممية والوطنية المتعلقة بالتنمية المستدامة للمجالات الجبلية”، وب “أن الجبل لا يحتاج عطفا، بل إنصافا ولا يحتاج خطبا، بل قرارات شجاعة تعيد إليه مكانته في قلب الوطن”.

ووفق بيان ذات الائتلاف، لم تكن المسيرة سوى “تعبير حضاري وواعٍ عن تراكم عقود من الإقصاء والتجاهل، جعل من جماعات جبلية بأكملها، وفي مقدمتها آيت بوكماز، نقاطا عمياء في السياسات العمومية”، تذكر فقط في خطب المناسبات، وتنسى عند صياغة الميزانيات والمشاريع، وزاد قائلا بأن “ما يطالب به المواطنون ليس ترفا ولا ريعا، بل الحد الأدنى من شروط العيش الكريم والانتماء الفعلي إلى هذا الوطن”، وشدد على أن “أي نموذج تنموي جاد لا يمكن أن يبلغ أهدافه دون إنصاف حقيقي للمجالات الجبلية”، كما ذكر ب “التزامات الدولة في إطار الخطة الخماسية الأممية لتنمية المناطق الجبلية (2023-2027)”.

المشاركون، الذين تجاوز عددهم الألف، بحسب الملاحظين، عبروا مسالك وعرة، وناموا في العراء في مركز أيت امحمد، متحدين ظروف الطبيعة القاسية، ليصلوا إلى مقر عمالة أزيلال بعد مسيرة طويلة وشاقة، شعاراتهم كانت واضحة ومباشرة، حيث تحدثوا عن طرق مهترئة لم تعرف أي إصلاح حقيقي منذ عقود، عن مركز صحي بلا طبيب، عن تلاميذ يقطعون الكيلومترات وسط الثلوج من أجل الوصول إلى أقسام شبه خالية من مقومات التعليم، وعن نساء حوامل يجبرن على السفر لمسافات طويلة بحثا عن رعاية صحية أولية بالأحرى الحالات الحرجة والمستعجلة التي تحتاج  لمرافق صحية وخدمات طبية.

المطالب المرفوعة لم تكن خارج المنطق، بل كانت صرخة من أجل الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم، إصلاح الطريقين الجهويين 302 و317، توفير وسائل نقل خصوصا في المجال المدرسي، تعيين طبيب قار وتجهيز المركز الصحي، توفير سيارة إسعاف، وتغطية شبكة الهاتف والأنترنت بشكل شامل، وكل المطالب امتدت أيضا إلى الفضاءات الشبابية وملاعب القرب، ومراكز التكوين المهني المرتبطة بخصوصيات المنطقة، من زراعة جبلية إلى سياحة بيئية، بهدف الحد من البطالة ونزيف الهجرة القروية، حتى الجانب البيئي كان حاضرا بقوة، من خلال الدعوة إلى بناء سدود تلية تحمي الهضبة من فيضانات موسمية مدمرة.

رئيس جماعة تبانت أثار اهتمام الإعلاميين والمدونين على خلفية مشاركته إلى جانب الساكنة في خطوة وصفت لدى الكثيرين بأنها “انحياز مبدئي لمطالب عادلة، ورفض ضمني لواقع تنموي يواصل محاصرة المنطقة بإهمال غير مبرر”، فيما اعتبرها البعض “تملصا من المسؤولية الملقاة على المنتخبين”، وفي لحظة مفصلية، وبعد أيام من الضغط الشعبي، استقبل عامل إقليم أزيلال ممثلين عن الساكنة، وتعهد بالاستجابة لجميع المطالب الأساسية في غضون عشرة أيام، دونما أن يفوت بعض المتتبعين التعليق بأن العامل “كان عليه الانتقال للمحتجين وهم يطوون المسافات الصعبة وليس انتظار وصولهم إليه”.   

وغم ذلك، فقد تمكن “اللقاء العاملي”، الذي وصف ب “الصريح والمسؤول”، من إنهاء المسيرة بعد أن نجاح الساكنة في فرض صوتها بسلمية استثنائية، وفي ذات الوقت أصدرت اللجنة الإعلامية للمسيرة بلاغا تؤكد فيه التزامها بمواصلة التتبع، موجهة الشكر لوسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية، وعموم المتضامنين مع هذه الخطوة، من داخل المغرب وخارجه، وقد عاد أبناء آيت بوكماز إلى ديارهم، مرهقين جسديا لكن مرفوعي الرأس، بعد أن كسروا جدار الصمت، وأثبتوا أن الاحتجاج السلمي في الجبل يمكن أن يكون مؤثرا، وأن المعاناة قد تتحول إلى صوت جماعي، وأن الهوامش المنسية قد تتصدر الأخبار.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الجمعة 11 يوليو 2025 - 09:55

الجبهة الوطنية لإنقاذ لسامير: الحكومة مطالبة بإنقاذ المصفاة وضبط سوق المحروقات

الجمعة 11 يوليو 2025 - 09:50

أبرز عناوين الصحف الوطنية الصادرة اليوم الجمعة 11 يوليوز

الجمعة 11 يوليو 2025 - 09:42

المصادقة على مشروع قانون يتعلق بالحالة المدنية

الجمعة 11 يوليو 2025 - 08:32

توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة

error: