عبد الحميد جماهري 

سيكون على ستيفان دي ميستورا أن يعود إلى خطاب الملك بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش ليستحضر السياق العميق لـ«لا» المغربية بخصوص مسلسل التسوية والمسار السياسي لقضية الصحراء. فالخطاب المذكور ليوليو 2023، هو الذي سلط الضوء الجيوسياسي على القيمة الأخلاقية التي وردت في بلاغ الخارجية المغربية عقب اللقاء به، والتي كانت ثالث لاءاتها في الوضع الراهن:«لا عملية سياسية جدية، في وقت ينتهك وقف إطلاق النار يوميا من قبل مليشيات البوليساريو»..
وهو، أي الخطاب، كان قد جعل من هذه القيمة الأخلاقية والسلوكية إطارا مرجعيا يحكم الديبلوماسية المغربية كما يحكم منطلقات المغرب في التعامل مع قضيته.
وسيكون عليه أن يستكشف، من وراء بلاغ الخارجية المغربية، خلفية سامية في تحديد المفهوم المؤطر للمغرب الديبلوماسي كما يتجسد في الجدية عندما يتعلق الأمر بقضية وحدتنا الترابية.
1ـ إن الجدية، التي يقيم عليها المغرب دفاعه، تمشي مقرونة بالمشروعية، وفي ذلك إحالة على ترسانة المشروعية الأممية كذلك، علاوة على مشروعية الحق المغربي غير القابل للتصرف.
هي “التي أثمرت
أ- توالي الاعترافات بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية؛
ب- فتح القنصليات بالعيون والداخلة،
ج -تزايد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي”.
وإضافة إلى ذلك فهي التي تحكم ما يجب أن تدافع عنه الأمم المتحدة.
فهل يمكن التغافل عن المشروعية، في تصرفات الأمم المتحدة في الوقت الذي تبقى صامتة أمام انزلاقات وعبث الطرفين الأساسيين في الملف؟
هل يمكن أن نفصل المشروعية عن الجدية في الحكم على تحركات المبعوث الشخصي للأمين العام، ونتحدث مع المغرب عن معايير لا يحتكم إليها الآخرون؟
ولعل هذه الدعوة للتمسك بالجدية كإطار مرجعي للعمل الدولي، يجعل منها السمة المميزة للدبلوماسية في بلادنا.
ومن هنا فإن الامتحان الذي يخضع له دي ميستورا الراهن هو امتحان الجدية..
فلا يمكن أن تتصرف الأمم المتحدة، كما لو أنها تقيِّد المغرب بأمراس من كتان وتترك يد الآخرين مطلوقة ليقصفوا متى شاؤوا وما شاؤوا ومن شاؤوا..
كما قال الشاعر “ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء!”؟
ويتم، بالموازاة مع ذلك، محاباة الطرف الآخر عن طريق اللقاء مع حلفائه الأكثر عدوانية!
وليس من الجدية في شيء أن تتواصل الإرادة المعلنة والعملية في انتهاك وقف إطلاق النار، في انتهاك واضح للمشروعية الدولية كما تم تسطيرها في التوقيع على وقف إطلاق النار. وهو بالمناسبة اتفاق يجمع الأمم المتحدة والانفصاليين ولا يهم المغرب إلا في إسقاطاته الميدانية وقتل أبنائه أو في الحكم على الجدية الأممية المطلوبة..
إن الجدية تقتضي تسمية الأشياء بمسمياتها، وتسمية المارق مارقا والملتزم ملتزما.. كما أن الجدية والمشروعية هي أن تلزم الأمم المتحدة الآخرين بالمعايير التي حددتها في حل القضية وتجاوز الجمود الحالي..
ومن الجدية أن نسأل عن مستقبل المسلسل السلمي السياسي كما تريده الأمم المتحدة في ضوء السعي الحثيث لفرملته حينا وفي نسفه أحيانا كثيرة..
لقد ألزم المغرب نفسه وأبناءه بالجدية وحرص الملك أن يقدمها كسلم قيم متكامل من النشاط العملي إلى النشاط الشبابي مرورا بقيم التماسك والعمل ومشاريع الإقلاع، وهو يضع الجدية معيارا في تحديد أسباب نجاحه في الملف الوطني، ومن المنطقي أن يحضر الدبلوماسي الأممي كل هذه الأبعاد في البحث عن النجاح في امتحان الجدية!