باتت بعض مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية وحتى بعض قنوات اليوتيوب ببلادنا، ساحة مفتوحة للتفاهة التي تغزو شاشاتنا بلا رادع.
فبينما كان يُفترض أن تساهم هذه المنصات في إغناء الحوار الوطني ونقاش الشأن العام وتعزيز التفاعل المجتمعي، أضحت مرتعًا لمحتوى سطحي، تافه، مبتذل وأحيانا كثيرة يشجع على الانحطاط والسخرية الرخيصة والضرب في أعراض الناس والتنمر والاستهزاء بقيم المجتمع وقضاياه.
كل يوم، نشهد كيف تجتذب التفاهات عشرات الآلاآف بل مئات الآلاف من المتابعين المغاربة، وكيف ينحدر مستوى المحتوى تحت إغراء البحث عن المشاهدات والربح السريع. فتصبح أي “ترند” مهما بلغت تفاهته أو ضرره، مغرية لأشخاص يبحثون عن الشهرة السهلة عبر إثارة الجدل أو التجريح، مما يرسخ نمطًا مشينًا من السلوكيات ويعزز صورة سلبية عن المجتمع وثقافته.
هنا يتجلى دور كل فرد في هذا الفضاء الرقمي. فحينما نصادف محتوى مبتذلًا أو سطحيًا، بإمكاننا ببساطة أن نجعل ذلك المحتوى يتوقف عندنا، لا أن نعيد نشره أو مشاركته، وأن لا نساهم في زيادة انتشاره. ولعل هذا الأمر يبدو بسيطًا، لكنه يُعدّ خطوة كبيرة في مواجهة هذا المد الجارف من المحتوى الفارغ. حينما يتوقف الجمهور عن الاستجابة للتفاهات، لن يكون أمام أصحابها سوى التوقف أو تقديم ما هو أفضل.
لم أقدم هنا نماذج لتفاهات تنتشر في عالمنا الرقمي كذباب المزابل بل أتساءل وكما أردد دائما أن السؤال حق مشروع، لماذا يُقبل المغاربة على متابعة هذه المحتويات التافهة؟ سؤال يستدعي التحليل ويكشف عن ظواهر أعمق في المجتمع المغربي. قد يُعزى هذا الإقبال إلى عدة عوامل، منها الضغوط الحياتية اليومية التي تجعل المدمن على هكذا محتوى يقضي الساعات في المشاهدة . فالمحتوى الترفيهي السطحي والذي يوغل في التنمر أو السب والقذف يُتيح لبعض المتابعين مساحة للهروب من الواقع وإيجاد متنفس بسيط، حتى لو كان مبتذلا زائفًا ويتسم بسهولة التلقي وعدم الحاجة إلى مجهود فكري كبير، مما يجعله أكثر جاذبية لدى فئات واسعة.
لكن خلف هذا الإقبال، هناك أيضًا دور خوارزميات المنصات التي تُبرز المحتوى الذي يُثير الفضول ويُحفّز الانفعالات السريعة كالإثارة والضحك. وبغياب رقابة كافية على جودة ما يُنشر، تتكاثر الفيديوهات والمنشورات التي تستهدف الاهتمام السريع بدلًا من الفائدة الحقيقية. ولا يمكن إغفال تأثير التراكم؛ إذ مع انتشار هذا النوع من المحتوى، يصبح هو القاعدة ويعتاد عليه الناس، فيغدو جزءًا من الثقافة الرقمية اليومية.
هذه الظاهرة تفتح المجال للتساؤل: هل متابعة التفاهة خيار أم نتيجة حتمية لتراكمات اجتماعية وتكنولوجية؟ وهل يمكن توجيه هذا الاهتمام نحو محتوى أفضل إذا توفرت البدائل القادرة على تلبية حاجات الترفيه والفائدة معًا؟
التغيير الحقيقي يبدأ بوعي كل منا، فمواجهة التفاهة مسؤولية مشتركة. لا تنشرها، اجعلها تقف عندك، واجعل اختياراتك دليلًا على ما يليق بثقافتك ووعيك.
تعليقات
0