تقرير يسقط أوراق التوت عن مجلس المنافسة: محاولة لتبرئة ذمة شركات المحروقات أم توضيح للواقع الاقتصادي؟

محمد رامي السبت 9 نوفمبر 2024 - 21:19 l عدد الزيارات : 129146

محمد رامي

تقرير مجلس المنافسة المنشور حديثا حول تتبع تنفيذ التعهدات المتخذة من لدن شركات توزيع الغازوال والبنزين في إطار اتفاقات الصلح المبرمة مع مجلس المنافسة، برسم الربع الثاني من سنة 2024. افتتح بالإشادة بتعاون شركات المحروقات معه بحيث وافته بالتقارير التي طلبها منه.

هنا لا بد من الوقوف مليا عند هذه النقطة بالذات فبالرجوع إلى التقارير السابقة نجد أن اللغة تغيرت 360 درجة، وكأني أقرأ تقريرا أنجزته الشركات في سياق الدفاع عن نفسها وليس هيئة حكامة لأنه أوغل في لغة تبريرية توحي بأن أمرا ما ليس على مايرام.
شخصيا أعتقد أن التقرير، رغم احتوائه على بيانات مفصلة حول نشاط الشركات وتكاليف الشراء والتخزين، قد يُفهم كوسيلة لتوضيح الصورة أو ربما تبرئة ذمة الشركات وسط الاتهامات المتصاعدة مع ارتفاع أسعار المحروقات بالمغرب.

فهل يعكس التقرير محاولة حقيقية لتقديم الواقع بشفافية أم أنه يهدف لتبرئة الشركات من مسؤولية ارتفاع الأسعار؟

التقرير الأخير مصاغ بتفصيل وبدقة مثيرة، حيث يبرز الفروقات بين الأسعار الدولية للوقود وتكاليف الشراء المحلية، ويشير إلى وجود عوامل عدة تضيف على تكلفة الوقود في السوق الوطنية، مثل تكاليف الشحن، التأمين، والضرائب على الاستيراد، بل يذهب التقرير أبعد من ذلك ليُظهر تفاوتًا في انعكاس انخفاض الأسعار الدولية على أسعار الشراء الوطنية، مع إيضاح أن الشركات تواجه تكاليف متعددة غير مرئية للمستهلك، مما يجعل من الصعب نقل الانخفاضات مباشرة إلى السوق المحلي.

بقراءة متأنية ولما وراء السطور، نرى أن التقرير، وعلى الرغم من رصده لحجم الاستيراد وتكاليفه، يتجنب الإشارة المباشرة إلى أن شركات التوزيع قد تلاعبت بالأسعار أو حققت أرباحًا غير مبررة. في حين تشير تحليلات سابقة، سواء من قبل هيئات رقابية أو دراسات مستقلة، إلى أن الشركات قد استفادت من الانخفاضات الدولية في الأسعار دون تمريرها بالكامل إلى المستهلك.
تقرير المجلس يشير إلى أن التفاوت في الأسعار بين السوقين الدولي والمحلي يمكن أن يُعزى إلى تكاليف أخرى، لكن عدم الإشارة الصريحة إلى هذه النقطة يثير الشكوك حول حيادية التقرير ورغبته في تبرير الواقع أكثر من كشفه.

منذ سنوات، تعالت الأصوات التي تتهم شركات توزيع الوقود بتحقيق أرباح مبالغ فيها على حساب المواطنين، وهو ما دفع مجلس المنافسة في تقارير سابقة إلى الإشارة إلى تجاوزات هذه الشركات واستغلالها للتسعير الحر في السوق المغربي لتحقيق مكاسب أكبر.

رغم أن تقرير مجلس المنافسة الأخير لا يشير صراحة إلى تجاوزات جديدة، إلا أن غياب الإدانة الصريحة قد يفهم على أنه تجاهل لمطالب المواطنين، ما يفتح الباب أمام الشكوك حول مدى شفافية هذا التقرير ومصداقيته.
يبدو التقرير الأخير لمجلس المنافسة وكأنه يدافع، ولو بشكل غير مباشر، عن شركات توزيع الوقود، حيث يبرر التفاوت في الأسعار بسبب عوامل اقتصادية بدلًا من التركيز على أي استغلال محتمل للأسعار من قبل هذه الشركات.

التقرير يشير، بشكل غير مباشر، إلى أسباب تبرر جزءًا من الزيادة في أسعار المحروقات المحلية، وذلك من خلال تسليطه الضوء على عناصر إضافية تتجاوز السعر الدولي للوقود، مثل الضرائب الداخلية على الاستهلاك والضريبة على القيمة المضافة المطبقة على الاستيراد.

هذه الضرائب، وفقًا للتقرير، تزيد من تكلفة الوقود للمستهلك النهائي ولا تعكس بالضرورة التغيرات في الأسعار الدولية بشكل مباشر. بمعنى آخر، حتى مع انخفاض السعر الدولي للوقود، قد تبقى الأسعار المحلية مرتفعة بسبب الضرائب والعوامل الإضافية التي تتحملها الشركات.

يشير التقرير أيضًا إلى أن التكاليف النهائية لا تعتمد فقط على الأسعار الدولية، بل تتأثر كذلك بنوع العقود التي تُبرمها الشركات المستوردة، مثل عقود الشراء الآنية أو الآجلة، والتي قد تؤثر على التكاليف حسب التوقيت. وبالتالي، قد يكون لهذه العقود تأثيرات متفاوتة على الأسعار النهائية التي يتحملها المستهلك.

هذه الإشارات، رغم أنها ليست تبريرًا مباشرًا للزيادة، تقدم تفسيرًا للعوامل التي تؤدي إلى ارتفاع التكلفة النهائية، وتمنح الشركات نوعًا من التبرير لتعزيز موقفها أمام الرأي العام.

يظهر التقرير وكأنه يرغب في توضيح أن الأسعار في محطات الوقود ليست تحت سيطرة الشركات وحدها، بل تخضع لتأثير مجموعة من العوامل الهيكلية والإجرائية التي تسهم في ارتفاع الأسعار وتحدّ من انعكاس الانخفاضات الدولية على السوق المحلي بشكل فوري ومباشر.

من يدري، ربما يكون التقرير محاولة من المجلس لتجنب إثارة أزمة جديدة مع الشركات الكبرى في وقت تعيش فيه البلاد أزمة ثقة بين المواطنين والمؤسسات الاقتصادية، خاصة مع توالي ارتفاع أسعار المحروقات وقد يقول قائل أن التقرير هو لتتبع تنفيذ التعهدات المتخذة من لدن شركات توزيع الغازوال والبنزين في إطار اتفاقات الصلح المبرمة مع مجلس المنافسة، لكن يبقى التساؤل المطروح هو، هل يهدف التقرير إلى كشف الواقع بشفافية، أم أنه مجرد محاولة لتمرير تبريرات قد تساهم في تعزيز موقف الشركات الكبرى على حساب المستهلك؟

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الإثنين 2 ديسمبر 2024 - 22:29

عبد الحميد جماهري يكتب عن بوعلام صنصال .. البطل لم يخن نفسه

الإثنين 2 ديسمبر 2024 - 21:40

عنف سائقي الطاكسيات هدد العلاقات المغربية الروسية والوكيل العام بالدار البيضاء يتحرك لاحتواء الأزمة

الإثنين 2 ديسمبر 2024 - 20:08

الإعلان رسميا عن أول أيام شهر جمادى الآخرة لعام 1446 هجرية

الإثنين 2 ديسمبر 2024 - 20:08

تحديات القطاع الصناعي بالمغرب: تفاوت الأداء وضعف التنافسية الخارجية يعيقان النمو المستدام

error: